لكني لا أمتلك خريطة لذلك العالم القابع وراء الموت مهما كان كنهه. لا أعرف إنْ كان ثمة لقاء وفراق هناك. إذا كنا لا نزال نمتلك فيه وجوهًا وأصواتًا وقلوبًا قادرة على المسرة والوجع. (رواية أفعال بشرية، الصورة من المترجم محمد نجيب)
بقلم مراسلة كوريا.نت الفخرية المصرية رضوى خطاب
منذ سالف العصور كان الأطباء العرب يمارسون مهنة الطب جانباً إلى جنب، وكان يوجد البعض منهم يبحث فى الفنون كما يبحث فى العلوم أيضا، ولم يتخلى جزء من شغفهم هذا للترقى فى الفنون كالأدب والشعر وأيضا الفلسفة و كان فى مقدمة تلك البارعين طبيب مشهور آنذاك هو "أبن سينا" الذى لايزال أسمه يدوى سماعنا حتى الآن . وبخلاف هذا يوجد العديد من "أطباء أدباء" من العرب وتوجد العديد من قصصهم حول رحلتهم بين الطب والأدب ، وكما يمضى هؤلاء وقتهم بين المرضى ووصفات الأدوية والعمليات الجراحية ، يقضى أكثرهم يقرأون عن الأدب والفلسفة والشعر ويترجموا عنه أيضا لذلك اليوم سوف نصطحبكم معانا فى رحلة بين الطب والأدب الكورى مع المترجم المصرى محمد نجيب ونعرف عن رحلته المزيد .
بطاقة تعريف عن المترجم محمد نجيب ؟
محمد نجيب طبيب وكاتب ومترجم أدبي من مصر. ولِد في مدينة المنصورة عام ١٩٩٢م وحصل على البكالوريوس في الطب والجراحة كلية القصر العيني عام ٢٠١٥. بدأ رحلة تعلم اللغة الكورية منذ عام ٢٠١٤ قبل أن يهتم بترجمة الأدب الكوري المعاصر. صُدرت له روايتا الكتاب الأبيض ٢٠١٩ وأفعال بشرية ٢٠٢٠ للروائية هان كانغ عن دار التنوير اللبنانية. وتصدر له قريبًا رواية للكاتبة كيونغ سوك شين عن دار الكتب خان المصرية.
لماذا أتى الاهتمام بالأدب الكورى دون غيره؟
اهتمامي بالأدب الكوري خاصة وتاريخ كوريا في العموم بدأ في عام ٢٠١٤ من خلال بحث كنتُ أجريه عن الحركات الطلابية والعمّالية التي اندلعت في أرجاء مختلفة من العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية مثل تظاهرات باريس في مايو ١٩٦٨ والمظاهرات الطلابية في اليابان في الستينات تحت قيادة الأديب الياباني الشهير يوكيو ميشيما وانتفاضة الخبز في مصر عام ١٩٧٧. أثناء البحث قرأت فقرة عن تظاهرات مايو ١٩٨٠ في مدينة غوانغجو الكورية في إحدى المقالات الأكاديمية وظل الاسم عالقًا في ذهني لمدة طويلة. كانت هذه أول مرة أقرأ فيها عن تاريخ كوريا، هذه الدولة الصغيرة في أقاصي آسيا. منذ ذلك الوقت نما بداخلي شغفٌ كبير للتعرف على تفاصيل ما حدث في مدينة غوانغجو بشكل خاص وعن تاريخ وثقافة كوريا بشكل عام. قضيت عامًا كاملًا أدرس اللغة الكورية وأقرأ عن تاريخ كوريا. ثم في عام ٢٠١٥ أتيحت لي فرصة لزيارة قصيرة إلى كوريا. كنت أتمشى ليلًا في شوارع سول وقادتني قدماي إلى متجر للكتب في سول حيث سألت بائعة كتب شابة عن رواية تتحدث عن مظاهرات غوانغجو فاقترحت عليّ رواية الصبي يأتي (أفعال بشرية) لهان كانغ والتي كانت قد صدرت مؤخرًا فاشتريت الكتاب وتمنيت أن أترجم الرواية إلى العربية يومًا ما، ثم بعد عودتي من كوريا عكفت على دراسة اللغة الكورية بشكل مُعمق لأكثر من خمس سنوات كي أمتلك الأدوات اللازمة للترجمة الأدبية.
