تُظهر الصورة طالبتين من معهد الملك سيجونغ بتونس تحملان البطاقات التي صمّمتاها خلال درس الخط الكوري. (الصورة من سلمى الكناني)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية التونسية سلمى الكناني
يُعتبر شهر مايو في كوريا من أهم الأشهر في السنة، حيث يُعرف باسم ‘شهر العائلة’ ويضم مجموعة من المناسبات التي تكرم الروابط الأسرية والعلاقات الإنسانية مثل يوم الطفل، يوم المعلم، ويوم الوالدين. من بين هذه الأيام، يحتل يوم الوالدين ‘أوبوي نال’ مكانة خاصة في قلوب الكوريين، حيث يُحتفل به في الثامن من مايو من كل عام. يُعبّر الأبناء عن امتنانهم وحبهم لآبائهم من خلال تقديم بطاقات تهنئة وزهور القرنفل الحمراء التي تُعد رمزًا لهذا اليوم. احتفاءً بهذا اليوم المميز، قدّم لنا معهد الملك سيجونغ في تونس يوم السبت الماضي، 10 مايو 2025 تجربة ثقافية، تمثلت في درس فني في الخط الكوري، مكّننا من معايشة أجواء يوم الوالدين الكوري بكل تفاصيله.
تُظهر هذه الصورة درس الخط الكوري الذي أُقيم في معهد الملك سيجونغ بتونس بمناسبة الاحتفال بيوم الوالدين. (الصورة من سلمى الكناني)
خلال هذا الأسبوع، خُصِّصت حصة الخط الكوري داخل معهد الملك سيجونغ بتونس لتصميم بطاقات تهنئة للإحتفال بيوم الوالدين. وقد تم تجهيز القاعة بأجواء جميلة ودافئة تعكس روح الامتنان والاحتفال. على الطاولات، وُضعت مواد فنية متنوّعة شملت أوراقًا باللون العاجي، وأقلام خط ملوّنة بدرجات مبهجة كالوردي، والأحمر، والأخضر أضافت لمسة جمالية لكل بطاقة. جلس كل طالب أمام أدواته، مستعدًا لكتابة عبارات محبة وامتنان لوالديه باستخدام ما تعلمه من اللغة الكورية. وقد حملت تلك العبارات كلمات بسيطة، لكنها عميقة في معناها، مثل: 'أحبكما أمي وأبي'، 'شكرًا لكما'، و 'أتمنى لكما الصحة والعافية'. لم تكن لحظة الكتابة مجرّد تمرين لغوي أو نشاط فني، بل تحوّلت إلى لحظة تأمّل واعتراف داخلي بفضل الوالدين وبقيمة الحب غير المشروط الذي يغمرون به أبناءهم.
تُظهر هذه الصورة المواد المستخدمة لإنشاء البطاقات. (الصورة من سلمى الكناني)
كان الجو مفعمًا بالهدوء والتركيز، وكل طالب مُندمج تمامًا في تصميم بطاقته الخاصة، البعض اختار تزيينها بأزهار القرنفل، وآخرون أضافوا رسومات صغيرة تعبرعن الطفولة والحنان. كان واضحًا أن كل بطاقة تحوّلت إلى عمل فني يعكس شخصية صاحبها، والأجمل أن الكل شارك هذه اللحظة بفرح وتقدير عميق.
تُظهر هذه الصورة إحدى طالبات معهد الملك سيجونغ أثناء قيامها بإنشاء البطاقة. (الصورة من سلمى الكناني)
ما أثار انتباهي بشكل خاص ولمس قلبي بشدة هو ما قامت به إحدى صديقاتي، حيث لم تكتب بطاقة واحدة فقط لوالديها، بل اختارت أيضًا أن تعبرعن امتنانها لمعلمتنا التي ترافقنا دائمًا خلال مسيرتنا في تعلم اللغة والثقافة الكورية. كتبت لها بطاقة بخط يدها وقدمتها لها أمام الجميع. كانت لحظة صامتة ومؤثرة، امتلأت بالاحترام والعاطفة. بدت معلمتنا متأثرة جدًا بهذه المبادرة غير المتوقعة. أظهرت هذه اللفتة الرمزية أن العلاقة بيننا وبين المعلمة تجاوزت حدود التعليم، لقد أصبحت شخصية قريبة من قلوبنا، تساندنا، تستمع إلينا، وتدفعنا للأمام. بالنسبة لنا، لم تعد مجرد أستاذة، بل أصبحت رمزًا للأمومة والدعم داخل هذا الفضاء الثقافي الذي يجمعنا كل أسبوع.
تُظهر هذه الصورة البطاقة التي أنشأتها الطالبة بمناسبة يوم الوالدين. (الصورة من سلمى الكناني)
من خلال هذه التجربة، تعزّز لديّ الإيمان بأن تعلُّم اللغة يتجاوزحفظ الكلمات أو القواعد، فهو وسيلة لاكتشاف ثقافة غنية بالرموز والمشاعر. لم يكن احتفالنا بيوم الوالدين نشاطًا فنيًا عاديًا أو درسًا تقليديًا في الخط، بل كان تجربة ثقافية غنية ومتكاملة، أتاحت لنا معايشة إحدى المناسبات الكورية، والتعبير من خلالها عن مشاعر إنسانية صادقة تتجاوز اللغات والحدود. لقد شعرت أن القيم الكورية في الاحترام والامتنان للوالدين تشبه كثيرًا القيم التي تربّينا عليها نحن أيضًا، مما جعل اللحظة أكثر صدقًا وارتباطًا.
تُظهر هذه الصورة اللحظة التي قدمت فيها الطالبة البطاقة التي أنشأتها لمعلمتنا كهدية تقدير وامتنان. (الصورة من سلمى الكناني)
إن معهد الملك سيجونغ يلعب دورًا مهمًا كجسر ثقافي بين كوريا وتونس، فهو لا يكتفي بتقديم الدروس اللغوية، بل يحرص على أن نعيش الثقافة الكورية بكل أبعادها، من خلال أنشطة فنية ومناسبات تقليدية تفتح لنا أبواب الفهم العميق للمجتمع الكوري. يوم الوالدين الذي احتفلنا به داخل المعهد لم يكن مناسبة تعليمية فحسب، بل كان فرصة للتعبير، للإبداع، ولتعزيز الروابط الإنسانية التي تجمعنا. خرجت من هذا الدرس وأنا أشعر بامتنان مزدوج، لوالديّ ولمعلمتي التي أصبحت مثالًا حقيقيًا للعطاء والإخلاص في التعليم. كما شعرت بفخر كبير لكوني جزءًا من هذا المعهد، الذي يقدّم لي ثقافة، ذاكرة، وتجربة إنسانية لا تُنسى.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.