مجموعة من الصور لـ’إيمان بدر‘ من عدة حفلات خاصة بالسفارة الكورية. (الصورة من ’إيمان بدر‘ بعد الحصول على موافقتها والتصميم من أمنيه أمير)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية أمنيه أمير
شاهدتها لأول مرة وهي تغني إحدى أغنيات الـ’مينيو‘ الكورية الشعبية على خشبة مسرح متحف الحضارات بالقاهرة في حفل ختام أسبوع الثقافة الكورية ’كوريا لايف‘ 2023 وأبهرت الحاضرين بصوتها وإتقانها للغة، وكذلك عزفها الاحترافي للسامولنوري على آلة الـ’جانغو‘. منذ تلك اللحظة جذبت انتباهي ’إيمان بدر‘. ذهبت بعد العرض لأتعرف عليها وأسألها أين تعلمت الغناء لأنني وقتها كنت أبحث عن مدرسة غناء. فأجابت بكل بساطة أنها مدربة غناء بأكاديمية معروفة بمصر الجديدة ومضت كل منا إلى سبيلها.
مر العام وشاهدتها مرة أخرى تقدم عرض السامولنوري وهي تقود الفرقة في ذات الوقت بكل احترافية وسلاسة في حفل ختام أسبوع الثقافة الكورية ’كي-ساوند‘ لعام 2024. ليس ذلك فحسب بل أُعجب بها السفير الكوري هي والفريق وقرر أن تقدم الفرقة عروض السامولنوري في حفلات السفارة الرسمية.
تقابلنا عدة مرات في مناسبات مختلفة منها حفل ’قافلة الصداقة الكورية العربية‘ بأكاديمية الفنون الخريف الماضي، وعرفت أنها تقوم بالتدريب على غناء الكيبوب. ومر العام إلى أن رأيت منذ شهرين بالصدفة البحتة صورها معلقة في أكاديمية الغناء اللي أتدرب فيها بمنطقة وسط البلد في أول يوم لي. فالأقدار جعلتنا تلميذتين لنفس الأستاذة.
أنا و’إيمان‘ بحفل ’قافلة الصداقة الكورية العربية‘ بأكاديمية الفنون الخريف الماضي. (الصورة من أمنيه أمير)
كانت كل هذه الصدف إشارات أرسلها إليّ القدر لأحاورها.
أخذنا وقتًا طويلًا حتى تمكننا من إجراء هذا الحوار كاملًا في الرابع من مايو بعد محادثات وانشغالات عديدة.
فلنتعرف سويًا على ’إيمان بدر‘ نجمة الـ’غوغاك‘ المصرية.
1- أهلًا بكِ ’إيمان‘ في كوريا نت. من فضلكِ عرّفي القراء بكِ ومتى بدأت علاقتكِ بالموسيقى
أهلًا بكم. اسمي ’إيمان بدر‘، بدأت علاقتي بالموسيقى منذ سن الرابعة حين تعلمت عزف البيانو، وعلى مدار سنواتي بالمدرسة كنت أقوم بالعزف وأغني في كورال المدرسة. وفي الجامعة تخصصت في دراسة الغناء الأوبرالي والموسيقى ونظرياتها والمسرح الغنائي بجانب أنواع الغناء الأخرى. خلال فترة الجامعة قدمت عروضًا غنائية متنوعة. بعد التخرج عملت كمعيدة في الجامعة الأمريكية، ومدربة أصوات، ومعلمة موسيقى لطلبة المدارس.
لذا، فأنا سعيدة بكون شغفي هو دراستي مهنتي.
اخترت بمحض إرادتي سلوك طريق تدريس الموسيقى بدلًا من أن أكون مؤدية أو مغنية لأنني بعد التخرج عملت كمعلمة في مدرسة حيث وجدت الأطفال يعانون من التنمر والإيذاء النفسي اللذين يؤثران سلبًا على طفولتهم ومواهبهم. وقد أثار هذا تعاطفي ودفعني لأن أساعدهم على تخطي هذه السلبية بالموسيقى والغناء، وأن أدعمهم بقوة لتزداد ثقتهم بأنفسهم.