من الأشياء الأخرى التي قربتني من الثقافة الكورية والمجتمع الكوري الراهن اهتمامي الخاص بالطب النفسي والاضطرابات النفسية خلال فترة تدريب مع منظمة الصحة العالمية للتوعية بخطورة الاكتئاب والانتحار في عام ٢٠١٧. قمتُ حينها بدراسة ظاهرة الانتحار في كوريا. قصة انتحار المغني الشاب كيم جونغ هيون عضو فرقة شايني "شايني" في نهاية عام ٢٠١٧ ومعاناته الطويلة مع الاكتئاب ورسالة انتحاره من أكثر القصص المُلهمة والمؤثرة بالنسبة إليّ على المستوى الشخصي.
الترجمة كالكتابة ثمة أيام عمل أشعر فيها بالرضى عن ترجمتي وأترجم فيها عدة صفحات في اليوم الواحد وثمة أيام قد أقضي فيها ساعات في ترجمة جملة واحدة بحثًا عن الكلمة المناسبة التي قد تنقل المعني الدقيق الذي عبر عنه الكاتب في الأصل الكوري.(الصورة للكاتب المترجم محمد نجيب)
كونك مترجم لا يخلو الأمر أنَّ لديك طقوس معينة لأنك لا تترجم فقط بل تنقل مشاعر الروائى باللغة العربية؟
ثمة مقولة للكاتبة الكورية الجنوبية باي سوا إحدى كاتباتي المفضلات وهي أيضًا مترجمة من الألمانية إلى الكورية تقول: "الكتابة هي أن ترسل روحَك في رحلة" والترجمة بالنسبة إليّ فن لا يقل أصالة عن الإبداع الكامن في العمل الأصلي. والترجمة من وجهة نظري هي إعادة كتابة والمترجم هو كاتب ثاني للعمل الأدبي.تبدأ الترجمة بمحاولة التعرف على الكاتب من خلال قراءة عدد من أعماله الأدبية وحواراته الصحفية وكل ما أستطيع الوصول إليه من معلومات عنه. ثم أقرأ الرواية التي سأترجمها لأتعرف على زمان ومكان وأجواء الرواية. الأمر أشبه بالاستعداد للسفر إلى بلد جديد لم أزره من قبل.ثم تبدأ رحلة الترجمة. ترجمة رواية كورية دائمًا ما يتخللها التعرف على حقبة تاريخية جديدة ومجموعة من الأكلات والموسيقى الكورية وقراءة العديد من الكتب والمقالات التي لو لا الترجمة ما كنت لأتعرف عليها.و لا يمكن إغفال البحث المتواصل في القواميس الكورية والمحاولة المستمرة لإثراء معجمي الخاص من الكلمات العربية. وهذه النقطة من أهم الأمور التي أنصح بها المترجمين الواعدين في بداية مشوار الترجمة الأدبية وهي ضرورة امتلاك لغة عربية قوية ومتنوعة المفردات فقد يمتلك المترجم لغة كورية جيدة تؤهله لفهم النص الأدبي لكن مع ذلك يجد صعوبة في التعبير عنه بلغة عربية فصحى رصينة وصحيحة لغويًا وسهلة الفهم للقارئ العربي. الترجمة كالكتابة ثمة أيام عمل أشعر فيها بالرضى عن ترجمتي وأترجم فيها عدة صفحات في اليوم الواحد وثمة أيام قد أقضي فيها ساعات في ترجمة جملة واحدة بحثًا عن الكلمة المناسبة التي قد تنقل المعني الدقيق الذي عبر عنه الكاتب في الأصل الكوري. وكل ذلك جزء من متعة الترجمة. الترجمة كالكتابة فعل عزلة بالنسبة إليّ. أقضي نحو عشر ساعات أسبوعيًا أجلس أمام حاسوبي الشخصي بصحبة فنجان قهوة وموسيقاي المفضلة. أحب الاستماع إلى أغاني كورية بالذات أثناء الترجمة سواء موسيقى دراما كورية أو أغاني فرق الكي بوب مثل سوبر جونيور التي تعرفت على أغانيهم مؤخرًا.
