صورة لي خلال حدث أمسية الأدب الكوري بفندق ’بيراميزا سويتس‘ بالدقي - الصورة من أمنيه أمير
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية أمنيه أمير
في تمام الرابعة عصرًا يوم الأربعاء الثالث والعشرين من الشهر الجاري أقام المركز الثقافي الكوري في مصر أمسية الأدب الكوري بفندق ’بيراميزا سويتس‘ بالدقي، بالتزامن مع اليوم العالمي للكتاب.
شارك في الأمسية الروائي ’بيك مين-سوك‘ أحد أشهر الكتاب المعاصرين الكوريين، الذي يتمتع بمسيرة أدبية حافلة، قام خلالها بتأليف ست مجموعات قصصية وست مجموعات من المقالات الأدبية وعشر روايات.
كما شارك في الأمسية د. ’محمود عبد الغفار‘، أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة ومترجم رواية ’النباتية‘ للكاتبة ’هان كانغ‘ الفائزة بجائزة نوبل للآداب العام الماضي، والعديد من الروايات الكورية.
صورة لي داخل ركم الروايات الكورية المترجمة إلى العربية بالقاعة التي تُعقد فيها الأمسية- الصورة من أمنيه أمير
استهدفت الأمسية استكشاف بعض جماليات الأدب الكوري، ودور الترجمة في نقله إلى مختلف ثقافات العالم. فضلًا عن القضايا المعاصرة التي تشغل الساحة الأدبية في كوريا الجنوبية.
فإن كنت يا عزيزي القارئ ممن يهتمون بالأدب عامةً، والكوري منه خاصةً، فهنيئًا لك بهذا المقال الذي سيساعدك على التعمق أكثر في فهم الأدب الكوري.
حضر الحدث نحو 100 شخص من محبي الأدب الكوري الذين قاموا بالحجز مسبقًا من خلال استمارة التقدم للحضور التي شاركها المركز قبل أسبوع من الحدث.
عند الدخول، قام المركز بتقديم دفاتر تذكارية للحضور، وكتاب عن الثقافة الكورية من اختيار كل شخص من ضمن مجموعة من الكتب المعروضة. تضمنت كذلك الفعالية مسابقة لنشر منشورات من قلب الحدث على صفحات التواصل الاجتماعي على أن يربح أول 20 شخص من الحضور ممن يقومون بالنشر رواية من أعمال الكاتبة ’هان كانغ‘ في نهاية الأمسية.
الكتب المعروضة عند الدخول التي يختار الزائر منها كتبًا واحدًا كهدية- الصورة من أمنيه أمير
الدفتر التذكاري والكتاب الذي قمت باختياره عند الدخول وهو كتاب عن التراث الكوري بالانجليزية - الصورة من أمنيه أمير
انقسم الحدث الذي استمر لـ4 ساعات إلى 3 محاضرات على أن يقدم د. ’محمود‘ المحاضرة الأولى، ويقدم الروائي ’بيك مين-سوك‘ المحاضرتين التاليتين.
قبل بداية الحدث تمكنت من الحصول على إمضاء تذكاري من د. ’محمود‘ وأخذ نصيحته حول أفضل طريق لتطوير مهاراتي الأدبية والنقدية. أجاب بأن الحل هو الإكثار من القراءة بدقة وتركيز.
صورة لي مع الدكتور ’محمود عبدالغفار‘- الصورة من أمنيه أمير
قدم د. ’محمود عبدالغفار‘ المحاضرة الأولى التي حملت عنوان ’جماليات سرد قبح الواقع، قراءة في روايتيّ ’ميس ايجيبت‘ و’النباتية‘‘
بحسب ما ذكره د. ’محمود‘، فإن ما يُعرف بـ’جماليات القبح‘ هو تعبير في النقد الأدبي المعاصر مرتبط في الأساس بالرغبة في الإشارة إلى مساوئ الواقع ورفع الأغطية عن كل ما هو مسكوت عنه اجتماعيًا وثقافيًا من أجل زيادة الوعي بها ومحاولة الوصول إلى حلول لتجاوزها في المستقبل. قد تثير المفارقة في تسمية هذا المصطلح لديكم سؤال مثل "ولكن كيف يكون القبح جميلًا؟" يجيب المحاضر بأن تعرية الواقع القبيح هي الخطوة الأولى للتخلص من القبح، ومن ثم يمكن بعد ذلك التأسيس لما يُطلق عليه فيما بعد جميلًا أو مبهجًا على المستويات الاجتماعية والثقافية وغيرهما.
