بعض من المنتجات ومشغولات الخياطة اليدوية التي تقدمها 'ميونغسوم' في المعارض االخاصة بفنون 'جيوبانغ' الحرفية، وأحدثها معرض الفنون الحرفية في كوريا عام 2022 (الصور من ميونغسوم، التصميم بواسطة المؤلف آلاء عاطف)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية آلاء عاطف عبادة
الصور= ميونغ سو-كي (مؤسس ميونغسوم)
يعني 'جيوبانغ' في القاموس الكوري "غُرف معيشة النساء"، وهي الغرف حيث عاشت سيدات وفتيات عصر جوسون أغلب حياتهن اليومية بينما كان من الصعب خروجهن إلى الشوارع بسبب القواعد والعادات الصارمة، وبسبب هذه الظروف التي عايشنها؛ حوّلن تلك الغرف إلى استوديوهات فنية إبداعية وقمن باستغلال طاقتهن وأوقاتهن في عدة أشغال يدوية أنيقة سواء للزينة أو ما يحتاجه المنزل باستخدام الإبرة والخيط وحتى الصباغة الطبيعية، ومن هنا نشأ مصطلح 'جيوبانغ غونغ يه' أو حرفة غُرف النساء وتشير مباشرة إلى فنون الخياطة، فكان يتم حياكة الهانبوك ومنسوجات التدفئة وغيرها من أقمشة مصبوغة بألوان طبيعية، وصنع المشغولات الصغيرة مثل البوجاجي والجيوب والحقائب وحافظات الإبر بقطع القماش المتبقية بأشكال أنيقة بأنماط هندسية وإبداعية، فلم تكن مجرد غُرف للجلوس والتسامر فقط بين النسوة اللائي يجتمعن سويًا، بل كوّن باجتماعاتهن ثقافة نسائية إبداعية كاملة.
بسبب اهتمامي الشديد بهذا التراث الثقافي، أجريت مقابلة عبر البريد الإلكتروني في مطلع العام الجاري يوم 17 يناير مع الفنانة ميونغ سو-كي، التي تتبع هذا النمط من حرف 'جيوبانغ' اليدوية التقليدية في فنها بشكل معصرن ومحدث، فتصمم "أشياء كورية للغاية" وتقول، "لقد انجذبت للخياطة بدلا من التصميم، أولى اهتماماتي كانت الخياطة. نسمّي الحرفة الكورية التقليدية للخياطة بـ'جيوبانغ غونغ يه'، هذا النوع الجميل من النسيج لدينا في التراث الكوري وألوان أقمشتنا الجميلة، كل غرزة فيه جذابة للغاية.." وتابعت عما دفعها لاحتراف الخياطة بدلا من أي عمل آخر، "الخياطة هي التي جعلتني أسعى لاستكشاف الجمال، بعد العمل لفترة طويلة في شركات تقيم النجاح والأداء بالأرقام، قررت ترك هذا العمل والقيام بصنع شيء بيدي فبدأت بالخياطة.. وأصبحتُ 'ميونغسوم' أحد العلامات التجارية الحديثة المتخصصة بتصميم الجمال الكوري التقليدي. أصنع الحقائب والقطع الأكثر اتساقًا مع الثقافة الكورية.."
يمكن أن تكون الثقافة الكورية التقليدية مصدر إلهام في العديد من استخدامات الحياة اليومية، سواء كنت كوريا أم أجنبيا فهي جميلة الشكل وعصرية.. بعض الأشغال اليدوية والمستخدم فيها الألوان الطبيعية والمواد صديقة البيئة بإلهام كوري تقليدي بحت في شكل يماشي العصر الحديث، يظهر في الصورة الحقائب على شكل 'حقيبة الحظ الكورية، وألوان 'سايك دونغ' التقليدية ورموز 'جيل سانغ مون' الميمونة وغيرها من طرق التطريز الكورية الخالصة (الصور من ميونغسوم)
تعرفتُ على 'ميونغسوم' عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعلمت الكثير عن جماليات الثقافة التقليدية الكورية ورموزها من خلال ما تنشره الفنانة مما دفعني للقيام بالمقابلة، واسم 'ميونغسوم' يجمع بين المقطع 'ميونغ' الذي يعني الضوء في رموز الصينية، و'بلوسوم' كلمة إنجليزية تعني الإزهار، تقول "يعكس هذا الاسم هدفي ورغبتي، فقد نجحت في الإشعار عن الجمال الكوري التقليدي وجعله يزدهر بشكل مشرق، "الحياة اليومية التقليدية، والتقليدية في الحياة اليومية" هي الطريقة التي أتبعها، أنشأت علامة تجارية تحمل في اسمها وتصاميمها قصة الجمال الكوري التقليدي وليس تصاميمًا فحسب. فأصنع "شيئا من قصة" يمكن استخدامه في الحياة اليومية، وإعطائه كهدية ولكنه يحمل قصة معينة".