ما الذى جعلك تهتم بالترجمة ومتى كان أول عمل روائى مترجم لك ؟
القراءة هي هوايتي المفضلة منذ الصغر. يعود الفضل في ذلك إلى أبي فقد حرص على شراء الكتب والروايات لي ولأخوتي وغرس عادة القراءة بداخلي منذ الطفولة. كما أنني قد عشقت اللغة العربية والكتابة الأدبية طوال حياتي ويراودني دائمًا حلم بأن أنشر رواية تحمل اسمي. فزت بعدة جوائز للقصة القصيرة والصحافة المدرسية خلال مراحل الدراسة المختلفة. ثم حين تخرجت من كلية الطب، أصبح لدي متسع من الوقت لممارسة الكتابة واستعادة شغفي باللغة العربية إلى جانب عملي الطبي. في البداية تصورت أن الترجمة ستكون فترة مؤقتة ستساعدني على أن أكون روائيًا في المستقبل وستنمي خيالي ولغتي قبل أن أتفرغ للكتابة الأدبية. بدأت في تعلم اللغة الكورية والفرنسية منذ عام ٢٠١٤م لكني وقعت في حب الترجمة وتعلم اللغات وصارت عشقًا مستقلًا عن طموح الكتابة الأدبية. تعلم لغة جديدة يفتح للإنسان بابًا سريًا يفضي إلى عالم جديد رحب من تاريخ وثقافة وأدب وموسيقى وطعام وعادات وتقاليد شعوب مختلفة عنا. من المستحيل أن نعدّد كل الأفاق والفرص التي يتيحها تعلم لغة جديدة.أول عمل أترجمه كان كتابًا عن الإنجليزية اسمه " دماغ مشتعل" يجمع بين الحديث عن المرض العقلي والتحقيق الصحفي (الريبورتاج) للصحفية الأمريكية سوزانا كهالان في بداية ٢٠١٨م. ثم نُشِرت لي أول قصة قصيرة مترجمة عن الكورية بعنوان " اركض يا أبي!" للكاتبة الكورية المميزة كيم إي ران في مجلة الدوحة الثقافية. ثم تواصلت مع دار التنوير لترجمة روايتيّ الكتاب الأبيض وأفعال بشرية لهان كانغ. وهكذا كان الكتاب الأبيض أول عمل أدبي أترجمه عن الكورية وقد نُشر في شهر سبتمبر من عام ٢٠١٩.
هل لدى دور النشر العربية أمل فى نشر الروايات المترجمة من الكورية إلى العربية؟
زاد الاهتمام بالأدب الكوري في العالم أجمع مع فوز رواية أرجوك اعتن بأمي للكاتبة كيونغ سوك شين بجائزة المان بوكر الآسيوية عام ٢٠٠٧ وهي أول رواية كورية تتجاوز مبيعاتها المليون نسخة ثم بلغ الاهتمام ذروته مع فوز رواية النباتية لهان كانغ بجائزة المان بوكر الدولية عام ٢٠١٦. وقد حققت رواية النباتية بترجمتها العربية نجاحًا جيدًا في الوطن العربي وهو ما وجّه اهتمام الناشرين العرب بشكل أكبر نحو الأدب الكوري وتنوعه. ومع الدور الملحوظ الذي يلعبه معهد ترجمة الأدب الكوري مؤخرًا من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي للمترجمين والناشرين على حدٍ سواء، بات الناشرون العرب أكثر شجاعة للاستثمار الثقافي في الأدب الكوري. كذلك من الأمور المحمودة في السنوات الأخيرة أن ترجمة الأدب الكوري باتت في معظمها ترجمة عن اللغة الكورية مباشرة وهو ما يرفع من جودة الترجمة، بالإضافة إلى تزايد الاهتمام بالأدب الكوري المعاصر بعد أن كان الاهتمام محصورًا في الماضي على ترجمة الأعمال الأدبية الكلاسيكية التي قد لا تثير اهتمام القراء العرب لا سيما الشباب. و لا بد هنا من توجيه الشكر لمعهد ترجمة الأدب الكوري والأستاذة ندى ( جونغ جو لي ) مسئولة برنامج ترجمة الأدب الكوري إلى العربية.الأدب الكوري أدب ثري ومتنوع ما بين الروايات الواقعية وأدب المراهقين والروايات البوليسية والروايات التاريخية والفانتازيا والخيال العلمي وكذلك القصص المصورة "المانهوا". ترجمة الأدب الكوري خاصة المعاصر إلى العربية لا تزال في مهدها مقارنة بحجم الإنتاج الأدبي الكوري لكن الحاضر مُبشر.
