مراسل فخري

2019.08.21

اعرض هذه المقالة بلغة أخرى
  • 한국어
  • English
  • 日本語
  • 中文
  • العربية
  • Español
  • Français
  • Deutsch
  • Pусский
  • Tiếng Việt
  • Indonesian
manbookerhangang_190821_in1.jpg

ودكتراه محمود عبد الغفار. (الصورة من محمد الزيني)



بقلم مراسل كوريا.نت الفخري محمد الزينيمن مصر



منذ عام مضى أنهيت قراءة رواية "النباتية" للكاتبة الكورية "هان كانج". فكرت حينها أنه يجب علي مقابلة د.محمود عبد الغفار مترجم هذه الرواية لأشكره على ترجمته البديعة وأناقشه في بعض جوانب هذه الرواية. بدأت بالبحث عن وسيلة للتواصل معه لكني لم أوفق للعثور عليه أبدا، حتى أني راسلت دار النشر لتوصلني به لكنهم لم يساعدوني كثيرا. ظللت ألحظ اسمه على العديد من الكتب التي تناقش مواضيع الثقافة الكورية وشرعت في قراءة بعض منها لكن دونما أمل في اللقاء. ثم في هذا العام وبمحض الصدفة عثرت على وسيلة للتواصل معه وراسلته فأبدى ترحابا وقبولا، وقابلته فوجدت بشاشة ورصانة، وناقشته فوجدت علما وإطلاعا مع ذائقة أدبية مرهفة فكنت محظوظا بمجالسته. أظن أن ترتيب هذا اللقاء ينطبق عليه تلك الجملة التي يرددها دائما د.محمود "الحظ يأتي لمن يبحث عنه".

في منتصف الشهر السابع الميلادي من هذا العام وبداخل حرم جامعة القاهرة في كلية الآداب العريقة شرفت بلقاء د.محمود عبد الغفار أستاذ الأدب الحديث والمقارن المساعد بآداب القاهرة وصاحب العديد من الترجمات والدراسات الحائزة على العديد من الجوائز في الأدب الكوري.

بالتأكيد دار حديثنا عن الأدب والترجمة ولم يخل من حديث عن الدراما والأفلام الكورية وكل ما يخص هذه الثقافة الفريدة، واليوم أشارك معكم الجزء الأول من هذا اللقا.

- هل تعتبر النباتية سببا لانتشار الأدب الكوري؟ وهل هي إضافة لهذا الأدب -لحصولها على جائزة المان بوكر- أم أن من يقرأ هذا النوع من الأدب أصلا سيطلع عليها؟
أنت قمت بالإجابة على السؤال تقريبا، فالجوائز تضيء على الأدب. مثلا كو أون ترشح لجائزة نوبل حوالي سبع أو ثمان مرات، فمجرد نشر مثل هذا الخبر عن كو أون وعن الأدب الكوري يجعل هذا الناس تقرأ.

في 2013 و 2014 قابلت بروذر أنتوني وهو أستاذ مقيم في كوريا من حوالي 30 سنة وهو أعظم مترجم من الكورية إلى الإنجليزية في العالم كله على مدار التاريخ وترجم ما يمكن أن يزيد عن 150 ديوان شعر من الكورية، لدرجة أن الكتاب والمبدعين يتسابقون للتعرف عليه وعرض أعمالهم عليه. حينها أخبرني أنه سيرافق كو أون في رحلته لأنه كان مرشحا لنوبل وقتها ووصل لقائمة نوبل القصيرة في الآداب. فمثل هذه الأخبار تحقق إنتشارا، وعندما تفوز رواية بجائزة يقبل الناس عليها ويفكرون في الحصول على معلومات أكثر عن المؤلف وقراءة المزيد من أعماله والمزيد من هذا الأدب نفسه. فللجوائز دور خطير جدا وخصوصا قيمتها عندما يحمل العمل معنا مختلفا. فهي تجذبك تجاه هذا النوع من الأدب وأنت تكتشف ما إذا كانت الجائزة مستحقة وستكمل قراءة أم لا، وتقرأ نصوصا أخرى وتقرر ما إذا كان يستحق هذا الأدب أن يقرأ.