"قبل البدء في مشروع مخصص للجمال التقليدي الكوري بشكل حديث، عملت 'ميونغ سونغ-كي'؛ مع وكالة سفر لمدة 20 عامًا، فكان ذلك سببا لاختيارها تمثيل العناصر الثقافية الكورية في تصاميم، "سافرت خارج كوريا أكثر من الرحلات داخلها، وذهبت في رحلات عمل أكثر من أربع مرات سنوياً. بدلا من السلع الفاخرة، كنت أُفضّل الهدايا التذكارية التي تحمل قصة كل بلد. "إذن لأصنع شيئا كهذا" كانت القصص الكورية التي تعكسها المنسوجات من الأقمشة التقليدية تثير اهتمامي، أردت تصميم منتج يحتوي قصتنا التقليدية ويستخدم نسيجنا ويكون كوريا خالصا ويعتبر هدايا لأجنبي أو محلي. بعد ترك العمل تعلمت الخياطة الحرفية من غيوبانغ، وتعلم العُقد التقليدية، وبدأت أركز على الحرف التي تحمل العناصر الكورية التقليدية وأدركت أن ما أحب فعله هو شيء كوري..".
حقيبة النمر والفراشة المخملية، صنعت على شكل حقيبة حظ بإلهام من طرز ملابس النبلاء 'دانهو هيونغ باي' في هدعصر جوسون ورموز الحظ الجيد (الصورة من ميونغسوم)
متابعة عن تصاميمها المفضلة من عناصر الإلهام التقليدي الكوري وكيف جعلت من الأشياء العادية كورية، "بدأت كمصممة بالحقائب النسائية ثم تحولت إلى تصميم مستلزمات المنزل والإكسسوارات والمنتجات الحية، من الصعب اختيار تصميم مفضل لكثرة التصاميم التي أحبها، لكن أحب كل من حقيبة الظهر المخملية 'هورانجي بوكي باج' وغطاء الأذن والخدود 'بولكي'."
"حقيبة الظهر المخملية 'هورانجي بوكي باج' برمز نمر وفراشة التي تظهر غالبًا في اللوحات القماش المطرزة بإتقان في ملابس النبلاء في عهد جوسون 'دانهو هيونغ باي'، كانت تعلق على الصدر والظهر. كذلك الفراشة 'هوجيوبدو' لوحات الزهور على شكل فراشة تم تصويرها رمز الفرح وطول العمر. فالحقيبة مخملية على شكل حقيبة حظ كورية مع تطريز جوسون نمر وفراشة مما جعلها حقيبة كورية للغاية، تم تصميم الرسمات بإتقان وتدقيق كبير عبر الخياطة اليدوية على نسيج القطيفة المخملي الذي يتميز بالأناقة والفخامة.
بولكي أذنية وغطاء للخد، هي عنصر مهم للتدفئة استخدم في عصر جوسون في فصل الشتاء، تستخدم مسونغسوم زهور الفاونيا ورموز طول العمر في التطريز اليدوي كذلك الفرو الصديق للبيئة (الصورة من ميونغسوم)
"أما 'بولكي' لفائف وأغطية الخد والأذن التقليدية في عهد جوسون أصبحت الآن تتماشى مع الموضة العصرية، فهي أحد أشهر المدفئات والمعدات الشتوية قديما، صممته بطريقة عصرية ليكون مثل كاتم للصوت وسدادات أذن قابل للارتداء كاكسسوار شتوي دافئ. يتراوح التصميم من حدود مصنوعة من نسيج مبطن تقليدي بفرو صديق للبيئة إلى خدود ملكية مطرزة بزهور الفاونيا والملحقات الزخرفية المستوحاة من الحياة التقليدية، مما يجعل منه قطعة فنية تنضح بالأناقة والجمال وانسجام منعش للمظهر الثقافي الكوري. إنه لأمر مدهش أن يتم إعادة استخدام العناصر الكورية التقليدية فما أحبته النساء في جوسون تحبه النساء الآن بعد مئات السنين."
سايك دونغ هي الأقمسة متعددة الألوان صنع منها سترة الهانبوك قديما 'سايك دونغ اوت' وارتدي في الأعياد والمناسبات السعيدة، وهي أقمشة تمثل الآمال السعيدة والبهجة- مئازر هانبوك للأعمال المنزلية من تصميم 'ميونغسوم: (الصورة من ميونغسوم)
تستخدم 'ميونغسوم' الأقمشة الكورية متعددة الألوان الشبيهة بقوس قزح 'سايك دونغ' بكثرة في تصاميمها وهو قماش استخدم في ملابس الهانبوك قديما، "أحب ألوان 'سايك دونغ' ارتديناه قديما في السترة العلوية للهانبوك في الأعياد والأيام السعيدة، يمكنك تسميته "الشرائط الكورية" أستخدمه كثيرا لأنه يجعلني أشعر بالرضا بمجرد النظر إلى تعدد الألوان الجميلة. أنتقي الألوان بناءا على التصميم والتأثير الكلي الذي أريده للمنتج. يمكنني استخدام الألوان التقليدية الكورية في التصميم الخاص بي، إذا كانت الألوان تتطابق مع التصميم المختار."
