رواية 'لوز' للكاتبة الكورية 'سون وون بيونغ' هي قصة مؤثرة تتناول رحلة فتى يُدعى 'يون جاي'، وُلد بحالة نادرة تُعرف بأليكسيثيميا، مما يجعله غير قادر على التعرف على مشاعره أو التعبير عنها. يرتبط هذا الاضطراب بصغر حجم لوزته الدماغية عن الطبيعي، وهي الجزء المسؤول عن إدارة ومعالجة العواطف. (صورة غلاف الرواية من المكتبة الرقمية للأدب الكوري والتصميم بواسطة المراسلة غدير محمد)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية غدير محمد الرفاعي
هل سبق لك أن ألتقيت بشخص لا يبتسم، لا يغضب، ولا يخاف؟ شخص لا يبدو عليه أي أثر للعاطفة؟
تأخذك رواية 'لوز' إلى عالم 'يون جاي'، فتى في مقتبل عمره يعيش بلا مشاعر ويجد صعوبة بالغة في التعبير عنها أو حتى فهمها، وكأنما يعيش خلف حاجز زجاجي يفصله عن بقية البشر. عَبر هذا العالم الغريب، تسلط الكتابة الكورية 'سون وون بيونغ' الضوء على حالة نادرة تعرف بمرض 'أليكسيثيميا' أو ما يعرف بمرض عمى المشاعر.
تُعتبر رواية 'لوز' للكاتبة الكورية 'سون وون بيونغ' واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التي أثرت في الساحة الأدبية المعاصرة. وُلدت 'سون وون بيونغ' في كوريا، حيث درست الفلسفة والدراسات الاجتماعية في جامعة سوجانغ، ثم تخصصت في إخراج الأفلام في الأكاديمية الكورية لفنون السينما. لقد أثبتت موهبتها في مجالات متعددة، وحصلت على جوائز مرموقة. وكانت بدايتها الأدبية مع رواية 'لوز'، ولقد تميزت الرواية بأسلوبها الفريد وقدرتها على استكشاف قضايا الهوية والإنسانية، مما جعلها تحظى بإشادة واسعة من النقاد والقراء على حد سواء. كما أنها فازت بجائزة 'تشانغبي' للأدب الشبابي، مما يعكس تأثيرها العميق في الأدب الكوري.
الاسم الرمزي لرواية 'لوز' مستمد من تشبيه حجم جزء من الدماغ بشكل اللوزة، وهو الجزء الذي يُدعى اللوزة الدماغية، المختص بإدارة ومعالجة العواطف. نقص حجمها فيدماغ يون جاي ينتج عنه اضطراب 'أليكسيثيميا'، أي غياب القدرة على التعرف على المشاعر أو التعبير عنها.
الصورة تظهر إحدى الجمل التي قيلت على لسان يون جاي واصفا حالته. (صورة غلاف الرواية من المكتبة الرقمية للأدب الكوري والتصميم بواسطة المراسلة غدير محمد)
عبر صفحات 'لوز'، نتابع كيف تتعامل الأم والمجتمع مع حالة 'يون جاي' الخاصة. وفي عالم تملؤه الفراغات العاطفية، يجد يون جاي ملاذه في الكتب القديمة، التي تمثل له نافذة يملأ من خلالها ذلك الفراغ الذي تخلّفته مشاعره الغائبة. يقول 'يون جاي' واصفًا حالته مع الكتب "كانت الكتب تأخذني إلى أماكن لم يكن بمقدوري الوصول إليها. كما أ.نها تشارك اعترافات أناس لم اقابلهم من قبل، وحيوات لم أشهدها من قبل. من خلالها يمكنني العثور على المشاعر التي لا يمكنني أن أشعر بها
تواصل الرواية استكشاف العلاقات الإنسانية عبر لقاء يون جاي بشخصيات مختلفة تمثل جوانب متعددة من التجربة الإنسانية، مما يثري القصة ويزيد من تأثيرها. ومن بين هذه الشخصيات يبرز 'غون'، الذي يعد نقيض 'يون جاي' تمامًا، حيث يتسم بانفعالات عنيفة وسرعة الغضب. ومن خلال هذا التباين الواضح، ترسم الرواية لوحة معبرة عن التفاعل الإنساني بين شخصين على نقيض من المشاعر، مما يعكس عمق التنوع في التجارب الإنسانية.
وأثناء قراءتي لهذه الرواية، تذكرت الدراما الكورية 'زهرة الشر' كان بطلها، 'لي جون كي'، يعاني من الحالة ذاتها. لم يفهمه مجتمعه فاعتبروه ممسوسًا، وأخضعوه لطقوس طرد الأرواح. أحد المشاهد المؤثرة في العمل عندما يظهر البطل أمام المرآة لكي يتدرب على محاكاة تعابير البشر. حينها تساءلت: هل يُعد من لا يشعر بالمشاعر محظوظًا لتمكنه من العيش بلا مبالاة؟ أم غريبًا عن نفسه وعاجزا عن تذوق معنى الحياة بحلوها ومرها؟
الصورة تظهر المشهد الذي كان يتدرب فيه بطل مسلسل زهرة الشر على محاكاة تعابير البشر أمام المرآة. (الصورة من حساب قناة 'تي في إن' على الفيسبوك)
لقد أثرت الرواية في بشكل كبير، حيث تناولت التحديات الاجتماعية التي يواجهها الأشخاص المختلفون مثل 'يون جاي'، وأظهرت تأثير الأسرة على حياة الأفراد. كان أسلوب الكاتبة في السرد مشوقًا، حيث تمكنت من نقل مشاعر الشخصيات بعمق، مما جعلني أشعر بالتعاطف الحقيقي مع 'يون جاي' ومعاناته. وقد أضفى ذلك طابعًا إنسانيًا عميقًا على تجربتي في القراءة. تدعونا رواية 'لوز' للتفكير بعمق في مفهوم المشاعر ودورها في حياتنا وكيف يؤثر غيابها أو وجودها على حياتنا اليومية. من خلال تجربة 'يون جاي'، نتأمل صعوبة العيش دون فهم حقيقي للمشاعر، ولكننا ندرك أهمية التقبل والوعي بالاختلافات الإنسانية. هذه الرواية تفتح أمامنا آفاقًا جديدة لفهم الذات والآخر، مما يعزز قدرتنا على التواصل والتفاعل بشكل أفضل في عالم مليء بالتنوع.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.