- أثناء قراءتي للنباتية. كانت هذه الهوامش مفيدة جدا وانطوى بعضها على معلومات جديدة. فهل منهجك دائما هو توضيح ما هو أكثر من المعنى اللغوي وتوصيل المعنى الثقافي؟ أم أن هذا كان لخصوصية هذه الرواية؟
لا أنا حتى في كل دواوين الشعر التي ترجمتها أو أشتركت في ترجمتها مع أساتذة كوريين أحب أن أفعل هذا. أنا أرى أن جزءا من استراتجيات الترجمة أنك لا تنقل نصا أدبيا فقط، بل تنقل الثقافة. لأن ما سيجعل لهذا النص قيمة عند القارئ العربي عموما هو أن يشعر أنه تعرف على قدر ما من الثقافة الكورية. لأنه عندما تقرأ رواية وكأنها حصلت في المكسيك أو كوبا أو ألمانيا فما الفارق؟ فالأشخاص والأبطال ومشاكل الحياة المستمرة موجودة في كل العالم لكن كي تستمتع بالعمل الأدبي تحتاج مع المعنى الجمالي الموجود في التراكيب إذا كان شعرا ومع ما يحدث من مواقف في الحياة إذا كان نصا روائيا أن تقترب قليلا من خصوصية هذه الثقافة.

- "صحيح أن الترجمة تطمح دائما لنقل النص الأصلي كما هو في لغته وبكل ظلال معانيه. لكنه طموح يشبه الأمل الذي نواسي أنفسنا بإمكانية بلوغه دون أدنى شك في يقيننا من استحالة تحققه." كيف نتغلب على هذه المعضلة؟ كيف يمكن للمترجم أن يقول لقد نقلت هذا النص بأفضل طريقة ممكنة؟
بأن يكون لديك شجاعة الإنتقال من الترجمة الحرفية للترجمة التي توازي هذا التركيب في لغتك. لكي يشعر القارئ بمتعة التعبير التي شعرت بها. لكن الأمر مثلما تتذوق شيئا على لسانك وتحاول وصفه للناس، لن تستطيع مهما فعلت! ستخبرهم بأن الطعم حلو، مالح، حامض وهو سيستعيد مخزون خبراته لكي يدرك معنى الحلو والمالح والحامض لكن سيظل الوحيد الذي تذوق الطعم هو أنت، الموصوف له أخذ المعنى وهو أمر آخر. فالمترجم يحاول أن يستعين بالمثيرات التي تقرب المعنى من لغة القارئ لكي يشعر بجمال التركيب، وهو أمر يحتاج شجاعة كما أسلفت. أيضا الوسائل المساعدة كالهوامش تحاول نقل السياق الثقافي لتقربنا أكثر من المعنى. لكن الأمر كإختبار لا يمكن الوصول إلى الدرجة النهائية فيه، وكلما أقتربت من أعلى المؤشر كان ذلك نجاحا.

- ما رأيك في الشخصية الرئيسة برواية النباتية؟
شخصية البطلة "يونج هيه" هي شخصية مثل مئات أو آلاف السيدات الكوريات اللاتي يمكن أن تقابلهن. هي شخص طيب ومستكين ومسالم. تزوجت حتى لا يقال أنها تخطت سن الزواج وتزوجت بشخص حتى عندما تكلم هو عن نفسه قال من ذي التي يمكن أن ترضى بي وأنا لست وسيما وذو بطن مترهل ولا أملك شيئا! فهذا يخبرك ماذا كانت وجهة نظرها هي. وهذه حقيقة في المجتمع الكوري؛ أن البنت إذا لم تتزوج حتى سن معين تعاني من مشاكل. مهما حاولت الحداثة والتحرر حاليا أن تصور أن البنت تستطيع أن تعيش بمفردها أو بدون زواج فهذا غير حقيقي وتظل المرأة الغير متزوجة أو حتى المطلقة تعامل بطريقة مختلفة ولها نظرة إجتماعية تقريبا مثل تلك النظرة التي في مجتمعاتنا. هان كانج حاولت أن تقدم هذا النموذج الذي تفرض عليه الإختيارات طوال الوقت، وعندما صدم باختيار يظن أنه هو صاحب الحق فيه –أن يمتنع عن تناول اللحوم ثم الطعام- وأن يتطور الموضوع ليحلم بأن يتحول إلى شجرة! فيكتشف أن هذا ليس من حقه!

