سجن ’سوديمون‘ يمثل احد رموز النضال ضد الاحتلال الياباني في كوريا وهو اليوم يعد مزارا سياحيا تاريخيا مهما. المصدر: الصورة هي لقطة شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب، مع تعديل المراسلة الشرفية كنزة سليماني
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية الجزائرية كنزة سليماني
عند اطلاق حفل افتتاح تنصيب المراسلين الفخريين لعام 2022، كانت هناك المزيد من التظاهرات والفعاليات التي تستهدف كل المهتمين بالثقافة الكورية عبر العالم. وقد كنت شخصيا من المشاركين لهذه الانشطة المميزة والتي تلقيت العديد من الاشعارات حولها في صندوق بريدي الالكتروني. ومن بين اشعارات شبكة ‘فان داي كوريا’ التي لفتت انتباهي كانت عن سجن ‘سوديمون’ فعالية الواقع الافتراضي، بث مباشر على اليوتيوب". وقد تخلل البث مسابقة ايضا عن الكلمات المفتاحية التي ستظهر خلال المحاكاة. هذه الفعالية تشمل الحديث عن سجن ‘سوديمون’ وتاريخه من جهة و عيش تجربة قريبة للواقع لأركان السجن ومعاناة سجناء الحرية وقتها من جهة أخرى. وقد فكرت ان أكتب عن هذه التجربة الآن خاصة ان كوريا تحتفل بالذكرى الـ77 للاستقلال من براثن الاستعمار الياباني.
سجن ’سوديمون‘ ..جدران تقص فصلا من النضال الكوري للحرية.
عند بداية محاكاة زيارة سجن ’سوديمون’ ومعايشة المعاناة التي كان يمر بها المناضلون الكوريون. انطلق المقدم ‘ماكس آريناس’ بإعطاء نبذة عن السجن، حيث تم افتتاحه من قبل ادارة قوات الاحتلال الياباني يوم الـ21 من أكتوبر عام 1908 بالعاصمة سيئول. وقد كان مخصصا حينها لنشطاء حركة الاستقلال الكورية؛ الاحتلال الياباني كان يسجن ويعذب بكل من يعارضهم ويحمل راية النضال لهذا كانت ما تلبث وتجز بالمزيد من النشطاء الكوريين داخل السجن، مما استدعى توسعته لاحقا ليغطي مساحة 29.216 متر مربع، 3.347 منها كانت تخص بناية السجن. وهنا تم اطلاق تسمية ‘سوديمون’ عليه بالتحديد يوم الـ03 من سبتمبر عام 1912.
بداية الرحلة الافتراضية لسجن ‘سوديمون’ مع المقدم ‘ماكس آريناس’ والتي انطلقت بجولة قصيرة لزنزانات السجن الضيقة و الموزعة على اروقة طويلة مع حراسة مشددة من قبل الجنود اليابانيين، وأيضا زنزانات التعذيب التي كانت تخصص لاحتجاز النشطاء بهدف استخراج المعلومات منهم . المصدر: الصور هي لقطات شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب، مع جمع و تعديل المراسلة الشرفية كنزة سليماني
بعد الاستقلال اصبح السجن بباحاته يعبر عن حديقة الاستقلال منذ الـ15 من أغسطس عام 1992. وهو يعد مكسبا مهما للسياحة التاريخية في كوريا ليس فقط انه يعود لحقبة صعبة مرت بها كوريا ولكن ايضا لانه يعد رمزا مهما يعبر عن تضحيات العديد من الكوريين لنيل الاستقلال وهو رسالة حية مستمرة يتناقلها الكوريون ابا عن جد. ولهذا فقد عملت السلطات الكورية بجهد للحفاظ على أجزاء مهمة من السجن مثل الاجنحة التي كانت تضم الزنزانات وايضا الموقع الذي كان يُعدم فيه النشطاء، ولاحقا فُتحت فيه فروع تحكي ذكريات كل ركن من السجن؛ كفرع الارشيف والمتحف. وايضا ملحقات خاصة بأشهر الشخصيات التي سجنت فيه، وأخرى تعنى بتاريخ السجن وأيضا ملحقا للتجارب خاصا بالزوار. واليوم سجن ‘سوديمون’ هو مفتوح لكافة الناس ويتيح تجربة فريدة من نوعها، وفي أحد المرات شاهدت فيديو لأحد الكوريين الشباب وهو يستكشف السجن، وقد كان متأثرا جدا وهو ينتقل عبر اركان السجن لأنه شعر بمسئولية كبيرة اتجاه كل من عُذب فيه واتجاه بلده كوريا. وحتما رؤية السجن عبر عالم ‘الميتافيرس’ يحيي تلك المشاعر التي تذكرنا بأهمية الحرية والنضال لأجلها.