يبدو أن كل الأعمال المترجمة للكاتبة "هان كانغ" فهل يوجد سبب لذلك ؟
هان كانغ كاتبة مميزة. أسلوبها فريد ولديها موهبة نادرة في تحليل النفس البشرية ونقد العنف البشري بكل أشكاله. البعض يشبهها بفرانز كافكا والبعض الآخر بديستوفسكي. كما أن كل عمل أدبي تكتبه مختلف عن الآخر في بنائه الأدبي وحبكته وتعدد الأصوات الروائية. فالنباتية والكتاب الأبيض وأفعال بشرية، كل كتاب منها مختلف تمامًا عن الآخر في طريقة كتابته. فوز رواية النباتية لهان كانغ بجائزة عالمية مرموقة كان المحرك الأساسي في ترجمة الرواية إلى لغات كثيرة ومنها العربية ثم أعقب ذلك ترجمة بقية أعمالها كما أنه أعطى دفعة مهمة إلى حركة ترجمة الأدب الكوري بصفة عامة.
على نحو شخصى هل للأدب الكورى دور فى أحداث تغير لك ولشخصيتك ونظرتك لرؤية العالم من حولك؟
جمال الأدب في جانبه الإنساني الذي لا يختلف مهما كانت جنسية هذا الأدب. الأدب الكوري أدب إنساني ومتنوع بامتياز. وتاريخ كوريا مليء بالأحداث التي تستحق الحكي والتعرف عليها والتي تمتد من عصر مملكة جوسون مرورًا بفترة الاحتلال الياباني المظلمة والحرب الكورية وثورة نهر الهان الاقتصادية وغيرها من المحطات التاريخية المهمة وصولًا إلى الربع الأول من القرن الحالي. رواية أفعال بشرية آثرت فيّ كثيرًا وربما من الروايات القليلة التي جعلتني أبكي أثناء قرائتها لأنها تتناول فترة عصيبة من تاريخ كوريا وتمتلئ بالكثير من المشاهد المؤثرة. كما أن للأدب الكوري واللغة الكورية فضلًا كبيرًا في تعرفي على أشخاص جدد من خلال الفعاليات التي يقوم بها المركز الثقافي الكوري في القاهرة وتكوين صداقات مع مترجمين من بلدان أخرى كثيرة يترجمون من الكورية إلى لغتهم الأم. التقيت في نوفمبر الماضي بالشاعر الكوري المميز شين تشول كيو خلال زيارته إلى القاهرة وتحدثت معه عن المشهد الأدبي الكوري الراهن وسعدت كثيرًا حين أهداني نسخة من ديوانه الذي يتضمن قصيدة " كويكب" وهي إحدى قصائده المفضلة إليّ والتي قمت بترجمتها.كل كتاب جديد يكشف لي جانبًا لم أكن أعرفه عن كوريا الجنوبية. كل كتاب رحلة جديدة وممتعة في اللغة والثقافة الكورية تترك أثرًا بداخلي.أشعر بالامتنان والفخر كوني مترجمًا عن الكورية. فالترجمة جعلتني بمثابة رسول يعرّف القراء العرب على الأدب والتاريخ الكوري وهو ما يجعلني أشعر بشيء من المسئولية أحيانًا.