أنا أتصور ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الأسرة دعمت قرارها بالإمتناع عن تناول اللحوم، ولو أن زوجها توقف عن أكل اللحوم خارج المنزل كي لا يعود معبقا برائحة اللحم الذي تشمئز منه، وماذا لو أنه توقف عن وضع البيض واللبن في الثلاجة؟ ولو أنهم تركوها تعيش فقط على النباتات وقبلوا هذا. فلو عملنا بمنطق بعض كتاب السيناريو في كوريا وتركنا القراء يعيدون كتابة الرواية فأنا أتصور أنها لو كانت تركت لتعيش مسيطرة على نفسها وجسدها ولو لوهلة وأن تأكل النباتات فقط بدون أن يفرض عليها أي أحد أي شيء كانت القصة لتختلف وكانت "يونج هيه" لتعيش. لكن هذا كان سيعني أننا نتحدث عن مجتمع آخر غير المجتمع الواقعي الذي تحاول الكاتبة أن تفضحه بالمعنى الفني.

manbookerhangang_190819_in3.jpg

المراسل الفخري لكوريا.نت محمد الزيني(اليسار) ودكتراه محمود عبد الغفار. (الصورة من محمد الزيني)



- ألاحظ اهتمام الحكومة الكورية بنشر ثقافتها قدر المستطاع، ويهتمون جدا بموضوع "القبول الشعبي" وليس فقط تحسين العلاقات الرسمية بين البلاد. فما سر هذا الإهتمام؟
طبعا هذا يكون جزءا من سياسة الدولة ولا يتم هكذا بشكل فردي أو بمحض الصدفة، فالدولة تقوم بدورها الرسمي في إنشاء وتوطيد العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الدول الأخرى وهم أذكياء جدا في هذا الشأن. مثلا كوريا تستورد غاز وبترول من أوزبكستان فتجد لكوريا سفارة في أوزبكستان والأوزباك يزورون كوريا بسهولة جدا. أيضا نيجيريا على سبيل المثال من الدول المرحب بها جدا في كوريا وهناك علاقات بترول وغاز بينهم ويوجد في إيتوان حي أو منطقة للأفارقة، أنا لم أشاهده حتى عام 2013 ، لكن آخر مرة كنت هناك رأيتهم وسألت صديقي ما هذا فأخبرني بأنه حي الأفارقة في إيتوان لأن البلد منفتحة جدا على الأفارقة.

فهذا جزء من سياسة الدولة بشكل عام. أيضا أكبر سوق استهلاكي بالنسبة لكوريا هو الشرق الأوسط؛ السيارات والتليفزيون والموبايل إلخ.. وأصبحت أكبر سياحة علاجية تستقطب العرب هي كوريا، لأن بالمقاييس المادية كوريا أرخص من أوروبا وهي بلد صغيرة تستطيع أن تتنزه بها أثناء فترة علاجك. ثالثا: وهو أمر جميل أنك تذهب لأي مستشفى في كوريا لتجد مترجم كوري يجيد العربية جدا. وهي ميزة قد لا تجدها في أوروبا. فأنت تذهب لكوريا لتعالج جيدا وتستمتع وتتنزه وبنصف الثمن الذي يمكن أن تدفعه في أوروبا. فالدولة تعرف كيف تفعل هذا، وهناك مؤسسات أخرى هدفها مساعدة الدولة على نشر الثقافة. لأنه عندما تقرب الثقافة فأنت تقرب المنتجات أيضا والسياسات ووجهات النظر وتكتسب تعاطفا. وكيف يتحقق هذا؟ عن طريق مؤسسات مثل كويكا والمركز الثقافي الكوري وبعمل برامج في السفارة مثل "صباح الخير من القاهرة" الذي شاركت في أول ست حلقات منه. وهو عبارة عن برنامج من عشرين حلقة يقدم الثقافة الكورية من وجهة نظر المصريين الذين يتحدثون الكورية ويعرف الكوريين بالثقافة المصرية. فهناك توزيع للأدوار، ومثلما قلت أنت فالقبول الشعبي أهم من القبول السياسي، لأنه يمكن أن تكون هناك علاقات عميقة وجميلة بين دول سياسيا لكن الشعوب لا تتقبل بعضها.