وهو محور حديثه عن مقارنته للروايتين ’ميس ايجيبت‘ للكاتبة المصرية د. ’سهير المصادفة‘ و’النباتية‘ للكاتبة الكورية ’هان كانغ‘ الحائزة على جائزة نوبل في الآدب، لدورهما الكبير في الثقافتين المصرية والكورية.
نوه د. ’محمود‘ كذلك لمن يهتمون بدراسة الأدب المقارن، بوجود اتجاه نقدي في المنهج الأمريكي يبحث عن نقاط التشابه أو الاختلاف بين الكتابات المختلفة، ولا يهدف إلى تحديد أيها الأفضل والأصدق أو أي منافسة، على عكس المنهج الفرنسي في الأدب المقارن تاريخيًا. وإنما الهدف هو مزيد من التقارب بين الشعوب تحت شعار "تقبل الاختلاف أهم من معرفة الاختلاف". لأنه يتأسس عليه الاحترام ولا يمكن للجماعات البشرية إنتاج شيء معًا دون احترام أو تقدير. وهو الاتجاه الذي استخدمه في مقارنته للروايتين.
تتناول رواية ’ميس ايجيبت‘ بطلة لا تنطق بحرف طوال الرواية كبطلة رواية ’النباتية‘. السارد في الروايتين هم أشخاص آخرون مع اختلاف الأحداث بالطبع. من نقاط التشابه كذلك، أن الكاتبتين تثيران التساؤلات حول الدوافع الفلسفية الخفية وراء مقتل بطلة ’ميس ايجيبت‘ وامتناع بطلة ’النباتية‘ عن أكل اللحوم. وكذلك تشيران إلى كبت حرية المرأة وانحياز المجتمعات للذكور على الرغم من المناداة بالمساواة.
تتشابه الروايتان في سمة الاستهلال الخاطف، وهي سمة كتابية تحتاج إلى شجاعة.
من ضمن المقارنات التي ذكرها المحاضر بين الأدباء العرب والكوريين، حيث أن النقد العربي لا يقبل أو يتسامح بسهولة مع أن يكون الأديب روائيًا وشاعرًا ويرون فيها أنانية أو طمع بشكل أو بآخر. على عكس النقد الكوري المتسم بالتسامح، فعادة تجد أن الروائي يكتب الشعر والعكس دون حجر أو تحجيم على الأديب. فالأدب هو الأدب مهما اختلفت أشكاله ما دام يتسم بالسلامة اللغوية.
تجدون في الفيديو التالي جزءًا من المحاضرة.
بعد المحاضرة، أخذنا استراحة لـ20 دقيقة قدم لنا المركز فيها الكيك والقهوة.
خلال الاستراحة تمكنت من أخذ صورة مع الروائي ’بيك مين-سوك‘ والتعرف عليه.
صورتي مع الروائي ’بيك مين-سوك‘ - الصورة من أمنيه أمير
بدأت المحاضرة الثانية والتي تناولت تقديم جوانب الأدب والفن الكوري ما قبل ظهور الجانب المتعارف عليه حاليًا عن الفن الكوري والمتمثل في الكيبوب.
من أبرز ما جاء هو أنه نتيجة لتعرض كوريا لسلسلة من الأحداث الصعبة كالاحتلال الياباني والحرب الكورية، لم يتعرف العالم على الفنون والآداب الكورية خلال تلك الحقبة وحتى أوائل تسعينات القرن الماضي حين ثار الكوريون على الحكم العسكري وتمكنوا من الخلاص منه والتحول إلى دولة ديمقراطية. ومنذ ذلك الحين بدأت الثقافة الكورية في الانتشار بشكلها الحالي. ولهذا تناولت المحاضرة جوانب من الثقافة والفن الكوري في الحقبة السابقة لأوائل التسعينات.
حينها تمكن الفنانون الشعبيون من طبقة العمال والفلاحين من التعبير عن معاناتهم من خلال الأعمال الفنية، بعد سنوات من القمع العسكري الذي منعهم من المشاركة في المعارض الفنية. كذلك بدأت المساء في ممارسة الفنون بشكل علني والتعبير عن معاناتهن مع المجتمع الذكوري، والعنف الأسري وحرمانهن من أبسط الحقوق. كما نرى في الصورة التالية والتي تعبر عن أحداث حقيقية حيث تم حبس العاملات بأحد المصانع داخل غرفة وتم تركهن دون إنقاذ لمجرد أنهن نساء لا تستحق أن يتوقف أحد لنجدتهن. وظل الفن الكوري في تطور حتى تأثر بالرأسمالية وبدأ من خلالها فن رسم المنتجات كأعمال فنية كتعبير عن الاستهلاك والهوية الشرائية للمجتمع.