حقائب للجهاز اللوحي بأقمشة 'سايكدونغ' ومطرزة بالزهور الكورية زهرة الشارون والفاونيا (الصورة من ميونغسوم)
وأضافت عن المزيد من الملحقات والعناصر الكورية التقليدية التي تستخدمها في تصاميمها الحديثة، "أنا أحب 'جيل سانغ مون' الرموز الزخرفية الميمونة التي تحمل يد قدامى الآباء الكوريين، وتعبر عن تفكيرهم وتمثل الحظ الجيد، هي رموز حسنة المعنى (السعادة، الحياة، اليُمن والبركة، طول العمر إلخ) تم استخدامها في الحياة اليومية مثل الأوعية والحلى والأثاث والأقدام (لفائف تعلق على الأبواب) يصعب رؤيتها في العصر الحالي لكني كنت محظوظة أن أشهد منها على الأوعية والوسائد وأنا صغيرة..
في عام 2020 كان الجميع يمرون بأوقات عصيبة مع كورونا، صنعت حقائب التمائم من قماش الرامي مطرزة على الجانبين برمز 'بوك' و'سانغهي' يعني اليُمن والبركات والفرح على أمل أن يكون هناك فرح مزدوج، وجعلتها نوريجيه (اكسسوار وحلى معلق للملابس والهانبوك)، رغم أنها رموز صينية فقبل استخدام الهانجول على نطاق واسع في عهد مملكة جوسون، استخدمنا أيضًا هذه الأحرف الصينية 'هانجي'، وأعتقد أن هذه الرموز الصينية لازالت جزء من تقاليدنا، مثلما كان لأسلافنا معنا جيدا، فإنني أصنعه بمعنى جيد."
نوريجيه، مثل تمائم تجلب الحظ الجيد في الثقافة الكورية، تستخدم رمز 'بوك' يعني السعادة من رموز الهانجا الصينية التي استخدمت في كوريا على نطاق واسع قبل اختراع الهانجول، وهي من رموز 'جيل سانغ مون' الميمونة (الصورة من ميونغسوم)
وعن مدى رغبتها في مواكبة تصاميمها للاتجاهات العالمية الغريبة والمتجددة، عبرت "لأكون صادقًة، لا يمكنني مواكبة اتجاهات الموضة لأني فقط أفعل ما بوسعي وإمكانياتي فأصنع تصميمات يمكن استخدامها ومنتجات بالأقمشة الكورية التقليدية المستخدمة في الهانبوك. إذا فكرت في الأمر استخدام ألوان سايك دونغ، بالنسبة للموضة فقبل بضع سنوات كان يعد مبتذلًا، لكن الآن أصبح مفعمًا بالحيوية. عندما صنعت الحقائب والمآزر لأول مرة في عام 2018، قالوا إنها غير عصرية بسبب ألوان سايك دونغ، ولكنها الآن أصبحت محببة.. تصاميمي تركز على استخدام المواد الكونية والملمس الطبيعي، وأنا أحاول تصميم كل شيء بطريقة صحية ويتناسب مع الثقافة الكورية الأصيلة. لا أتبع دائمًا الاتجاهات العالمية، ولكن يمكنني اختيار الألوان والملمس بناءً على الاتجاهات العالمية إذا كان ذلك مناسبًا".
وعما تأمل أن يتعلمه الناس من تصاميمها، "بدلا من أن يتعلم الناس شيئا أريد أن أسمع "أوه! هل كان هذا أيضا تقليدي؟! إنه ممتع" تقاليدنا ممتعة ومازالت مفيدة، أنا أصمم لإضفاء البهجة والمرح، وأحب أن أرى قصصي تهز القلوب والعقول، وأن ألهم الأشخاص لتعلم الثقافة الكورية الأصيلة، آمل أن تريك تصاميمي أن التقاليد ممتعة وتحكي قصصها".
ختامًا توجهت بالشكر للقراء ومحبي الثقافة الكورية، "أولًا، أشكر جميع من يحب كوريا ويهتم بثقافتنا، وأريد أن أشير إلى أن هناك الكثير من القصص والتصاميم المأخوذة من التراث الكوري التي لم يتم حكايتها وتقديمها بعد. أتمنى أن تساعد تصاميمي على نشر ثقافتنا بطريقة جديدة ومنعشة. لا تتردد في إعطائي اقتراحاتكم وملاحظاتكم حول تصاميمي في المستقبل، أتمنى أن تحبنا وتهتم بثقافتنا كما تفعل الآن وأن تساهم تصاميمي ولو بجزء بسيط في نشر ثقافة كوريا".
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.