- بالنسبة إلي أرى أن الأفلام الجيدة والكتب ينقلان الثقافة أفضل من الأغاني والدراما. ما رأيك في هذا؟
أنا اتفق معك. الأفلام لأنها مكثفة (ساعتين تقريبا) تعطي صورة معينة لكن الدراما أيضا -بغض النظر عن أن جزءا منها يكون ترويجيا للثقافة- تكشف أيضا عن المجتمع. أول ما بدأت تعلم اللغة كان من أكثر الأشياء التي أعجبتني جدا هي دراما اسمها "الحب والحرب" كانت عبارة عن حلقات منفصلة يوميا عن أسباب الطلاق. وكان 90% أو 80% بسبب الحماوات وعدم تعاون الأسرتين وتعاملهم الجاف مع بعض وأشياء من هذا القبيل. فأنا كنت أحب هذا المسلسل لأنه حلقة واحدة ومع محدودية المعرفة باللغة يشعرك بالتعمق في التفاصيل وتشعر أنك تعلم أكثرعن الواقع الذي لا تراه وتجعلك تأخذ فكرة حقيقية عن البيت الكوري الذي لم تدخله من قبل. أيضا الدرما تستطيع إخبارك عن الواقع العملي وكيف أن العمل بالشركات الكورية صعب والمنافسة طاحنة، وكيف أن المجتمع مع الطاقات والكوامن من الثقافة البوذية والكونفوشية تساعد الناس في السيطرة على مشاعرهم وانفعالاتهم وكبت كل المشاعر السلبية ليعملوا مع شخص لا يحبوه ويتحدوا بالعمل والإنجاز معه مع استمرار العداء الموجود أصلا سواء انقلب لحب أو لم ينقلب بعدها.

فالدراما تعطيك الكثير من التفاصيل، وأنا أزعم أن من شاهد عشر مسلسلات كورية مشاهدة حقة فإنه قد أصبح بالفعل يعرف الكثير عن الثقافة والمجتمع الكوري.

- ألاحظ دائما أن معظم الأدب الأسيوي عموما وليس الكوري فقط أعمق من الأدب الأمريكي مثلا والذي يعتمد على إثارة وجذب القارئ بمشاهد الحركة وما إلى ذلك في حين يعمد الأدب الأسيوي إلى الخوض في النفس البشرية والتحولات التي تطرأ عليها ونظرة أفراد المجتمع لبعض، وهو أمر جيد، لكني ألاحظ وجود تعاسة وخواء داخلي وحالات بحث عن الذات ملازمة للشخصيات مع كون المجتمعات الأسيوية ليست منفصلة تماما عن الروحانية كمجتمعات أخرى، فما منبع هذا الشعور؟
شيئان في رأيي. أولا: أن الكتاب الكوريون لا يكتبون جزافا وإنما تكون هناك خطاطة حيث يرون ماذا يقرأ الناس وما هي المجالات التي يكون الإقبال عليها وماذا تتناول أحدث الروايات أو الإصدارات ويحاولوا أن يكونوا جزءا من هذه الموجة لأن الأدب فيه "موضات" أيضا، فتجد كل فترة تاريخية منشغلة بمواضيع معينة. والناس تهتم جدا بالتغيرات التي تحدث على مستوى الأفراد، ويزداد الإحساس بالوحدة والخواء لأن المجتمع يتغير ومفهوم العائلة ينكمش والإنجاب يتقلص ولكي تعيش حياة كريمة في ضوء حالة الرفاهية المحمومة وأحدث التكنولوجيات التي تنتج بشكل يومي تقريبا في مثل هذه المجتمعات تحتاج إلى العمل لساعات طويلة جدا، وعندما تعمل لساعات طويلة جدا فكأنك تتحول لآلة إنتاج. وماذا عن جانبك النفسي؟ يصبح مدمرا. فتجد دائما الدول المتقدمة جدا لديها معدلات انتحار أعلى من باقي الدول الأقل تقدما لأن رفاهية الحياة في تلك الدول لا تسمح للناس بمواجة مشاكل. بينما المجتمعات التي تعاني ظروفا صعبة يثابر أفرادها لحل المشاكل التي تواجههم كل يوم. المقصود أن أحيانا يكون التقدم على حساب إنسانية الإنسان، والمبدع يبحث عن أن يستقي هذا الجزء ويضيء عليه ويخبر الناس أن ينتبهوا لأن إنسانيتهم في خطر.

