صورة لعائلة كورية ترتدي الزي الكوري التقليدي (الهانبوك) احتفالًا بيوم الوالدين. (الصورة من فري-بيك)

بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية زينب نيازي حسن

في كوريا؛ في بلد يُقدّر العائلة تقديرًا عميقًا، ليس من العجيب أن يُعرف شهر مايو هناك بـ ‘شهر العائلة’، إذ يَضم بين أيامه أكثر من مناسبة تُركّز على الروابط العائلية، مثل يوم الطفل ويوم الوالدين.

في كل مرة أتعرف فيها على مناسبة كورية جديدة، لا أكتفي بتعلّم تقاليدهم، بل أكتشف أيضًا طرقًا مختلفة للتعبير عن المشاعر. وفي هذا المقال، أتحدث عن يوم الوالدين او يوم الآباء؛ لا لأنه احتفال كبير أو صاخب، بل لأنه بسيط وصادق.

لفت نظري كيف يُعبّر الكوريون عن امتنانهم لوالديهم بإيماءات صغيرة، لكنها مفعمة بالحب. حين رأيت مشهدًا لأمّ تمسك بزهرة قرنفل، أو أب يبتسم وهو يقرأ رسالة مكتوبة بخط يد أحد أبنائه، شعرت أن تلك المشاهد – رغم بساطتها – تحمل الكثير من العمق. في تلك اللحظة، لم أرغب في نقل معلومة، بل أردت أن أكتب لأشارك شعورًا لمس قلبي.

وحتى أفهم أكثر سر هذا اليوم ومكانته، بدأت أسأل أصدقائي وأساتذتي الكوريين عن جذوره. اكتشفت أن بدايته كانت عام 1956 كيوم مخصص للأمهات، قبل أن يتحول عام 1973 إلى يوم موحّد يُكرَّم فيه كلا الوالدين. ومنذ ذلك الحين، أصبح 8 مايو موعدًا سنويًا يحتفل فيه الكوريون بأجمل ما في الحياة ألا وهو حب الوالدين.

بعد أن تحدثت عن بساطة الاحتفال، أريد أن أشارك معكم كيف يُعبّر الكوريون عن حبهم لوالديهم. في يوم الوالدين، لا تقتصر الاحتفالات على الهدايا الكبيرة أو الحفلات الصاخبة، بل يتم التركيز على اللمسات الصغيرة التي تُعبّر عن الامتنان، مثل تقديم الزهور أو كتابة رسائل دافئة بأيدٍ مرتجفة. هذا النوع من التعبير يبدو بسيطًا، لكنه مليء بالمشاعر الصادقة التي تكشف عن عُمق العلاقة بين الأفراد.

صورة لباقة من زهور القرنفل بجانب ظرف باللون الوردي من احد الابناء لوالدته في يوم الوالدين. (الصورة من فري-بيك)

في كوريا، الزهور تحظى بمكانة خاصة، وفي هذا اليوم تتصدر زهرة القرنفل المرتبة الأولى، والتي تُعتبر رمزًا للبر والإحسان. فيُقدّم الأبناء زهرة القرنفل البيضاء لأمهاتهم والقرنفل الأحمر لآبائهم كعلامة على احترامهم وحبهم الكبير. هذا التقليد الجميل لا يقتصر على الهدية، بل يمتد ليشمل أوقاتًا من التأمل في معنى العائلة ودورها في حياة كل فرد.

صورة توضح زهرة القرنفل البيضاء وزهرة القرنفل الحمراء. (الصورة من بيكسلز)

وفي محادثاتي مع أصدقائي الكوريين، فهمت أن هذا اليوم هو أكثر من مجرد تكريم؛ إنه دعوة للتعبير عن المشاعر بشكل أكثر صدقًا وواقعية. فالكوريون – خاصة الأجيال الأصغر– يُعبّرون عن حبهم بطريقة قد تكون بسيطة، ولكنها أكثر تأثيرًا. قد تجد أطفالًا يكتبون رسائل قصيرة تعبيرًا عن امتنانهم، أو يصنعون هدايا يدويّة بأيديهم، وقد يكون هذا بديلاً عن الهدايا المادية التي قد تكون باهظة.

صورة لبرقية من الكلمات والرسومات البسيطة بجانب زهور القرنفل من احد الاطفال لوالدته بمناسبة يوم الوالدين (الصورة من بيكسلز)

بينما كنت أتعرف أكثر عن يوم الوالدين في كوريا وأتفحص تقاليدهم، شعرت بأثر ذلك في حياتي الشخصية. فقررت أن أطبق ما تعلمته من خلال تحضير مفاجأة صغيرة لوالدتي ولوالدي في يوم الوالدين. رغم أنني لم أتمكن من الحصول على زهرة قرنفل كما في كوريا، إلا أنني كتبت لهم رسالة بخط يدي معبرة عن امتناني وحبي لهم.

عندما قرأوا الرسالة ورأيتُ رد فعلهم، شعرتُ أن الكلمات البسيطة التي كتبتها كانت أكثر تأثيرًا من أي هدية مادية. لم يكن الأمر يتعلق بحجم الهديّة، بل بمعنى الكلمات والمشاعر التي كانت وراءها. وفي تلك اللحظة، أدركت أن الاحتفال بعيد الوالدين لا يحتاج إلى مناسبات ضخمة أو مراسم معقدة، بل يكفي أن يكون مليئًا بالصدق والتقدير.

الصورة توضح ظرف وبه رسالة بخط اليد. (الصورة من فري-بيك)

وفي النهاية، اردتُ أن أقول :- "لقد ألهمني هذا اليوم في فهم كيف يمكن للمناسبات الثقافية أن تُعزز الروابط بين الأفراد وتُذكّرنا بأهمية الأسرة. سواء كان من خلال زهرة قرنفل أو رسالة مكتوبة بخط اليد، يظل المعنى الحقيقي في تقدير الحب والعناية التي نتلقاها من عائلاتنا، وهو ما يجعل هذا اليوم مميزًا حقًا."



dusrud21@korea.kr

هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.