تم إلتقاط الصورة أثناء انعقاد اللجنة الحكومية الدولية التابعة لليونسكو لاتفاقية يونسكو لحماية التراث الإنساني غير المادي في أديس أبابا بدولة إثيوبيا، والتي تم بها تأكيد إدراج ’ثقافة هينيو‘ ضمن قائمة التراث الإنساني الثقافي غير مادي. ييصفق في ابتهاج كل من حاكم جيجو وون هي-ريونغ (الثاني من اليمين) وممثلة هينيو كانغ إي-شيم (يمين) والوفد الكوري . (الصورة من إدارة التراث الثقافي)
بقلم مراسلة كوريا.نت الفخرية الجزائرية إيمان بوحنيكة
هل تعلم أن كوريا لديها مهنة نسائية فريدة من نوعها للغاية وهي خاصة فقط بجزيرة جيجو؟
على الأرجح قد سمعت من قبل عن جزيرة جيجو، وجهة السفر الشهيرة لكل من الأجانب والكوريين، والمعروفة بموسم أزهار الكرز الربيعي الخلاب، والمواقع البركانية البارزة ومنتزه هالاسان الوطني، لكن على الأغلب قد فآتتك معلومة حول مهنة لا نظير لها في العالم خاصة بالتراث الثقافي الكوري وموجودة حصريًا في هذه الجزيرة الجميلة، ألا وهي غواصات هينيو .
أثناء قراءتي لإحدى الكتب المؤلفة من طرف هيئة ترويج الثقافة الكورية عبر البحار، التي تم تقديمها لي بعد التطوع خلال الأسبوع الكوري الذي عقدته السفارة الكورية في بلدي الخريف الماضي، أحطت علما بالكثير من الأماكن السياحية والتقاليد الكورية الجميلة، كما أتاح لي هذا الكتاب التعرف على أسلوب الحياة الكوري الفريد، ومنه الحياة الكورية في جزيرة جيجو، وهي إحدى الوجهات السياحية المفضلة في العالم لكل من الزوار الأجانب والسكان المحليين. جيجودو أو المعروفة غالبًا باسم جزيرة جيجو، الجزيرة التي تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة كمنتزه هالاسان الوطني وطقسها الربيعي المنعش، تحمل في طياتها أيضا تراثًا تاريخيًا أبدي ورمزا من رموز القوة يتجسد في إحدى المهن النسائية الفريدة.
عند اكتشافي لهذه المهنة الفذة، تذكرت ما كنت أشاهده من الأفلام التاريخية الكورية المقتبسة من أحداث تاريخية حقيقية التي تعرض استهلاك الملوك من المأكولات البحرية، من خيار البحر، أذن البحر، المحار، أسماك البحر والأعشاب البحرية التي لا يمكن تفويتها، وتزيين مائدة الطعام الملكية والاحتفالات الحصرية، فمن دون شك أن مصدر بعض هذه المنتجات قد تم جلبه من سوق صيد الأسماك في جزيرة جيجو التي تدعمها غواصات هينيو على مر العصور بالمنتجات البحرية الطازجة. فالسجلات التاريخية تشير إلى أن الغوص كان في يوم من الأيام وظيفة لرجال جيجو، لكن هذا تغير بعد القرن السابع عشر، عندما جند الملك أعدادًا كبيرة من رجال جيجو في الجيش بينما وجب على النساء إعانة عائلاتهم ودعم سوق الأسماك والمأكولات البحرية، فلم يكن أمام نساء جيجو خيار سوى النزول إلى البحر.
هينيو المسجلة باعتبارها تراثًا ثقافيًا كوريَّا غير مادي، تجمع المأكولات البحرية بنفس واحد دون خزان الاكسجين. (الصورة من إدارة التراث الثقافي)
ما يجعل هينيو أكثر روعة هو أن لديهم تقنية غوص تتمثل في توقيف التنفس لبضع دقائق طبيعيا و تدعى هذه التقنية بـ’مولجيل‘، فهن لا يرتدين أقنعة أكسجين وبالتأكيد لا يستخدمن أي معدات غوص الخاصة بمحترقي الغوص. وهذا ما يجعل هذه التقنية أكثر تقنيات الصيد صديقة للبيئة. قد تتساءل أيضا عما إذا كان هينيو يتوقفن عن الغوص خلال المواسم الباردة؟ حسنًا، إنهن لا يوقفن حرفتهم خلال فصل الشتاء القارص، فرغم هبوط درجات الحرارة يستمررن في إبهار العالم بتقنياتهن ومهاراتهن المذهلة التي اكتسبنها خلال سنوات عديدة من الغوص.
إنهن إناث مدربات منذ نعومة أظافرهن، تقريبا من سن السادسة أو السابعة أو أقل من ذلك، يتعلمن طرق أسلافهن الخاصة بالغوص بأدنى حد من الأدوات، والتي نذكر منها شباكا للصيد، قناع، خطاف وأوزان ثقيلة مجمعة حول حزام، مما يسمح لهن بالغوص إلى أعماق البحر، وتمنعهن من الطفو على السطح.
وكما ذكرنا أعلاه، فهن لا يستخدمن زجاجات الأكسجين، فبدلاً من ذلك، يعتمدن على حبس أنفاسهن، و قد ثبت أنه يمكن لبعض هينيو المدربات أن يحبسن أنفاسهن لأكثر من دقيقتين أثناء جمع المأكولات البحرية، كما يمكنهن الغوص من 10 إلى 20 متر تحت سطح البحر .يستخدم هينيو معدات أساسية بسيطة ولكن نظرا لسنوات عديدة من الخبرة المكتسبة، أصبحت لهن قدرة تحمل كافية للغوص عدة مرات في الأسبوع حتى في مواسم الشتاء الباردة. ولذلك برزت مساهمة غواصات هينيو عبر الأجيال في انتعاش اقتصاد جيجو المحلي، وازداهر سوق المأكولات البحرية في الجزيرة الشهيرة لعقود من خلال العديد من المنتجات الطازجة، كل ذلك بفضل جهودهن الجبارة بدون انقطاع على مر السنة.
في عام 2006، تم افتتاح متحف هينيو الوطني في جزيرة جيجو، مما سمح للسياح والسكان المحليين بالحصول على نظرة عامة أو تجربة مفصلة عن مهنة هينيو، وبعد عشر سنوات، تم الاعتراف أخيرًا بثقافة ومهنة غواصات جزيرة جيجو أو هينيو، ليتم تسجيلها في قائمة اليونسكو في التراث الثقافي غير المادي سنة 2016 ، مما جعل هذه المهنة النسائية الكورية الفريدة من نوعها معترف بها عالميا، و ذلك بعد الجهود المتميزة للعديد من المعارض العلمية المتعلقة بتراث جيجو، والتي أقيمت في العديد من المدن مثل معرض نيويورك في عام 2015 و"مهرجان الصور الفوتوغرافية البحرية" الذي أقيم في تولوز بفرنسا عام 2016.
في الوقت الراهن، تستمر الحكومة الكورية في دعم مهنة هينيو كما يتم إنتاج الكثير من الأفلام الوثائقية لتقديم هذا الكنز الوطني للعالم والحفاظ عليه خاصة مع الانخفاض المستمر لعدد غواصات هينيوعلى مر السنين، ولكن ستظل هذه المهنة البحرية الفريدة دائمًا رمزًا لـقوة المرأة الكورية ولاستدامة الثقافية الكورية.
sarahoqelee@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.