الأمر الثاني: أن الشعب الكوري يستطيع الإستمتاع بتفاصيل الحياة المختلفة وضحكاتهم تكون من القلب، فعندما تذهب هناك تجد معظم الناس يتحركون في جماعات من أيام الإحتلال حتى وقتنا هذا ويجتمعون وقت الأكل سواء موظفين أو طلبة ويغلب على جلساتهم أصوات الضحك في حياتهم العادية. لذلك تجد الدراما دائما تلعب على "تيمة" الحزن والشجن لأن الناس تريد اختبار أشياء مختلفة. وكما أشرت في سؤالك فإن الأدب الأمريكي يعمد إلى الإثارة لأنه لامس نجاح هذه التيمة، كذلك الأدب والدرما الكورية وجدا تيمة الشجن والصراع بين الأحباء ومرض أحد الحبيبين ورفض الأسرة للحبيب ناجحة والناس تبدأ في التأثر والبكاء والتفاعل مع الأحداث.

- أيهما أصعب بالنسبة إليك.. الترجمة أو الدراسة؟
الترجمة أصعب. الترجمة تتطلب وقتا طويلا. وأنت تكتب من وجهة نظرك في الدراسة، تتحدث عن فكرة أو تناقش شيئا من وجهة نظرك وتستخدم منهجا من المناهج وتكتب بحثا أو دراسة عنه وتستطيع مناقشة الناس حيال هذه الأفكار وأن ترد عليهم بوجهة نظرك سواء أقنعتهم أو لم تقنعهم. بينما في الترجمة لا مجال لوجهة نظرك الشخصية، أنت محكوم بنقل نص مع سياقه الثقافي كما اتفقنا. كما أن الترجمة هي عملية مستمرة لا تنتهي، فأنا لو وضع أمامي الآن نص ترجمته مسبقا قد أكتب شيئا مختلفا؛ أعيد النظر في تركيب معين، في جملة معينة، في ترتيب النص مع بعضه سواء قصيدة أو غيرها. ففي الترجمة لا تصل أبدا إلى أن هذا هو النص الأخير الذي أنت راض عنه وسترضى عنه، لأنها عملية شاقة ويجب الإنتهاء منها في وقت معين حتى لو لم تكن نسبة الرضا عنه 100% لأنه دائما لو قرأتها مرة أخرى ستقول كان يمكن أن أفعل وأفعل.

- هل تعتبر الترجمة هواية بجانب عملك الأكاديمي؟
الترجمة إذا كانت هواية فإنها تكون شيئا صعبا وغير محمود والمفترض أن تكون عملا، لأنها كهواية قاتلة للوقت وتحتاج أن يكون لديك دخل مادي يدعم فكرة استمرارك في الترجمة. حتى الآن أعتبرها هواية وأتمنى في لحظة معينة أن تكون الترجمة هي شغلي الشاغل وليس لدي شيء آخر لأنشغل به. حيث سيكون برنامجي هو ترجمة ديوان أو رواية في العام مع عدم الإنشغال بكتابة مقالات أو أي شيء آخر. وأتمنى أن تسمح ظروفي الأكاديمية والمادية أيضا أن أفعل هذا في لحظة من اللحظات، عندها لن أعتبرها مجرد هواية.