لوحة تعبر عن أحداث حقيقية حيث تم حبس العاملات بأحد المصانع داخل غرفة وتم تركهن دون إنقاذ لمجرد أنهن نساء لا تستحق أن يتوقف أحد لنجدتهن- الصورة من أمنيه أمير
لوحة تعبر عن تأثر المجتمع بالرأسمالية وبدأ من خلالها فن رسم المنتجات كأعمال فنية كتعبير عن الاستهلاك والهوية الشرائية للمجتمع- الصورة من أمنيه أمير
أما في المحاضرة الثالثة، فقد استعرض الكاتب سريعًا نبذة عن تاريخ الأدب الكوري الحديث وكيفية بناء الرواية.
تأثر الفن والأدب الكوريان بشدة بتلك اليابانية، فنجد أن بعض فرق الكيبوب في بداياتها كانت متأثرة بالبوب الياباني من حيث الأداء والأزياء. وبالمثل في الأعمال الأدبية والسينمائية. وهو أمر طبيعي فبعد الخروج من سلسلة أزمات وكبوات اقتصادية استمرت لأجيال، بدأ الاقتصاد الكوري في الانتعاش يصاحبه الرغبة في الظهور على الساحة الأدبية، فبدأ الفنانون الكوريون بالتطلع إلى الأعمال اليابانية لكونها كانت الأنجح والأكثر ازدهارًا وقتها اقتصاديًا وفنيًا. اشتهر وقتها اليابانيون عالميًا بفن الرواية الذاتية الذي وصل إلى كوريا. أحدثت تلك الروايات تغييرًا كبيرًا في الأدب الكوري بعد أوائل التسعينات، فكان الإقبال الكوري عليها عاليًا إلى أن أصبحت هناك أعمال أدبية كورية من نفس الفئة حصلت تدريجيًا على نفس النجاح. ولكن مع انتعاش الاقتصاد والأدب الكوريين أصبحت كوريا واليابان في مستوى متشابه، ولم يعد الكوريون يقبلون على الأعمال اليابانية كما في السابق. ومن هنا نستشف أن الأدب يتأثر بشكل مباشر بالظروف التي تمر بها البلاد.
في الشق الثاني من المحاضرة تعرفنا على كيفية بناء الرواية بأسلوب ينطبق على جميع الأعمال الأدبية سواء كانت القصة أو السيناريو... إلخ.
حسب تعريف أرسطو للحبكة، فإن الحبكة هي ترتيب الأحداث بالقصة، وهي أهم ما في القصة.
والحبكة كذلك هي الحدث الرئيسي في القصة وهي التي تحدد كيف تتصرف شخصيات القصة.
وسبب اختلاف الشخصيات تبدأ الصراعات في الازدياد بتسلسل للوصول إلى ذروتها.
نصح الكاتب من يودون كتابة رواية بألا يفكروا في القصة، بل أن يفكروا في الاختلاف بين الشخصيات.
ويمكن للرواية أن تتكون من شخصية واحدة، يكون الصراع فيها بين الشخصية ونفسها.
ولكن في المجمل، إن الأدب الكوري مختلف عن الأدب الياباني، ولا توجد طريقة أو قاعدة محددة لخلق أعمال أدبية أو فنية.
لمزيد من التفاصيل، تجدون المحاضرة في الفيديو التالي.
في نهاية الأمسية حصلت على توقيع الكاتب وبريده الإلكتروني للتواصل معه، وحقيبة من المركز بها كوب وإشارة كتاب مرجعية خشبية. ولأنني كنت من ضمن الـ20 الفائزين بمسابقة النشر على مواقع التواصل، حصلت على رواية ’النباتية‘.
توقيع د. ’محمود عبدالغفار‘ وتوقيع الروائي ’بيك مين-سوك‘ مع حجب الايميل الشخصي للروائي حرصًا على خصوصيته- الصورة من أمنيه امير
أثرت الأمسية عقلي وشعرت خلالها بالتواصل والتناغم مع المحاضرين وما قدماه. أنا محظوظة لحضوري هذا الحدث الثري. أرجو أن أكون قد نجحت في مشاركتكم إياه.
الهدايا التي حصلت عليها خلال الأمسية - الصورة من أمنيه أمير
إلى اللقاء في مقالات جديدة!
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.