بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية ياسمين مدحت أحمد
أقام المركز الثقافي الكوري حدثًا مميزًا على مدار الأسبوع الماضي منذ يوم 21 حتى يوم 24 ديسمبر وهو ليالي السينما الكورية في سينما ’فوكس‘ بمول سيتي سنتر ألماظة في القاهرة. وعُرض فيه عدد من الأفلام الحديثة الشهيرة بحضور عدد من صناع السينما الكورية. . ولم أرد تفويت هذه المناسب الجميلة التي يجتمع فيه الفن الكوري مع الجمهور المصري لصنع حالة من الانسجام الكوري المصري. وقد استمتعت كثيرًا في آخر أيام الفاعلية بمشاهدة الفيلم الكوري ’جرو قلبي‘ للمخرج الكوري ’كيم ﭽو هوان‘، والمعروف عالميًا ﺒاسم ’ﭽﯾسون كيم‘ وقد تم عرض الفيلم في كوريا عام 2023. وشارك في بطولته كل من الممثلين الكوريين ’يو يون سوك‘، و’تشا تى هيون‘ والممثلة الكورية ’جونج إن سون‘، إلى جانب عدد كبير من الممثلين الذين ظهروا كضيوف شرف في الفيلم. يتحدث الفيلم عن علاقة البطل بكلبه والتحديات التي يمران بها. وهو فيلم ينتمي لنوعية أفلام رحلات الطريق، والتي يخوضها البطل مع كلبه وصديقه وعدد من الكلاب الآخرى في إطار كوميدي مشوق تتخلله الكثير من مشاعر الدفء والحب والصداقة والوفاء. وسأعرض ملخص أحداث الفيلم دون حرق للتفاصيل أو النهاية، مع اهم النقاط التي ركز عليها الفيلم وسبب إعجابي به وترشيحي له
وقبل بدء الفيلم أعجبني كثيرًا بعض التفاصيل الخاصة باالفعالية مثل تصوير كل شخص وطباعة صورته على الفور. وكذلك النجمة الذهبية التي تحمل اسم الحدث وقد تصورت أمامها ممسكة بتذكرة الفيلم وبعض البطاقات التذكارية التي تحمل صورًا لمشاهد من الفيلم وبوستر الفيلم. وتم توزيع هذه البطاقات على الحضور عند دخول القاعة. وقد شهدت الفاعلية بشكل عام وهذا الفيلم أيضًا إقبالًا شديدًا من الجمهور المصري الذي ملأ قاعة الأفلام. وهذا يؤكد على شهرة ونجاح الأفلام الكورية في مصر حالًيا، والتي تًعد جزءًا هامًا من الثقافة الكورية
وبالحديث عن الفيلم، فهو يبدأ بعرض حياة البطل ’مين سو‘ الذي تجمعه علاقة خاصة بكلبه الجميل من نوع (جولدن ريتريفر) والذي يدعى ’روني‘، فنراه يعيش مع الكلب بعد وفاة والدته، لذا فهو يعتبره أخًا وصديقًا ورفيقًا له في الحياة، ليس مجرد حيوانه الأليف. وذات يوم، يتخذ البطل قرارًا مصيريًا في حياته وهو أن يذهب للفتاة التي أحبها وارتبط بها منذ ثلاث سنوات ’سونغ كيونغ‘ ليعرض عليها الزواج، ويحدثها عن خططه المستقبلية في بيع منزل العائلة وشراء بيت جديد لهما. وتوافق حبيبته على الفور وهي في غاية السعادة، ولكنها تفجر مفاجآة غير متوقعة؛ وهي أن لديها حساسية من الكلاب بشكل وراثي. وأنها كانت تتناول الحبوب في كل مرة تلتقي فيها كلبه ’روني‘. وشعرت بالاحراج أن تخبره بذلك فأخفت عنه الحقيقة. وأخبرته أن بعد قراره الزواج منها، سيصبح من الصعب عليها أن تعيش مع الكلب في مكان واحد؛ خاصة مع وجود أطفال في المستقبل. وهنا يعدها ’مين سو‘ بإيجاد الحل المناسب لهذا الأمر. فيذهب إلى صديقه وقريبه ’ﭽﯾن جوك‘-الذي يمتلك مقهى ويحب صنع القهوة- ليسأله رأيه، فيقترح عليه ’ﭽﯾن جوك‘ أن يعرض الكلب ’روني‘ للتبني عن طريق عرض صورته على أحد وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص مع وجود الكثير من المهتمين بتربية الكلاب في كوريا. وبالفعل تأتيه العديد من الرسائل المطالبة بتبني الكلب لجمال مظهره، ومن هنا يبدآن رحلة البحث سويًا عن المتبني المناسب للكلب
