مراسل فخري

2021.12.27

اعرض هذه المقالة بلغة أخرى
  • 한국어
  • English
  • 日本語
  • 中文
  • العربية
  • Español
  • Français
  • Deutsch
  • Pусский
  • Tiếng Việt
  • Indonesian


 الصورة لغلاف الجزء الأول ’ضارب الرمل‘ من ’القصص الشعبية الكورية: العفاريت والأشباح والجنيات‘ ترجمتها الأستاذة ’تهاني عبد العزيز عويضة‘ عام 2010. (الصورة من محمد الزيني)


بقلم مراسل كوريا.نت الفخري المصري محمد الزيني

على عكس يد الاستعمار الحثيثة على المحو والتدمير وطمس هوية الشعب وسرقة معالمه، كانت هناك أياد حثيثة على الحفظ والتسجيل التأريخ للحضارة والتراث (المادي وغيره) بما استطاعت إليه سبيلاً. من هؤلاء كان المستشرق والمبشر الكندي ’جيمس سكارس غيل‘ الذي سافر إلى كوريا عام 1888 عقب تخرجه من جامعة تورنتو بنفس العام.

متأثرًا بالخطاب التبشيري وصل غيل إلى ميناء ’بوسان‘ معينًا كمبشر جمعية الشبان المسيحيين بجامعة تورنتو، ومنها إلى مدينة ’جيمولبو‘ المعروفة حاليًا باسم ’إنتشون‘. من هنا بدأ غيل مشواره في ترجمة وتدوين التراث الكوري بالإضافة إلى ممارسة دوره المجتمعي في عدة مجالات.

لنزعته الشعرية وذائقته الأدبية قدم مساهمة كبيرة في ترجمة الأدب الكوري، فتحت أفاق كل من الكوريين والغربيين للتعرف على بعضهم البعض. تطور الأدب الكوري الحديث في هذه الفترة نتيجة للاحتكاك المباشر بالثقافة الغربية، بسبب بعثات التبشير والتجارة والتنمية الاقتصادية المتزايدة ومحاولات ’التغريب‘ وكان غيل متابعا ومطلعا على كل المستجدات، فقام عام 1893 بترجمة  أول عمل روائي مطبوع باللغة الكورية وهو كتاب ’تقدم الحاج‘ لـ’جون بونيان‘. كما نشر أول قاموس كوري-إنجليزي عام 1897. أيضًا عام 1910 كان قد أتم مساهمته في ترجمة أول إنجيل باللغة الكورية.

ومما أطلعت عليه وتسبب في كتابتي لهذا المقال كان هو الكتاب الذي نشره غيل عام 1913 تحت عنوان ’القصص الشعبية الكورية: العفاريت والأشباح والجنيات‘، حيث كان مهتمًا أيضًا بالمؤلفات والمخطوطات القديمة في كوريا. في عام 1912 صدف أنه وجد مخطوطًا قديمًا لكاتب كوري يدعى ’إيم بانغ‘ وقبلها في عام 1911 قد تحصل على طبعة ثانية من مذكرات كورية قديمة لكاتب يدعى ’إي ريوك‘ ضمت ثلاثة عشرة قصة قصيرة، فترجمها ونشرها في كتاب واحد.

لحسن حظي وجدت نسخة عربية من هذا الكتاب ترجمتها الأستاذة ’تهاني عبد العزيز عويضة‘ عام 2010 ضمن مشروع ’كلمة‘ التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث. نشرت النسخة العربية على جزئين، الأول بعنوان ’ضارب الرمل‘ والثاني بعنوان ’مينغ المشهور‘.

نشر هذه الحكايات الشعبية وانتشارها خصوصًا بين الغربيين أعطى لشخصية الكوريين عمقًا لم يعلموا بوجوده من قبل، فعلى حسب تعبير المترجم نفسه أن اعتقاد الغربيين بأن الحب والقوة والصدق والتضحية هي صفات لا يمتلكها الإنسان الشرقي هو اعتقاد خاطئ، ويثبت عكسه ما ورد في قصة ’تشاران‘ (الحكاية الأولى من الحكايات الشعبية الكورية لجيمس غيل) التي عمرها أكثر من أربعة قرون، لذلك فقد استهل بها كتابه.

 الصورة لراقصة حسناء تسمى ’تشاران‘ في ’القصص الشعبية الكورية: العفاريت والأشباح والجنيات‘. (رسم وتلوين من برديس الديب)


يحتوي هذا الكتاب على العديد من الحكايات الرائعة، وأولهم قصة تشاران، وهي راقصة حسناء عاشت في مقاطعة تسمى ’بيونغ أن‘ خلال عهد مملكة جوسون. وبجانب قصص العاطفة القوية التي تعددت واتخذت أشكالاً متغايرة ولم تنتهي نهايات متطابقة كانت هناك قصص أشد تنوعًا وأكثر ثراء عن أشباح وعفاريت وأناس يخرقون العادة بأفعالهم.

تبدو هذه القصص لمن ينظر إليها بتسرع، وكأنها مجرد خرافات أو حكايات للأطفال، لكن علينا التأمل للوصول إلى ما خلف هذه الماورائيات من إيمان عميق بعالمي الأرواح والأشباح في الثقافة الكورية، وما تحاول هذه القصص توصيله بشكل لطيف وآخاذ من نصائح وعبر، لأن "صناعة اللسان ليست إلا صناعة القلب والعقل" كما قال د. محمد أبو موسى.


 الصورة لطبق من حساء سمك الورنك يخدمه الحاكم لضيوفه في ’القصص الشعبية الكورية: العفاريت والأشباح والجنيات‘. (رسم وتلوين من برديس الديب)


فعلى سبيل المثال هناك قصة لشيخ تحول إلى سمكة ورنكية على مرأى من أولاده! عندما حل أحد هؤلاء الأبناء ضيفًا على أحد حكام المقاطعات وقدم له حساء سمك الورنك تأثر تأثرًا شديدًا ثم قص عليه ما حدث وتناقله الناس بتعجب شديد!

عند النظر إلى هذه القصة نجد أنها لا تزيد على كونها خرافة تناقلها الأجداد لسبب أو لآخر، إلا أننا لو تأملنا فيها لوجدنا أنها ربما مجرد رمز لاعتقادهم بعدم فناء الروح وتعدد أشكال الحياة وتشكل الروح بأشكال متعددة في حيوات مختلفة!

أثبتت هذه القصص لأبناء الحضارة الغربية، كما عبر غيل أن الإنسان الشرقي يتمتع بخلفية ثقافية رائعة وغريبة في نفس الوقت. المترجم جيمس سكارس غيل أهدى كتابه إلى ابنه الصغير ’جورج‘ واصفًا سنتي عمره بأنهما ربيعين وخريفين شرقيين.

وهذا الإهداء في رأيي أبعد ما يكون عن الإهداءات التقليدية للمؤلفين، إنما أراه ميراثًا من الجيل الأول الذي تعرف على روح الشرق وطبيعة أهله بعد جهل دام طويلاً، إلى الجيل الجديد الذي لا يعد غريبًا تمامًا عن هذه الثقافة لأنه نشأ في كنفها.

لم يرد غيل توريث ابنه ولا الغرب أيضًا الصورة النمطية التي سادت عن الشرق، بل أراد ترك آخر ما توصل له ليُكمَل من بعده وليكون منارة يهتدى بها من أراد الوصول إلى سواحل ثقافة وحضارة وروح الشرق. بالنظر إلى حياته، شعرت بحبه لكوريا والروح النبيلة لجهوده لنشر اللغة والثقافة الكورية.


sarahoqelee@korea.kr

هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.