لأنه ذكرني بما تعرضت إليه من أذى نفسي بالجامعة بسبب أحد الأساتذة، فأخذت على عاتقي مهمة مساعدة الغير على مواجهة هذا النوع من الأذى من خلال التدريس. وهو نوع من رد الجميل لأستاذي ومدربي الذي ساعدني على أن أثق بنفسي وأن تصبح شخصيتي أقوى، وهو الذي أعمل معه حاليا كمدربة صوت لتستمر مسيرة الدعم ضد الأذى النفسي.
2- لاحظت أنكِ تجيدين اللغة الكورية وتغنينها دون أي أخطاء لغوية. متى تعلمتِها، وكيف؟
بدأت علاقتي باللغة عام 2006، كانت زميلة أختي بالمدرسة تزورنا باستمرار في منزلنا، فعرّفت أختي الكيبوب والمسلسلات الكورية التي كانتا تشاهدانها معًا. شاهدت معهما في مرة مسلسل ’الركلة العالية‘ الذي جذبني وأصبحت أتشوق لمتابعة أحداثه لدرجة أنه كان وقتي المفضل. ومع الوقت كنت أستمع معهما إلى أغاني الكيبوب وأحببتها دون أن أفهم كلماتها. حينها بدأ شغفي للفنون واللغة الكورية يشتعل.
فبدأت في التعلم وحدي من خلال سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات الكورية. وفي عام 2012 اشتركت في إحدى مسابقات الكيبوب الخاصة بالسفارة الكورية (على الرغم من فوزي بها في العام السابق لها) فقط لأغني أغنية ’أنا ذاهب‘ من مسلسل ’الامبراطورة ميونغ-سونغ‘ لشدة تأثري وتعاطفي مع الشعب الكوري لما عرضه المسلسل من معاناة الكوريين خلال الاحتلال الياباني. قررت حينها تعلم الهانغل وحدي بشكل أكثر دقة حرصًا على أداء الأغنية بشكل مثالي لأنقل من خلالها إحساسي وتعاطفي كإهداء مني للشعب الكوري على صبره وصموده ولأنشر الوعي بالتاريخ الكوري. وبالفعل حصلت على المركز الأول بالمسابقة. كنت أجيد قراءة وكتابة اللغة دون مساعدة من أحد.
بعد 10 سنوات، قُبلت في المركز الثقافي الكوري عام 2022 كطالبة بالمستوى الأول. وحاليًا أنا بالمستوى الثامن وعلى وشك التخرج.
3- كيف كانت تجربتكِ عندما التحقتي بورشة الغوغاك لأول مرة بالمركز؟ صِفي لنا إحساسكِ وذكرياتكِ المميزة معها.
اكتشفت في المركز جوانب أخرى من الثقافة الكورية بعيدًا عن الكيبوب والدراما وهو ما أبهرني بالثقافة الكورية، وخاصة من ناحية الموسيقى والفلكلور.
تمنيت تعلم الآلات الكورية كتجربة مختلفة عما تعلمته عن الثقافة الكورية، وخاصة الآلات الإيقاعية.
فتقدمت لحضور ورشة الغوغاك لأول مرة عام 2022 وتم قبولي، وكانت ألطف تجربة خضتها حتى اللحظة مع المركز.
كانت ذكرياتي المميزة تدور حول وقت التدريب، ومحاولاتنا لحفظ المعزوفة خلال أوقات الراحة، وتوجيهات المدرب لي لأعزف بقوة دائمًا، وتوترنا وتدريبنا خلف الكواليس قبل العرض. ضحكت واستمتعت كثيرًا وانتعش شغفي بفضلها.