ومع ظهور كل متبني نعيش فصلًا من الكوميديا والمغامرة، ونرى أيضًا بعض الأنماط من الأشخاص الراغبين في تبني الحيوانات الأليفة لأول مرة؛ مثل الأم الحديثة التي تود تربية حيوان أليف مع طفلها حتى يصبحوا أصدقاء، وآخر يعتقد أن اقتناء كلب جميل المظهر كالجولدن ريتريفر، سيمنحه مظهرًا اجتماعيًا أكثر تميزًا في المجتمع. وهناك أيضًا من يفقدوا كلابهم فيودون تبني كلبًا آخر ليملأ هذا الفراغ ويعوضهم. وفي كل مرة كان ينتهي الأمر بشكل كوميدي، ويرفض البطل إعطاء الكلب لهؤلاء لعدم شعوره بالراحة أو لشكوكه أنهم سيعتنون بالكلب جيدًا
وفي ظل محاولات صديقه المتكررة لإيجاد المتبني المناسب، يسافر كلاهما لأحد أعمامه في مدينة ’با ﭽو‘ ليعرضوا عليه تبني الكلب ’روني‘، خاصة وأنه يملك كلبًا مشابه له من نوع (لبرادور ريتريفر). ويتفاجئ ’ﭽﯾن جوك‘ أن العم طلب مقابلته لأنه مضطر للسفر وطلب منه تبني كلبه في ذاك المنزل. وبهذا الوضع أصبح الصديقان يبحثان عن مآوى لكلبين بدلًا من كلب واحد. واستمرت رحلة البحث عن متبني، فاقترح عليه صديقه الذهاب إلى جزيرة ’ﭽﯾﭽو‘ ، وأراه بعض الصور لمآوى كلاب واسع وملئ بالخضرة. فقررا الذهاب باصطحاب الكلبين، وفي الطريق تحدث الكثير من المغامرات التي ينتج عنها اصطحاب المزيد من الكلاب؛ حتى تصبح رحلة مجمعة للكلاب. ثم نصل لعقدة ما قبل النهاية فحينما يصل الصديقان إلى المآوى المنشود، يحدث شئ ما يجعلهما يعيدان النظر في الأمر. وهنا تظهر رسالة الفيلم الحقيقية وهي أن الكلب أو الحيوان الأليف بشكل عام هو جزء من عائلة صاحبه، ولا يجوز التخلي عنه تحت أي ظرف مثلما لا يتخلى الانسان عن أقربائه وأحبابه. ونصل إلى نقطة الصفر مرة آخرى ولكن هذه المرة يبحث البطل عن حل حقيقي للمشكلة ويريد التمسك بكلبه للأبد
أردت في تناولي لقصة الفيلم أن أوضح فقط أهم النقاط التي ارتكز عليها الفيلم لتوضيح فصوله المتنوعة والتي جاءت جميعها في غاية التماسك. ولم أرد شرح تفاصيل الرحلة أو النهاية لأنني أتمنى ان يشاهد الجميع الفيلم ويتمتعون به كما استمتعت به كثيرًا. أكثر ما أعجبني في الفيلم بشكل خاص، هو هذا التماسك رغم تنوع أفكاره وظهور العديد من الشخصيات خلال الرحلة ،إلا أن هدف الرحلة التي يقوم بها البطلان واضح من البداية حتى قرب النهاية. ورسالة الفيلم أيضًا تتضح شيئا فشيئًا ولكنها تكتمل وتتبلور بنهاية الفيلم. كما أن مرورًا برحلة البطلين، تعرفنا أيضًا على أنماط من مربيي الكلاب الذين تختلف أهدافهم وأساليبهم وتفاعل الأبطال معهم. ففي النهاية نرى أن الفيلم لا يتحدث فقط عن العلاقة بين البطل وكلبه؛ بل عن العلاقة الأشمل وهي علاقة الحيوانات الأليفة وأصحابها، والقيمة التي تضفيها هذه الكائنات الودودة في حياة البشر.