- بالعودة مرة أخرى للنباتية، هل ترى أن البطلة فعلت ما فعلت كصرخة اعتراض على المجتمع كما تصور بعض مراجعات الرواية؟
أنا شخصيا لا أرى هذا وأرى أنها انسحقت تحت الظروف فقط. هناك فرق بين أن تحلل النص الأدبي فنيا، وبين أن تحاول جعل هذا التحليل الفني تحليل ثقافي. كيف ستفعل هذا وأنت لا تعلم شيئا عن الثقافة؟ أنا قرأت أكثر من مقال يحلل الرواية –ولا أقول هذا لأني المترجم- لكن لم يعجبني ولا مقال منهم. لأن أيا منهم لم يقدم خصوصية هذه الثقافة، شعرت كأني أمام رواية إنجليزية أو فرنسية! وهناك تفسيرات أو تبريرات قدمت عن أن الرواية هي صرخة عنف قوية ضد المجتمع –لأن صاحبها غير ملم بالثقافة الكورية- لكن البطلة لم تفعل هذا إلا بصوت إنسحابي أو بإنسحاق مثلما قلت. أيضا المشاهد المقدمة في مستشفى الأمراض العقلية والنماذج الأخرى التي عرضت في عجالة لم يتوقف عندها أحد. هناك تيمات وتفاصيل صغيرة في ثنايا الرواية لم ينتبه لها أحد ولم يتحدث عنها. كلهم تحدثوا عن "يونج هيه" فقط. التفاصيل الأخرى أنا أقوم بعمل دراسة عليها حاليا وأقارنها مع رواية أخرى عربية وأتمنى أن أصدر هذه الدراسة في الوقت المناسب لأني أحاول أن أستفيد من معلوماتي عن الثقافة والمعلومات الموجودة في النص نفسه لأقدم التفاصيل التي لم ينتبه لها معظم من كتبوا عن الرواية. وللأمانة أعتقد أنه كان صعبا أن ينتبهوا لها.

- هل تحول البطلة كان منطقيا؟ ولماذا لم تنهار أختها –وهي شخصيتي المفضلة في الرواية- مع تعرضها لنفس الظروف تقريبا؟
أختها عاشت الأمومة مبكرا. في طفولتهما كانت أختها تعتني بها وتطمئنها وتصفف شعرها، كانت تقريبا هي أمها الحقيقية فلهذا كانت تكوينة الأمومة فيها مبكرة. وتكوينة الأمومة هذه تجعل المرأة لا تفكر في الإنتحار أصلا لأن عليها مسئولية تجاه ابنها أو ذلك الشخص الذي تربيه وترعاه. فهي كانت مسئولة عن ابنها وعن اختها الصغرى طوال الوقت لأن في هذا السرد كانت هي الأم الفعلية أو الحقيقية، والأم لم تظهر إلا في مشهد واحد مثلا ولم يكن لها دور حيوي بينما تصدرت الأخت المشهد.

أما التحول فكان سببه مجموعة من العوامل التي سارعت في تحققه، منها دعوتهم للطعام مع زملاء ومدير زوجها في العمل عندما كانت لا ترتدي حمالات للصدر لأنها تضغط على صدرها فتؤلمها وجسمها بدأ يكون أضعف لإمتناعها عن الأكل وبدأ يصبح عندها حساسية وبدا جسمها وكأنه يتخلص من مظهره الأنثوي ويرتد للطفولة. لأن الصدر للمرأة هو رمز الأمومة لأنه أول جزء يتلقاه الطفل وهو مصدرالحياة له، فعندما تخبرنا الكاتبة أنه بدأ يضمر فهي إشارة إلى أن أمومتها تضمر. فهذا الإنكماش أو حالة التغير الجسمي مع الأحلام التي ظلت تراودها كل ليلة مع هوس الرسومات الذي استغله زوج اختها في أن يقنعها أنها بها تقترب من أن تكون شجرة وأنهما بفعلتهما ما هما إلا شجرة تتحتضن وتجتمع وتقترب جدا من شجرة أخرى، كل هذا سارع جدا في أن تذهب للمستشفى وتهرب وتقف في الغابة تحت الأمطار وهي تناجي نفسها لأنها دخلت في مرحلة أنها لا تريد إلا أن تتحول إلى شجرة ولا تحتاج إلا إلى الماء. وعندما تحاول اختها إثنائها عن قرارها فتخبرها بأنها ليست شجرة لأن الشجر لا يتكلم فتقول "يونج هيه" لاختها صحيح الشجر لا يتكلم ثم تعزف عن الكلام مطلقا. وهذا حاولت هان كانج أن تصوره في النصوص بعد هذا، وهو أن العنف ليس جسديا فقط، هناك عنف لفظي أيضا. هي أخذت البذرة من هذه الرواية وطورتها في نصوص بعد ذلك، لأنها تريد أن تخبر الناس إلى أين قد يوصلنا العنف اللفظي وأنه من الممكن جدا أن تغير كلمة حياة إنسان تماما.



kyd1991@korea.kr

هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلينا الفخريين هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا مع كوريا.نت.