تظهر الصورة ذكري الحرب الكورية بريشة الفنانة مريم طه. (الصورة من رسم وتصميم مريم طه)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية مريم طه جاويش
ما بين اللوحة والفرشاه قصة حب لا تنتهي
ففي لوحة الفنانة مريم طه تتجسد مأساة التاريخ، وتسكن الآلام التي خلفتها الحرب الكورية، بريشة فنانة مصرية اختارت أن تُعيد إحياء الذكرى بلغة الفن التي لا تعرف حدودًا. حيث رسمت الفنانة مريم طه جاويش لوحة تعبر عن تلك الذكري الخالدة، وبحسٍ إنساني عميق، جسّدت في عملها الفني ذكرى الحرب الكورية (1950-1953) بأسلوب تعبيري يعانق مشاعر الجميع قبل العين، وينادي من بين ركام الماضي أهات دفنت وقلوب كسرت، حيث رسمت الصمود، والأمل.
تظهرالصور براعة الفنانة في رسم التفاصيل وتجسيد تلك الذكري. (الصور من رسم وتصميم مريم طه)
وصف اللوحة
اللوحة التي رسمتها جاويش ليست مجرد تذكير بصراع سياسي أو عسكري، بل هي مرآة لأرواح علقت في زمن الحرب، لعائلات تمزقت، لأمهات انتظرن، ولأطفال حلموا بالسلام في زمن لا يعرف غير صوت الرصاص. استخدمت الفنانة ألوانًا باردة تتصارع كما تصارعت الجيوش، إنها ليست مجرد خطوط بسيطة ولكنها خطوطًا درامية توحي بالاضطراب الذي اجتاح شبه الجزيرة الكورية، فجعلت من العمل الفني قصةً صامتة تصرخ بكل مشاعر الألم. ولا يمكن أن تمر هذه الذكرى دون الإشارة إلى يوم 6 يونيو، الذي يُعرف في جمهورية كوريا باسم يوم الذكرى. في هذا اليوم من كل عام، حيث تُكرَّم أرواح من ضحوا بحياتهم من أجل البلاد، ولأجل ترسيخ السلام. وعند الساعة العاشرة صباحًا، تتوقف الحركة في البلاد للحظة صمت وطنية، حيث تُخفض الأعلام، وتُقرع صفارات الإنذار، وتُقام مراسم 'موني' الرسمية في المقبرة الوطنية، في مشهد مهيب يلامس القلوب، ويجسد الامتنان العميق لتلك التضحيات. لكن اللوحة لم تقف عند حدود الحزن؛ بل نجد في عمقها بصيصًا من الضوء، رمز للأمل والسلام والتفائل. فكما أن الحرب تركت ندوبًا في قلوب الكثير، إلا إن الإنسان قادر على إعادة البناء، والحب قادر على مداواة الجروح. هذا البُعد الإنساني في العمل يعكس رؤية الفنانة؛ التي برغم بُعدها الجغرافي عن كوريا، رأت أن الفن قادر على نقل المشاعر بين الشعوب، وأن الذكرى ليست حكرًا على أصحاب الأرض، بل رسالة يتشاركها العالم بأسره.
تظهر الصور مراسم الاحتفال بهذا اليوم وتكريم اولئك الذين ضحوا بأرواحهم لحماية وطنهم. (الصور من تصميم مريم طه)
الرسم ليس مجرد خطوط علي ورق
اختيار مريم طه جاويش لهذا الموضوع يُظهر وعيها الثقافي واهتمامها بتاريخ الشعوب، ويضعها ضمن جيل جديد من الفنانين العرب الذين لا يكتفون برسم الجمال، بل يوظفون الفن كوسيلة للحوار ونقل الثقافات، وتوثيق تلك اللحظات المهيبة، والتعبير عن التضامن الإنساني. إن لوحتها في ذكرى الحرب الكورية ليست فقط عملًا فنيًا، بل شهادة وجدانية على أن الذاكرة الإنسانية حيّة، وأن الفنان الحقيقي هو من يُنطق الصمت بأبسط الخطوط. لقد علّمتنا الحرب الكورية، بكل ما فيها من ألم وخسارة، أن الكراهية لا تورث سوى الدمار، وأن الحدود التي تُرسم بالسلاح لا تُبني عليها حضارات. ومثلما تذكّرنا ريشة الفنانة مريم طه جاويش بتلك المآسي، فهي في الوقت ذاته، تفتح أمامنا بابًا للتأمل؛ لعل الفن يكون الجسر الذي يعبر بنا من ضفة الصراع إلى ضفة الود والاحترام، ومن ظلمة الانقسام إلى نور الإنسانية. إن السلام ليس شعارًا يُرفع، بل هو قرار يومي نتخذه بعدم تكرار أخطاء الماضي. وتكريم أرواح من سقطوا في الحرب لا يكون فقط بلحظة صمت، بل باستمرار السعي نحو عالم أكثر عدلًا ورحمة. تلك هي العبرة التي تبقى، وتلك هي الرسالة التي تحملها اللوحة في صمتها البليغ؛ أن لا ننسى ولا لنُعيد الألم، بل لنتعلم كيف نمنعه من الحدوث مرة أخرى.
هنا في هذا الفيديو تشارككم الفنانة خطواتها في رسم تلك اللوحة المعبرة عن تلك الذكري الخالدة
رسالة شكر وامتنان
وفي الختام، أتوجه بخالص الشكر والامتنان إلى كوريا نت على منحي فرصة أن أكون إحدى المراسلين الفخريين، لأُعبّر عن مشاعري وتقديري لتاريخ وثقافة كوريا العريقة، ليست مجرد كلمات فقط، بل بريشتي التي تسعى دائمًا لرسم الحقيقة، وبقلمي الذي ينقل ما يسكن القلب من احترام وتضامن. لقد كانت هذه التجربة بالنسبة لي أكثر من مجرد مهمة إعلامية؛ كانت دعوة للغوص في أعماق الإنسانية، وتوثيق الذكريات التي لا ينبغي أن تُنسى، ومشاركة العالم رسالة سلام تُولد من رماد الحروب.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.