منحني الغوغاك أصدقاء جدد متعاونين وعزيزين على قلبي. فالسامولنوري هو عمل جماعي أجمل ما فيه هو الاستمتاع بالصحبة وروح الفريق. لا مكان لشخص أناني في السامولنوري. وأنا محظوظة بفريق متكاتف كفريقي.
4- كيف تحافظين على مدار العام على ما تعلمتيه في الأكاديمية دون نسيانه؟ فكما تعلمين، إن الآلات الموسيقية الكورية غير متوفرة في مصر لكي تتدربي عليها بشكل مستمر.
بالفعل غياب الأدوات أمر مزعج وصعب، خاصة وأنها ليست بآلات سهلة. نحن نتدرب 10 أيام فقط في السنة.
أي منذ عام 2022، تدربت فقط 3 مرات بمعدل 10 أيام لكل عام، بالإضافة إلى التحضير للعرض خلال هذه المدة فقط.
لذا، فحرصًا مني على ألا أنسى الإيقاع وشغفًا مني بآلة الـ’جانغو‘ التي أتولى عزفها، أُذكر نفسي دائمًا بالإيقاع، وأعيد مشاهدة فيديوهات التدريب الخاصة بنا، وأمسك بقلمين وأظل أدق بهما على أي شيء أمامي لأحاكي الآلة. بالطبع هذه المحاولات ليست فعالة كالتدرب على الآلة نفسها. نتمنى حقًا أن يوفر لنا المركز وسيلة للتدرب على الآلات بشكل دوري على مدار العام.
’إيمان‘ خلال عزفها على الـ’جانو‘ بحفل ’كي-ساوند‘ 2024. (الصورة من أمنيه أمير)
5- دائمًا تعزفين الـ’جانغو‘... ما الذي جذبكِ إليها دونًا عن بقية الآلات؟
بصراحة أنا أحب آلات السامولنوري الأربع. لكن عزفي للـ’جانغو‘ جاء بمحض الصدفة عام 2022، عندما جعل المدرب ’إيم يونغ-نام‘ المتدربين جميعًا على الـ’جانغو‘، ثم اختار منهم أقوى مجموعة لتستمر بعزفها بعد أن أعطى الجميع حرية اختيار الآلات التي يرغبون في تجربتها. بعدها عندما وجد أن بعضًا من عازفي الـ’جانغو‘ يجدون صعوبة في التوافق بين حركة اليدين في حركات منفصلة في نفس اللحظة، فقام بتبديل الآلات بينهم وبين عازفي الآلات الأخرى.
لكن في حالتها نصحها بالاستمرار في عزف الـ’جانغو‘ لأنها ماهرة في استخدام كلتا يديها والتنسيق بينهما. وما زاد من تعلقها بها هو بالتحديد ذلك التحدي في أن تعزف بكلتا يديها إيقاعات ونغمات مختلفة، وانبهارها بتلك الآلة الإيقاعية التي تسمح كذلك بعزف ألحان عليها إلى جانب الإيقاعات.
’إيمان‘ والفريق عقب العرض الختامي لفعالية ’كي-ساوند‘ 2024 أثناء إعلان السفير الكوري عن دعوتهم لتقديم فقرات السامولنوري بحفل السفارة. (الصورة من أمنيه أمير)
6- حدثينا عن تجربتكِ في العزف في الحفل الذي أُقيم بمنزل السفير الكوري مع الفريق.
دعوة السفير لنا للعزف في حفل رسمي بمنزله كممثلي الغوغاك والسامولنوري بمصر لهو أمر مشرف لنا كفريق، وهو أجمل تجاربي منذ التحقت بالمركز الثقافي الكوري، وأبرز محطاتي في رحلتي المتواضعة مع الثقافة الكورية. شعرت بالفخر لثقة معاليه بنا واختياره لنا لتقديم فقرة كاملة بالحفل.
كنت متوترة للغاية خشية أن أنسى المعزوفة قبل تقديم الفقرة، لكن معاليه كان في غاية الدعم لنا، وأشعرنا بالأمان وامتنانه لنا وشغفنا بالآلات وفخره بنا.
