مراسل فخري

2025.05.07

اعرض هذه المقالة بلغة أخرى
  • 한국어
  • English
  • 日本語
  • 中文
  • العربية
  • Español
  • Français
  • Deutsch
  • Pусский
  • Tiếng Việt
  • Indonesian
صورة جماعية للمشاركين بورشة تدريب مركز جيندو للجوجاك للأجانب والكوريين المقيمين بالخارج من (مصر، كوريا، روسيا، كازاكستان). (الصورة من غادة محمد)

صورة جماعية للمشاركين بورشة تدريب مركز جيندو للجوجاك للأجانب والكوريين المقيمين بالخارج من (مصر، كوريا، روسيا، كازاكستان). (الصورة من غادة محمد)



بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية غادة محمد

لم يكن مجرد إعجاب عابر، بل كان سحرًا سرى في عروقي مع كل مشهد درامي تاريخي تتخلله أنغام السامولنوري. تلك الآلات النحاسية والجلدية، بأصواتها التي تحكي قصصًا من زمن بعيد، أوقدت في داخلي رغبة في فك رموز هذا الفن التقليدي. من القاهرة الصاخبة، حيث كانت أولى خطواتي نحو فهم هذه الإيقاعات، إلى مدينة جيندو الهادئة في كوريا، حيث تفتحت روحي على أسرار الجوجاك، تتشكل حكايتي. إنها قصة شغف تجاوز الحدود والجنسيات، قادني من مجرد متفرجة مفتونة إلى مشاركة فاعلة في حفظ ونشر هذا التراث الموسيقي الغني. هذه رحلتي، حيث تحولت النغمات الكورية التقليدية إلى نبض يسكن قلبي.

نشأ شغفي بالموسيقى الكورية التقليدية، وتحديدًا فن السامولنوري، من خلال نافذة الدراما الكورية التاريخية. كانت تلك المشاهد بمثابة بذرة فضول انغرست في قلبي، وأيقظت رغبة في استكشاف أسرار الآلات الموسيقية التقليدية وإتقانها. لطالما دفعتني تلك العروض الأخاذة، التي كانت تزين الحكايات القديمة برقصات آسرة وألحان عذبة، إلى التساؤل عن الروح الكامنة وراء هذا الفن العريق.

صورة لفريق نايل جاراك مع الاستاذ هان بعد الحفلة الختامية يوم 24 أبريل. (الصورة من غادة محمد)

صورة لفريق نايل جاراك مع الاستاذ هان بعد الحفلة الختامية يوم 24 أبريل. (الصورة من غادة محمد)


كان أول لقاء مباشر لي مع إيقاعات السامولنوري خلال فعالية "كويز أون كوريا" التي احتضنتها كلية الألسن بجامعة عين شمس في عام 2018. لقد أسرني الانسجام الموسيقي الفريد الذي جمع بين العازفين، وولّد في داخلي عزمًا على تعلم هذا الفن متى سنحت لي الفرصة. وسرعان ما لاحت تلك الفرصة الذهبية في الأفق. فالسامولنوري، كما عرفت لاحقًا، هو نمط موسيقي تقليدي يُقدم بأربعة آلات إيقاعية مميزة، تأسس على يد الفنان القدير "كيم دوك-سو" في عام 1978، ليُحدث نهضة حقيقية في المشهد الموسيقي الكوري ويكتسب شهرة عالمية واسعة.

في عام 2019، بدأت رحلتي الفعلية في عالم الموسيقى الكورية التقليدية بخطوة نحو ورشة عمل مكثفة للسامولنوري استمرت لأسبوعين. نظم هذه الورشة المتميزة المركز الثقافي الكوري في مصر، واستضافتها مكتبة مصر العامة بالدقي. تحت الإشراف المباشر للأستاذ الموسيقي "بارك سانغ-إن"، تعرفت عن كثب على الآلات الأربعة التي تشكل جوهر فرقة السامولنوري: الكوينغواري، والجِينغ، والجَانغجو، والبوك. ومن بين هذه الأصوات الآسرة، وقع اختياري على آلة الجانغجو، تلك الطبلة الكورية التقليدية التي تتخذ شكل الساعة الرملية، لأتعلم العزف عليها.