ما مجمل الأعمال التى ترجمتها من الكورية إلي العربية حتى الآن؟
أفضل أن أترجم أعمال أدبية لكاتبات نساء أكثر من الكتّاب الذكور فأنا أشعر أن الأدب لأسباب جندرية قد هيمن عليه الرجال لفترات طويلة من التاريخ وقد انعكس ذلك على حركة الترجمة أيضًا بطبيعة الحال. كما أن محاولة الدخول إلى عقل كاتبة يمثل تحديًا خاصًا بالنسبة إليّ يضيف جانبًا جديدًا إلى متعة الترجمة. قمت بترجمة ست روايات حتى الآن. الكتاب الأبيض وأفعال بشرية لهان كانغ وقد صدرتا عن دار التنوير وأربع روايات للكاتبة كيونغ سوك شين ستصدر تباعًا خلال الفترة المقبلة. أما الآن فأعمل على ترجمة مجموعة قصصية لكاتبات كوريات معاصرات.
إذا كانت الروايات الالكترونية فى كوريا الجنوبية تحظى بشعبية كبيرة ترى هل سوف يحدث نفس الشئ فى الوطن العربى أيضًا؟
التطور التكنولوجي المتسارع يجعل دخول عصر الكتاب الإلكتروني حتميًا وضروريًا في العالم أجمع. كوريا رائدة في هذا المجال. والكثير من دور النشر العربية الكبرى قد بدأت بالفعل في توفير نسخ إلكترونية من كتبها للقراءة على الأجهزة اللوحية. كما أنه توجد منصات عربية كمنصة "أبجد" تعمل على تعزيز تجربة القراءة الإلكترونية. كما أن ثمة توجه جاد نحو إنتاج الكتاب الصوتي (المسموع) لتسهيل عملية القراءة مع نسق الحياة السريع. لكن أنا من عشاق الكتاب الورقي. أحب رائحة وملمس الورق وتدوين الملاحظات بخط يدي داخل الكتاب والاحتفاظ به في مكتبتي بعد الانتهاء من قرائته. لهذا أعتقد وأتمنى أن يستمر سوق الكتاب الورقي في المستقبل جنبًا إلى جنب مع الكتاب الإلكتروني.
كل لحظة هي قفزة إلى الأمام من فوق جُرف غير مرئي حيث تتجدد حوافُ الزمن باستمرار. نرفع أقدامنا من على الأرض الصلبة للحياة التي عشناها حتى الآن، ونأخذ الخطوة التالية المحفوفة بالمخاطر، نحو المجهول، نحو الفراغ، لا نفعل ذلك كي نثبت شجاعة من نوع خاص بل لأنه لا يوجد طريق آخر. (من رواية الكتاب الأبيض، الصورة من مترجم محمد نجيب)
فى رواية الكتاب الأبيض توجد عبارة مميزة جعلتنى أشعر بالفضول لقراءة الرواية هي"هل يمكن أن امنح أختى هذه الحياة" ؟ هل ترى أنه يمكن لانسان منح حياة لآخر؟
الكتاب الأبيض هو تجربة أدبية فريدة ونادرة. يصعب تصنيفه في قالب أدبي واحد. فهو بمثابة شذرات من الذاكرة. محاولة من الكاتبة لرثاء أختها الكبرى من خلال تأملات في اللون الأبيض وأشياء " بيضاء". كان لهان كانغ أخت كبرى ماتت بعد ولادتها بساعتين. وقد أخبرتها أمها ذات مرة إنه لو كانت أختها قد عاشت بعد هاتين الساعتين فربما ما كانت قد اتخذت قرار إنجاب ابنة أخرى لهذا شعرت هان بالامتنان إلى شقيقتها التي لم ترها في حياتها أبدًا. فلو عاشت أختها، لم تكن هان لتأتي إلى هذه الدنيا. لكنه امتنان يشُوبه شيءٌ من الحزن وتأنيب الضمير. لهذا حاولت هان كانغ في الجزء الثاني من الكتاب المعنون ب" هي" أن تتخيل ماذا كان سيحدث لو عاشت أختها مكانها وهل يمكنها حقًا أن تمنح حياة مختلفة لأختها الميتة؟ هل تنتهي حياة الشخص بموته أم بالإمكان أن يواصل الحياة في ذاكرة أحبائه؟ هل حين يموت شخص، فإن جزء منه يعيش في جسد من يتذكروه؟ تحاول هان أن تُبقي ذكرى أختها حية من خلال كتابة هذا الكتاب. لهذا ثمة عبارة تتكرر في أكثر من موضع في الكتاب: " لا تموتي.. من أجل الرب لا تموتي." فالموت بالنسبة إلى هان كانغ ليس الموت بمفهومه المادي أو الفسيولوجي بل الموت بالنسبة إليها هو النسيان. أن تموت هو أن تُنسى. لهذا تحاول هان ألا تنسى أختها وهي مسألة صعبة جدًا كونها لم تر أختها أبدًا. كيف تحافظ على ذكرى شخص لم تقابله أبدًا ؟! يبدو الأمر مستحيلًا. حاولت هان أن تجيب عن هذا السؤال لكنها لم تمنحنا إجابة. فدور الأدب أن يطرح الأسئلة لا أن يقدم الأجوبة.
من بين كل الروايات الكورية التى قمت بترجمتها أو قرائتها هل توجد شخصية بالتحديد تريد أو تحلم أن تراها فى الحقيقة ولماذا؟
من الأفكار الغريبة التي خطرت في رأسي هو تصور لقاء مُتخيل بين الصبي "دونغ هو" الشخصية الرئيسية في رواية أفعال بشرية وشخصية الأم المفقودة في رواية أرجوك اعتن بأمي. فكلاهما رغم إنه لا يظهر كثيرًا في أحداث الرواية إلا أن غيابهما كان له تأثيرًا كبيرًا على شخوص وأحداث كل رواية منهما. أحيانًا قد يكون لغياب شخص ما تأثيرٌ أكبر بكثير من حضوره. أو بمعنى أبسط أننا لا ندرك قيمة الشيء إلا بعد أن نفقده.
ما هو حلمك الذى تسعى إلى تحقيقه لكى ينتشر الأدب الكورى بشكل فارق وملحوظ؟
لدي أحلام كثيرة بخصوص الأدب الكوري. على المدى القريب هناك الكثير من الأعمال الروائية وغير الروائية من الأدب الكوري التي أتمنى ترجمتها. أحاول دائمًا ترجمة أعمال أحبها كقارئ وألا أترجم شيئًا لا يمسَّني بطريقة أو بأخرى وأشعر أنني محظوظ لأن الناشرين الذين أعمل معهم يثقون في اختياراتي إلى حد بعيد. أتمنى أن تعكس ترجماتي الثراء الموجود في الأدب الكوري وأن أترجم أنواع مختلفة من الأدب الكوري، روايات بوليسية وخيال علمي وقصص مصورة وروايات ذات طابع نسوي وأدب الطفل. الترجمة مثل الطب تتطلب ألا أتوقف عن التعلم طوال حياتي. لهذا من أحلامي طويلة المدى أن أدرس الأدب الكوري بتعمق أكثر وبشكل أكاديمي وأن أحصل على درجة الماجستير في الأدب الكوري يومًا ما. كذلك أتمنى أن أتمكن ذات يوم من ترجمة روايات وكتب عربية إلى الكورية أيضًا. وأود بالطبع على المستوى العام أن يزداد عدد المهتمين بالأدب الكوري وأن تنظم فعاليات أكثر خاصة بالأدب الكوري في مصر والوطن العربي. وربما تكون كوريا الجنوبية ضيف شرف في إحدى دورات معرض القاهرة للكتاب في الأعوام القليلة المقبلة.
وفى النهاية نشكر المترجم المصرى / محمد نجيب على هذا اللقاء ونتمنى أن يختار لنا بعض من الاقتباسات من رواياته المترجمة من الكورية للعربية وأهداءها لقراء لمحبى الأدب الكورى .
sarahoqelee@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.