أتذكر حين أخبرني بأنني أجيد العزف، غمرتني السعادة. وأنا ممتنة له.
’إيمان‘ برفقة معالي السفير الكوري ’كيم يونغ-هيون‘ بمقر إقامته. (الصورة من ’إيمان بدر‘ وتم أخذ لحصول على موافقتها للاستخدام والنشر)
7- حدثينا عن أغنية البانسوري التي قمتِ بغنائها في متحف الحضارة عام 2023 .
الأغنية التي قمت بغنائها هي في الأصل من أغاني الـ’مينيو‘ والتي أعاد توزيعها لتأخذ شكل البانسوري مدربي ’إيم يونغ-نام‘.
أتته هذه الفكرة بمحض المصادفة، فقد سمعني أغني جزءًا من إحدى أغاني الـ’مينيو‘ التي تعلمتها في ورشة الـ’مينيو‘ بالمركز مع زميلتين لي بالورشة. أُعجب المدرب بصوتي واقترح أن أقوم بالغناء بالعرض أنا وإحدى الزميلات من عازفات المستوى المبتدئ التي كانت تدندن معي بعد أن يقوم باختبار أداء لنا. وبالفعل جهزت كل منا أغنية وأُعجب بأدائنا وقرر إضافتهما كفقرة في العرض. كون الأمر مفاجئًا وسريعًا زاد من توتري، فكان عليّ حفظ الأغنية وحفظ معزوفة السامولنوري. ولكن المدرب كان داعمًا ومشجعًا لنا. وصاحبنا بالعزف أثناء غنائنا وهو من أجمل ذكرياتي في الغوغاك لأنه أضفى سعادة وراحة لنا.
’إيمان بدر‘ تغني إحدى الأغاني الكورية التقليدية بحفل ختام فعالية ’كوريا لايف‘ بمتحف الحضارة عام 2023. (الصورة من أمنيه أمير)
8- ما هي خططكِ وأحلامكِ تجاه الموسيقى الكورية؟
أتمنى أن أقوم بدراسة السامولنوري بعمق أكثر في كوريا. كذلك أرجو من المركز أن يقيم قسمًا خاصًا للغوغاك وأن تدعم السفارة الكورية منحًا لدراسة الغوغاك.
9- بم تنصحين من يتعلم العزف على الآلات الكورية أو غناء الأغاني التقليدية... خاصة وأنه معروف أن النوتات الموسيقية الكورية تختلف عن تلك الغربية والشرقية؟
عليك بتعلم الآلة المشابهة للآلة الكورية، فعلي السبيل المثال إذا كنت تنوي تعلم آلة الـ’جانغو‘ أو الـ’بوك‘ فمن الأفضل أن تتعلم آلة إيقاعية كالطبل (درامز)، أو تنوي تعلم آلة الـ’دايجوم‘ فعليك تعلم آلة نفخ كالناي، وهكذا. لأن طبيعة الآلة ستؤهلك لتعلم الآلة الكورية وتسهل عليك استيعاب الآلة. وأما بالنسبة للغناء فأهم ما فيه هو الأداء. بمعنى أن تتذوق كلمات الأغنية التي تقدمها وتستشعر إحساسها. حتى وإن كنت لا تجيد اللغة الكورية فعلى الأقل تعلم نطقها وتعرف على معناها. لأن ذلك سيساعدك على توصيل مشاعر الأغنية وذلك أيضًا احترامًا لتاريخ الأغاني والتراث.
فيديو مجمع لما قدت بحضوره من عروض شاركت فيها ’إيمان‘- الفيديو من أمنيه أمير
شكرًا لكِ يا ’إيمان‘ على الحوار الملهم والثري.
أشكركم قراء كوريا نت على قراءة المقال.
إلى اللقاء في مقابلات وتجارب جديدة!
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.