في كوريا، شهر مايو ليس شهرا عاديا، بل هو وقت مخصص للاحتفال بالعائلة وتعزيز الروابط الأسرية. (الصورة من تصميم مروة السنوسي)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية مروة السنوسى
في بداية كل شهر، أبدأ رحلتي بالتفكير في موضوع المحتوى الذي سأقدمه لمتابعيّ ضمن سلسلة 'صحي بالكوري'. أسأل نفسي دائمًا: ما هو الموضوع الأقرب للناس؟ وما الذي يمكنه أن يحدث فرقًا حقيقيًا في حياتهم اليومية؟
عندما أقبل شهر مايو، والذي يُعرف في كوريا بشهر الأسرة، كان من الطبيعي أن أوجّه اهتمامي نحو العائلة، ولكنني أردت أن أتناول الموضوع من زاوية مختلفة. لم أرد الاكتفاء بنصائح غذائية أو عادات منزلية صحية فقط، بل شعرت أن هناك جانبًا أهم وأعمق يستحق تسليط الضوء عليه، وهو: الصحة النفسية للعائلة.
كل فكرة قمت بمشاركتها كانت رسالة من قلبي إلى كل بيت يبحث عن فهم ودفء واحتواء. (الصورة من تصميم مروة السنوسي)
كفتاة مصرية تعيش واقعًا سريعًا مليئًا بالضغوط، أدرك تمامًا مدى تأثير الحالة النفسية على جودة العلاقات داخل الأسرة. كثيرًا ما نجد أنفسنا نعيش في نفس المكان، ولكننا لا نلتقي حقًا. نأكل سويًا، لكن دون تواصل، نعيش معًا، ولكننا لا نشعر بالطمأنينة. هنا، قررت أن أستلهم من الثقافة الكورية ما يمكن أن يعيد الهدوء والاتصال الحقيقي إلى بيوتنا.
من خلال قراءتي وبحثي، تعرّفت على مفاهيم رائعة يستخدمها الكوريون للحفاظ على التوازن النفسي داخل الأسرة، من أهمها:
مفهوم 'جونج'، والذي يشير إلى الروابط العاطفية العميقة والمستمرة بين أفراد الأسرة، المبنية على الود والدعم.
أهمية تناول الطعام الجماعي كفرصة لتبادل المشاعر وليس فقط لسد الجوع.
ممارسة أنشطة بسيطة مثل المشي في الطبيعة، لتخفيف التوتر وتعزيز التواصل.
استخدام شاي الأعشاب كوسيلة للراحة والاسترخاء الجماعي، مثل شاي الزهور أو الينسون مع الكُمثرى.
أدركت من خلال متابعتي للتقارير والدراسات أن الكوريين لا يفصلون بين الصحة النفسية للفرد والعائلة. فمشاكل المراهقين، والضغوط الاجتماعية، وحتى التنمر، تُناقش في إطار عائلتي يتضمن العلاج والدعم الجماعي. شعرت أن هذه النظرة المتكاملة غائبة في كثير من بيوتنا، فبدأت أشارك محتوى يفتح الأبواب أمام الحوار العائلي.
من هنا بدأت الرحلة، من منشور بسيط تحول إلى نقاش واسع حول أهمية التوازن النفسي داخل الأسرة. (الصورة من تصميم مروة السنوسي)
ومن بين أكثر الأمور التي لاقت تفاعلًا من جمهوري كانت الأفكار العملية المستوحاة من العادات الكورية، مثل:
-تخصيص وقت لتناول الطعام العائلي يوميًا
-المشي الأسبوعي في الطبيعة كطقس عائلي
-مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية كبوابة للحوار
فكرة 'دفتر الامتنان العائلي'، يكتب فيه كل فرد شيئًا جميلًا حدث له أو عبارة شكر لأحد أفراد العائلة.
الدراما الكورية كوسيلة للتقارب
استخدمتُ أيضًا السينما الكورية كمدخل للحديث عن الصحة النفسية، حيث رشحت أفلامًا تُظهر التحديات العائلية ومدي أهمية وقيمة العائلة.
كل فيلم كان فرصة لفتح نقاش حول مشاعر الأبناء، والغياب العاطفي، وقيمة الدعم غير المشروط.
الصحة النفسية تبدأ من البيت
خلال تقديمي لهذا المحتوى، تلقيت رسائل من متابعيني وأمهات تحديدًا، يسألون: كيف أعرف أن ابني يعاني نفسيًا؟ فخصصت منشورات بسيطة عن علامات الإنذار، منها:
-تغيّر في النوم أو الشهية.
-العزلة والانفعال.
-التراجع الدراسي بدون مبرر.
عندما وصلتني هذه الكلمات، شعرت أن المحتوى قد أدى رسالته، وأن ما أقدمه له أثر في حياة حقيقية. (الصورة من تصميم مروة السنوسي)
الحوار الآمن: أصعب وأسهل شيء في البيت
أحد أهم المواضيع التي تناولتها كان: كيف نفتح حوارًا آمنًا داخل الأسرة؟ اقترحت وسائل بسيطة لكنها فعالة:
-وقت أسبوعي مخصص للحديث دون هواتف.
-استخدام كروت تعبيرية للمشاعر.
-مشاركة الأهل بقصصهم الصغيرة لتشجيع الأبناء.
خاتمة تجربتي أن تصنعي محتوى يتناول الصحة النفسية ليس أمرًا سهلًا، خاصة في بيئة لا تزال تخشى الحديث عن هذه المواضيع. لكن من خلال دمج الثقافة الكورية بأسلوب عربي أصيل، استطعت أن أفتح نوافذ جديدة للحوار والاهتمام. رسالتي لكل صانعة محتوى: اختاري فكرة تمس قلبك، وستصل حتمًا لقلوب الآخرين.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.