أنا ومن كانت أكثر من مجرد معلمة في هذه الصورة، لا أرى فقط نهاية فصل دراسي، بل أرى امرأة كانت الضوء في أيامي، واليد التي امتدت لترفعني عندما شعرت أنني لا أستطيع. (الصورة من رنيم ابوعياش)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية الأردنية رنيم أبوعياش
٢ يونيو ٢٠٢٥ عمان، الأردن
هل سبق وشعرت أن قلبك يعيش في مكانٍ آخر رغم أنك لم تطأه بعد؟
هذا ما أشعر به تمامًا مع كوريا. الحبّ لا يُفسَّر، والشغف لا يُقاس، يكبر في داخلي يومًا بعد يوم… واليوم، وفي هذا التاريخ المميز، عشت واحدة من أجمل .اللحظات التي زادتني تعلقًا بهذا الحلم الكبير
رغم أن الفصل الدراسي كان طويلاً ومليئًا بالتحديات، إلا أن الشغف قادرٌ على تحويل التعب إلى الفرح، والجهد إلى الإنجاز. ولأنني أحب كوريا من أعماق قلبي، لم أشعر بثقل الأيام ولا طول الساعات. كنت أذهب إلى الدروس بانتظام، لا أتغيب ولو ليوم واحد، حتى حين يكون جسدي متعبًا. كان قلبي دائمًا مستعدًا، ولهذا حصلت على شهادة الطالب المتميز بالحضور المنتظم، هذه الشهادة لم تكن مجرد ورقة، بل انعكاسٌ لحبي وإصراري على الاستمرار
وفي هذا اليوم المميز، كنتُ للمرة الثانية ضمن خريجي معهد الملك 'سيجونغ' في الأردن، وقد تسلّمت شهادة إتمام المستوى الثاني من اللغة الكورية بنجاح. لحظة تسلمي لها كانت أشبه بحلم صغير يتحقق على أرض الواقع، خاصة حين رافقتها هدية بسيطة ماسكات منتجات للبشرة من كوريا. قد يراها. البعض أمراً عاديًا، لكن بالنسبة لي كانت كنزًا… أي شيء يأتي من كوريا، حتى لو كان صغيرًا، يحمل قيمة كبيرة في قلبي
في يميني شهادة حضور دون غياب، تشهد أنني لم أتخلّف يومًا عن حلمي، ولا عن مقعدي في الصف الذي أحب وفي يساري شهادة إتمام مستوى اللغة الكورية، دليل على خطواتي الثابتة نحو التعلّم بلغة القلب التي عشقتها. (الصورة من رنيم أبوعياش)
هدية بسيطة.. لكنها وصلت إلى القلب ماسكات كورية للعناية بالبشرة. (الصورة من رنيم أبوعياش)
كانت هذه الماسكات الكورية للعناية بالبشرة أكثر من مجرد هدية صغيرة، لقد حملت بين طياتها تقديرًا صادقًا واهتمامًا جميلاً بالتفاصيل. لم تكن عناية بالبشرة فقط، بل كانت لمسة من ثقافة تُجيد التعبير عن الامتنان بأبسط الطرق لحظة استلامها ذكّرتني أن الحضور يُقدّر، وأن اللطف الحقيقي لا يحتاج كلمات كثيرة. شكراً لكم، لم يترطّب وجهي فقط… بل قلبي أيضاً
كل تفاصيل اليوم كانت نابضة بالفرح، بدءًا من المفاجأة الجميلة التي أعدّها لنا المعهد: مشروبات ودونات لذيذة، نكهتها كانت مزيجًا من الكرم والاه.تمام. لم تكن مجرد حلوى، بل كانت حلاوة الوداع المؤقت من مكانٍ أصبح بالنسبة لي بيتًا ثانيًا
على اليمين يرفرف علم جمهورية كوريا، رمز الثقافة التي أحببتها وتعلمت منها الكثير، وعلى اليسار طاولة بسيطة تزدان بمشروبات ودونات شهية لذيذة. (الصورة من رنيم ابوعياش)
والأجمل من ذلك كله، أنني التقطت صورًا مع معلمتي الكورية التي كانت ترافقني منذ بداية رحلتي. تلك السيدة التي علمتني الحروف الأولى من 'الهانغول'، والتي صبرت معي حتى صرت أقرأ وأكتب. كانت تُعاملني كأم حنونة، تُمسك بيدي في كل خطوة، وتمنحني الدعم دون أن تنطق به. كيف لا أبكي حين أودّعها؟ وكيف لا أفكر إن كنت سأعود أم لا؟ باتت جزءًا من قصتي، ومن حلمي الذي يكبر يومًا بعد يوم. وفي نهاية الحفل، وقفنا جميعًا، ووضعنا أيادينا اليمنى على قلوبنا، ورددنا القسم: سنكمل ما بدأنا به، بحب، دون استسلام. كانت لحظة قوية، شعرت فيها أنني أنتمي للحلم لهذه الثقافة التي أحببتها بصدق. تمنيت أن يتوقف الزمن هناك، أن أبقى معلّقةً بين الفرح والدموع، بين الوداع والاستمرا.ر
تعلم اللغة الكورية لم يعد مجرد دراسة بالنسبة لي، بل أصبح أسلوب حياة. أصبح حلم الوصول إلى كوريا جزءًا من أولوياتي، أضحي لأجله بالكثير، وأسهر عليه كما يسهر الحلم على صاحبه. المعهد لم يكن فقط مكانًا للدراسة، بل مكانًا لبناء الروح، وغرس الأمل في كل مرة أتعلم فيها كلمات كورية جديدة، أشعر بأنني أقترب أكثر من كوريا، من الناس الذين أحبهم حتى قبل أن أتعامل معهم، من بلدٍ أعتبره بيتي الآخر دون أن أزوره بعد. ربما لا أعلم أين سيأخذني القدر، ولكنني أعلم أن هذه الرحلة مهما كانت نهايتها جعلت مني إنسانة مختلفة… إنسانة تحب من قلبها، وتحلم دون خوف، وتقاوم التعب بالحب.
كوريا… شكراً لأنك زرعتِ في قلبي نوراً لا ينطفئ
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.