عندما نصادف قصة البطلتين ’يو غوان سون‘ و ’ليم ميونغ ايه‘.
حين انطلقت المغامرة نحو سجن ‘سوديمون’ وجد ‘ماكس’ نفسه داخل أحد الزنزانات الضيقة فاقدا الوعي وقد كان بجانبه فتاتين تحاولان ايقاضه؛ كانتا ‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’. واللتان قدمتا نفسيهما كناشطتين في حركة الاستقلال الكورية وقد تم سجنهما من قبل القوات اليابانية بعد المشاركة في مظاهرات الاول من مارس 1919، وأن هناك العديد من النشطاء يقبعون في السجن لأجل نضالهم ومشاركتهم بمظاهرات الحركة التحريرية. ورغم ظروف السجن القاهرة، الى ان كلتاهما كانتا صامدتين وتهتفان لاستقلال كوريا؛ "دي هان مينغوغي مانسيه !... دي هان مينغوغي مانسيه !" والتي تعني"فلتعش كوريا".
‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’ تم سجنهما بعد حركة الاول من مارس 1919 برفقة العديد من النشطاء الكوريين الآخرين، وقد تعرضوا لأقسى انواع التعذيب والاستجواب. وايضا فقد كانت ادارة السجن تنظم محاكمات غير عادلة في حقهم. المصدر: الصور هي لقطات شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب، مع جمع و تعديل المراسلة الشرفية كنزة سليماني
خلال هذا الجزء من المحاكاة كانتا الناشطتين ‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’ تتعرضان لتعنيف كبير من قبل حراس السجن اليابانيين؛ وعبر هذه التجربة المحاكية للواقع يمكننا ان نشعر بألم ومعاناة ناشطي حركة الاستقلال الذين كانت تُفرض عليهم الأعمال الشاقة لمدة تفوق الـ12 ساعة يوميا، بدون طعام ومع احتجاز 3000 ناشط كوري في زنزانات لا تسع الا لـ500 سجين؛ ولكن كل هذا لم يزدهم الا اسرارا وعزيمة اكبر لتحرير كوريا.
وقد كان وقتها كل من ‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’ ابرز الشخصيات المناضلة التي سجنت في ‘سوديمون’؛ وهي فرصة مواتية جعلتني اتعرف أكثر على هاتين البطلتين.
‘يو غوان سون’؛ بطلة قومية كان لها دور كبير في الحركة التحريرية الكورية رغم صغر سنها بمدينة ‘تشونان’، فهي انظمت لصفوف التحرير بعمر السادسة عشرة فقط، وقد عُرف عنها حبها وعزمها الشديدين لتحرير كوريا؛ ولهذا عوملت بقسوة كبيرة من قبل القوات اليابانية لدرجة أنها سجنت في زنزانة خاصة كانت تسمى ‘الزنزانة رقم 08’. وقد تم تشييد تمثال يخلدها بحديقة ‘سوديمون’.