وفي حديث لمخرج الفيلم ’كيم ﭽو هوان‘ فيما قبل أخبرنا ان فكرة الفيلم جاءته بعد تؤثره لمشاهدة بعض الأخبار عن إلقاء الكثير من الكلاب في الشارع أو ضياعها من أصحابها لتصبح بلا مآوى فأراد أن يعبر عن تلك العلاقة الفريدة بين الشخص وكلبه ويؤكد أهمية ان يتمسك مربيي الحيوانات الأليفة بحيواناتهم لأنهم عائلتها الوحيدة
ومن أكثر الأشياء التي أحببتها أيضًا، ليس فقط تنوع الفصول وتماسكها، وإنما تنوع المشاعر والعلاقات خلال الفيلم أيضًا. فإلى جانب علاقة البطل بكلبه التي سأتطرق لها في النهاية، توجد علاقة الصداقة الوطيدة بين البطل ورفيقه ؛والتي على مدار الفيلم أعطتنا الكثير من المشاهد المسلية والمضحكة، والتي جعلت الجماهير تضحك بشدة؛ ثم أعطتنا مشهدًا مؤثرًا من أجمل مشاهد الفيلم قرب النهاية. وهناك أيضًا بعض نماذج الشخصيات من مربيي الكلاب التي سبق ذكرها، وهي أنماط موجودة في كل المجتمعات. كما توجد علاقة البطل بأمه والتي لم نرها بشكل مباشر ولكن فهمناها من خلال ذكره لها، ولمسنا كيف كان تأثيرها على حياته وطريقة تفكيره. أما عن العلاقة الرومانسية بين البطل وحبيبته فرغم عدم تواجدها كثيرًا على الشاشة، إلا أننا نشعر كم هي علاقة عميقة على مدار الأحداث. فالبطلة ربما أتخذنا ضدها موقفًا في بداية الفيلم لرفض الكلب رغم أن أسبابها منطقية وليست بإرادتها، إلا أنها أظهرت دومًا تقديرها لعلاقة البطل وكلبه وأيقنت فيما بعد أن تمسكه بالكلب يجعله محل ثقة ليكون مسئولًا عن أسرتهم وأطفالهم في المستقبل
ولابد أن نذكر أيضًا كيف أن كوميديا الفيلم كانت حاضرة بقوة في أغلب المشاهد، وذكية؛ حتى أن الجمهور المصري –صاحب المعايير العالية في الكوميديا- تفاعل معها بشكل قوي، وتعالت ضحكاتهم في الكثير من المشاهد. اما عن رحلة الطريق فكان سيناريو الفيلم في غاية الذكاء كذلك لأنه اختار الذهاب إلى جزيرة ’ﭽﯾﭽو‘، عن طريق رحلة برية بحرية بدلًا من الطيران؛ وخلال هذه الرحلة خاضا الكثير من المغامرات الطريفة والمؤثرة في الوقت ذاته. كما تمكننا أيضًا من الاستمتاع بالطبيعة الساحرة لكوريا حيث الجبال الخضراء، والبحر البديع، وجزيرة ’ﭽﯾﭽو‘ ذات الطبيعة الخلابة
أما على الصعيد الدرامي، لم يكن الفيلم حزينًا على الأطلاق، ولكن بفضل صدق مشاعر الأبطال وعذوبة الموضوع، استطعنا رؤية ثلاث او أربعة مشاهد ما بين البداية والوسط والنهاية، في غاية التأثير والروعة حتى دمعت عيوننا بعض الشئ. وكان المشهد الختامي للفيلم أفضل تتويج لكل هذه المشاعر، فأغلب الحضور كانت تدمع أعينهم وهم مبتسمين. وبشكل شخصي أرى أن أفضل أفلام شاهدتها في حياتي وأثرت في هي التي انتهت على هذا النحو بهذه المشاعر المختلطة الفياضة. وبالتالي يمككنا تصنيف الفيلم على أنه اجتماعي، رومانسي، عائلي، كوميدي، ودرامي، تشويقي، كل هذا من خلال رحلة طريق تتناول علاقة البطل بكلبه. ولذلك أرى أنه فيلمًا يرضى جميع الأذواق وجميع الفئات العمرية