على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 قد فرضت تعليقًا مؤقتًا على هذه الورشات، إلا أن غمرتني السعادة في عام 2022 بالانضمام إلى أكاديمية الجوجاك التي تأسست حديثًا في مصر. مثلت هذه الأكاديمية، التي جاءت كثمرة تعاون بين المركز الثقافي الكوري والمركز الوطني الكوري للموسيقى التقليدية، فرصة استثنائية للتعلم مباشرة من أساتذة موسيقيين كوريين. واصلت خلالها رحلة تطوير مهاراتي في العزف على آلة الجانغجو تحت إشراف الأستاذ "إم يونغ-نام" في عامي 2022 و2023 على التوالي. وفي عام 2024، أتيحت لي فرصة ثمينة للمشاركة في الأكاديمية للمرة الرابعة، ولكن هذه المرة تحت إشراف الأستاذ "بارك جاي-هيونغ"، الذي تولى تدريب الطلاب الأجانب للمرة الأولى.

لقد كان اكتشاف الآلات المختلفة، بتاريخها العريق وطريقة عزفها الفريدة، بمثابة فتح كنوز لم أكن أعرف بوجودها. لكل آلة صوتها المميز، وشخصيتها الخاصة، ودورها الحيوي في النسيج الموسيقي الكوري التقليدي. تعلمت كيف تتفاعل هذه الآلات معًا لتخلق تناغمًا معقدًا وجميلًا يحمل في طياته قرونًا من التقاليد والثقافة الكورية العريقة. لم يكن الأمر يقتصر فقط على فهم النظريات والمقامات الموسيقية الكورية، بل كان يتعلق أيضًا بالشعور بالنبض الداخلي لهذه الموسيقى. كان انغماسًا في الإيقاعات الفريدة، وفهمًا للقصص التي ترويها الألحان الكورية التقليدية، وتواصلاً مع المشاعر العميقة التي تعبر عنها. بدأت أقدر العمق الروحي والثقافي المتأصل في هذه الموسيقى بشكل لم أكن أتخيله من قبل.

صورة اثناء العرض الختامي يوم 24 ابريل. (الصورة من غادة محمد)

صورة اثناء العرض الختامي يوم 24 ابريل. (الصورة من غادة محمد)


انطلاقًا من شغفي العميق بفن السامولنوري، تطلعت إلى فرصة تعلّمه في موطنه الأصيل، كوريا. وخلال بحثي الدؤوب، اكتشفت برنامجًا فريدًا بعنوان "ورشة تدريب مركز جيندو للجوجاك للأجانب والكوريين المقيمين بالخارج". يتيح هذا البرنامج المتميز لفرق الجوجاك خارج كوريا فرصة استثنائية لتلقي تدريب مكثف في مدينة جيندو الساحرة بمقاطعة جوللانام. وعلى إثر هذا الاكتشاف المثير، قمت بتكوين فريق متحمس من طلاب أكاديمية الجوجاك في مصر، وأطلقنا عليه اسم "نايل جاراك" أو "موسيقى النيل"، للتقدم بطلب المشاركة باسم جمهورية مصر العربية.

استمرت الورشة التدريبية لمدة عشرة أيام مكثفة من 14 أبريل 2025 وحتى 24 أبريل 2025، تعلمنا خلالها أربع مقطوعات موسيقية تقليدية تحت الإشراف المباشر للأستاذ "هان سانغ-أوك". لقد كانت تجربة لا تُنسى تركت أثرًا عميقًا في مسيرة تعلمي الموسيقية. أشعر الآن بتحسن ملحوظ في مهاراتي في العزف على آلة الجانغجو، وأشكر الأستاذ هان على هذه الفرصة الرائعة والقيمة التي أتاحت لي الارتقاء بمستواي الفني.

على صعيد التدريب، كان التركيز والانضباط الصارم الذي فرضه الأستاذ "هان سانغ-أوك" مثيرًا للإعجاب. كنا نتدرب لساعات طويلة، نتعلم التقنيات الدقيقة للآلة، ونتدرب على الانسجام المثالي بينها. لقد كان الشغف بالموسيقى التقليدية الذي يتمتع به الأستاذ مُعديًا، وكان يلهمنا لبذل قصارى جهدنا. ما أعجبني بشكل خاص هو الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في كل مقطوعة، وكيف كان الأستاذ يحرص على أن نفهم الروح والمعنى الكامن وراء كل نغمة وإيقاع.