المناضلة ‘يو غوان سون’ التي انظمت لصفوف حركة التحرير الكورية في سن مبكرة وتحدت الاحتلال الياباني. المصدر : الصورة هي لقطة شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب
‘ليم ميونغ ايه’؛ من احد أهم الرموز النسائية الثائرة ضد الاحتلال الياباني، وهي زوجة ضابط في جيش التحرير الكوري آنذاك، وكلاهما كان مسئولا عن الحركة التحريرية في منطقة ‘باجو’. وقد سجنت بعد حركة الاول من مارس أيضا، و حينها كانت حاملا. حكم عليها بعام ونصف في السجن، وكإستثناء تم اطلاق سراحها في شهر أكتوبر 1919 لتضع مولودها. ولكن الاحتلال الياباني أعاد سجنها مع مولودها مباشرة بعد شهر واحد فقط من إنجابها؛ وقد سجنت بعدها برفقة ‘يو غوان سون’ في الزنزانة رقم 08، حيث كانت ‘يو’ تهتم بها وبطفلها.
المناضلة ‘ليم ميونغ ايه’ التي ساهمت في تنظيم مظاهرات حركة التحرير الكورية. وتحملت قساوة وتعذيب القوات اليابانية رغم حملها. المصدر : الصورة هي لقطة شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب
‘سوديمون’ درس عن التضحيات و حب الوطن
عند اقتراب نهاية رحلة ‘الميتافيرس’ لسجن ‘سوديمون’، تأثرت كثيرا وأنا اشاهد الفتاتين اللتان مثلتا دور الناشطتين ‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’. خاصة عندما قال ‘ماكس’ ان صورة الناشطة ‘يو غوان سون’ كانت تظهر وجهها متورما بسبب التعذيب وسوء المعاملة. وفي جزء من المحاكاة قالتا الناشطتين ان الالم البدني لا يضاهي ألم احتلال كوريا من قبل اليابان، وأنهما ستواصلان الكفاح لغاية آخر نفس لهما. حب الكوريين لبلدهم كان جليا جدا؛ تحدوا الجيش الياباني الذي كان وقتها من أعتى الجيوش، وتجرعوا جل انواع العذاب في السجون اليابانية. لكن الارادة الصلبة والوطنية الخالصة اقوى من كل الجيوش والعتاد. قصة سجن ‘سوديمون’ ملهمة بكل تفاصيلها وهي محطة تفسر المكانة التي وصلت اليها كوريا اليوم، كون الشعب الكوري ادرك ان تضحيات المناضلين يجب ان تستمر عبر الاجيال وحتى بعد نيل الاستقلال يوم الـ15 من أغسطس 1945.
‘يو غوان سون’ و ‘ليم ميونغ ايه’ كانتا تضحيان معا لأجل تحرير كوريا من الاحتلال الياباني ولم تنجح كل طرق هذا الاحتلال في تثبيط عزيمتهما، المصدر: الصور هي لقطات شاشة لفعالية الواقع الافتراضي التي نشطها موقع ‘فان داي كوريا‘ على اليوتيوب، مع جمع و تعديل المراسلة الشرفية كنزة سليماني
’يو غوان سون‘ و’ليم ميونغ ايه‘...ذكرتني بقصة المجاهدات الجزائريات
العام الماضي وخلال المهمات الشهرية التي كان يقيمها موقع كوريا.نت؛ تم تخصيص مهمة شهر أغسطس للكتابة عن قصص نضال البلدان التي ينتمي اليها كل مراسل فخري، وقد كان لي الشرف شخصيا بأن اكتب عن الثورة التحريرية الجزائرية والتي كانت قريبة جدا من قصة الكفاح الكورية للحرية، خاصة عندما كانت المجاهدات الجزائريات تشاركن الرجال في القتال لتحرير البلاد. وقد اعتقلت عديد المناضلات الجزائريات من قبل القوات الفرنسية وهناك تم تجريب اشد وأقسى انواع التعذيب عليهن مثل المجاهدتان ‘جميلة بوحيرد’ و‘جميلة بوباشا‘ واللتان انخرطتا في صفوف جيش التحرير بسن مبكرة، وبقيتا تناضلان الى ان نالت الجزائر استقلالها.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.