وآخيرًا، نأتي لأفضل وأهم علاقة في الفيلم، وهي علاقة البطل ’مين سو‘ بكلبه ’ريني‘، وهي أول شئ رأيناه في افتتاحية الفيلم حيث يعيشا سويًا في شقة صغيرة، ويهتم ’مين سو‘ بالكلب فيعتني بنظافته وطعامه، كما يداعبه ويلعب معه بل ويتحدث معه كذلك. ولكن بمرور الوقت رأينا مدى عمق العلاقة بينهما حيث أن ’مين سو‘ قد ربى الكلب منذ إحدى عشر عامًا وكان دومًا صديقه ورفيقه حتى أنه بكى في أحضان الكلب عندما ماتت والدته فأصبح الكلب بمثابة عائلته. ومن المدهش دومًا أنك ترى تعبيرات وجه الكلب وانفعالاته كأنه انسان يتحدث، فنراه يفتح فمه مبستمًا عندما عودة البطل من عمله، ونرى نظرته الحزينة الشاعرة بالوحدة حينما يودعه صاحبه، حتى أننا رأينا عينيه تدمع وقت بكاء البطل على أمه وكأنه يشعر بألم صاحبه. وقد تحدث بطل الفيلم الممثل الكوري ’يو يون سوك‘ فيما قبل عن هذا المشهد، موضحًا أن الكلب لم يتلق تدريبًا خاصًا ولكن البطل أسس معه علاقة ودودة قبل وأثناء تصوير الفيلم بفترة، وأثناء تصوير هذا المشهد تفاجئوا من ظهور هذه المشاعر عند الكلب فتأثر بها فريق العمل والمشاهدين كذلك. وهذا بالأضافة إلى وجود عدد من الكلاب الصغيرة اللطيفة التي تشعر وكانك تريد اللعب معها ومداعبتها وأنت تشاهد الفيلم. ومن اللطيف أيضًا أن علاقة صديق البطل ’ﭽﯾن جوك‘ مع الكلاب قد تطورت على مدار الفيلم فهو يحب الكلاب بشكل عام ولكن لم يعتقد إنه سيتمكن من تحمل مسئولية تربيتها ولكن هذه الفكرة تغيرت كثيرًا فيما بعد
ومن الملفت للنظر أن هذه العلاقة تنبع بالأساس من واقع الحياة في كوريا. فهو شعب يقدر الحيوانات كثيرًا وبالأخص الكلاب. وأنا أدعي أن أكثر فترة في حياتي رأيت فيها عدد كبير وأشكال متنوعة من الكلاب حينما كنت في كوريا. فهناك ترى الكلاب من حولك في كل مكان باختلاف أشكالها وأنواعها وأحجامها أيضًا، وإن كانت الكلاب الصغيرة هي الأكثر انتشارًا ولطفًا. فتراها في الحدائق والمتنزهات والشوارع، وهناك بعض الحدائق المخصصة للكلاب. بل وترى محلات الملابس المتخصصة في بيع ملابس الكلاب، وآخرى لأكسسوارات الكلاب ولوازمها. كما ان كوريا كانت من أولى البلاد التي ابتدعت فكرة (كافيهات الكلاب)؛ وتم الأشارة لهذه الفكرة من خلال الفيلم؛ حيث يمكنك زيارة الكافيه وتناول مشروبك المفضل وأنت تداعب الكلاب ويجرون من حولك في جو من السعادة والبهج
تظل العلاقة بين الانسان وحيوانه الأليف واحدة من اسمى وأرقى العلاقات التي قد لا يشعر بها إلا من يجربها بشكل خاص، ولكن لا يستطيع أحد إنكار تلك المشاعر الرقيقة بل وتؤثر فينا جميعًا عند رؤيتها أمامنا. ولذا فلطالما تجسدت تلك العلاقة كثيرًا وبشكل متنوع عبر الأفلام حول العالم. وباعتباري من محبي الحيوانات ومفضلي هذا النوع من الأفلام، فأنا أعد فيلم ’جرو قلبي‘ من أفضل الأفلام التي شاهدتها في هذا التصنيف، لذا أرشحه للجميع إذا أتيحت لكم الفرصة لرؤيته
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.