صورة جماعية مع الفريق الكوري اريرانغ. (الصورة من غادة محمد)

صورة جماعية مع الفريق الكوري اريرانغ. (الصورة من غادة محمد)


أما على الصعيد الثقافي، فقد كانت جيندو بمثابة نافذة حقيقية على جوهر كوريا التقليدية. لقد كانت فرصة رائعة للابتعاد عن صخب المدن الكبرى والانغماس في هدوء وجمال الريف الكوري. أعجبتني كثيرًا الطبيعة الخلابة للمنطقة، من الحقول الخضراء المترامية الأطراف إلى السواحل الهادئة. لكن أكثر ما أثر فيّ خلال تلك الفترة هو التفاعل مع المجتمع المحلي. لقد كان الناس في جيندو في غاية اللطف والترحيب. كانوا يشعرون بالفخر بتراثهم الموسيقي، وكانوا حريصين على مشاركته معنا. لقد استمتعت كثيرًا بزيارة متحف نامدو للفنون التقليدية الذي أخذنا به ورشة قصيرة عن الصيغة الكورية التقليدية. لقد شعرت فترة إقامتي بجيندو وكأنني ضيف عزيز، وهذا الشعور بالانتماء جعل التجربة أكثر عمقًا. بالإضافة إلى ذلك، كانت الصداقات التي تكونت مع المشاركين الآخرين في الورشة، سواء كانوا كوريين مقيمين في الخارج أو من جنسيات أخرى، من الأشياء الثمينة التي اكتسبتها. لقد كنا نشارك نفس الشغف بالموسيقى، وكنا ندعم بعضنا البعض خلال فترة التدريب المكثفة.

بعد عشرة أيام من التدريب والعمل الجاد، وصلنا إلى ذروة هذه الرحلة بتقديم عرض متكامل أمام أساتذة مركز جيندو للجوجاك. كان شعورًا لا يوصف. رؤية تفاعل الأساتذة وتقديرهم لما قدمناه، نحن الفريق المصري، كان بمثابة مكافأة عظيمة لكل الجهد الذي بذلناه. كقائدة للفريق، شعرت بأننا لم نقدم عرضًا موسيقيًا فحسب، بل قدمنا جسراً ثقافيًا مصغرًا. هذا الشعور بالإنجاز المشترك مع فريق "نايل جاراك" كان قويًا ومؤثرًا للغاية. في المقابل، كان هناك شعور خفي بالحنين يلوح في الأفق. لقد أمضينا عشرة أيام مكثفة في جيندو، كوّنا خلالها ذكريات لا تُنسى وروابط قوية مع الأستاذ "هان سانغ-أوك"، وفريق العمل، والمشاركين الآخرين. كانت جيندو قد أصبحت بمثابة وطن مؤقت لنا، ومغادرتها كانت تحمل طعم الوداع. تبادلنا الابتسامات والكلمات الدافئة، ووعدنا بعضنا البعض بالحفاظ على التواصل والاستمرار في هذا المشوار الموسيقي.

تجربة عمل الصبغة التقليدية بمتحف الفنون التقليدية في جيندو. (الصورة من غادة محمد)

تجربة عمل الصبغة التقليدية بمتحف الفنون التقليدية في جيندو. (الصورة من غادة محمد)


لم تعد الموسيقى الكورية التقليدية مجرد مجموعة من الألحان أو الإيقاعات، بل أصبحت نظامًا من التعبير الثقافي والتاريخي والروحي. أرى فيها صوتًا حيًا لتاريخ كوريا وتقاليدها. كل إيقاع، يحمل في طياته قصصًا عن الماضي، عن حياة الناس، عن أفراحهم وأحزانهم، عن طبيعتهم وعلاقتهم بالعالم. أكتشف فيها عمقًا فلسفيًا وجماليًا فريدًا. هناك تركيز على التوازن والانسجام بين العناصر المختلفة، سواء بين الآلات أو بين العازف والموسيقى. هناك تقدير للفراغات والسكوت بقدر أهمية النغمات نفسها، مما يخلق إحساسًا بالتنفس والتدفق. أقدر الآن المهارة والإتقان المطلوبين لعزف هذه الموسيقى. إنها ليست مجرد حفظ ألحان، بل هي إتقان تقنيات معقدة وتطوير حس فني عميق.

اليوم، أحمل معي ذكريات لا تُنسى وصداقات ثمينة تشكلت على وقع الطبول، وشعورًا عميقًا بالامتنان لكل من ساهم في هذه التجربة الفريدة. وأتطلع إلى المستقبل بشغف متجدد، حاملة معي رسالة هذا الفن الساحر، ومشاركًا إياه مع كل من يبحث عن لغة تتجاوز الكلمات وتلامس الروح. فلتستمر أصدا والجَانغجو في التردد، شاهدة على قوة الموسيقى في التقريب بين الثقافات وإثراء حياة البشر.



dusrud21@korea.kr


هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.