محمود عبد الغفار مترجم رواية النباتية. (الصورة من محمد الزيني)
بقلم مراسل كوريا.نت الفخري محمد الزينيمن مصر
منذ عام مضى أنهيت قراءة رواية "النباتية" للكاتبة الكورية "هان كانج". فكرت حينها أنه يجب علي مقابلة د.محمود عبد الغفار مترجم هذه الرواية لأشكره على ترجمته البديعة وأناقشه في بعض جوانب هذه الرواية. بدأت بالبحث عن وسيلة للتواصل معه لكني لم أوفق للعثور عليه أبدا، حتى أني راسلت دار النشر لتوصلني به لكنهم لم يساعدوني كثيرا. ظللت ألحظ اسمه على العديد من الكتب التي تناقش مواضيع الثقافة الكورية وشرعت في قراءة بعض منها لكن دونما أمل في اللقاء. ثم في هذا العام وبمحض الصدفة عثرت على وسيلة للتواصل معه وراسلته فأبدى ترحابا وقبولا، وقابلته فوجدت بشاشة ورصانة، وناقشته فوجدت علما وإطلاعا مع ذائقة أدبية مرهفة فكنت محظوظا بمجالسته. أظن أن ترتيب هذا اللقاء ينطبق عليه تلك الجملة التي يرددها دائما د.محمود "الحظ يأتي لمن يبحث عنه".
في منتصف الشهر السابع الميلادي من هذا العام وبداخل حرم جامعة القاهرة في كلية الآداب العريقة شرفت بلقاء د.محمود عبد الغفار أستاذ الأدب الحديث والمقارن المساعد بآداب القاهرة وصاحب العديد من الترجمات والدراسات الحائزة على العديد من الجوائز في الأدب الكوري.
بالتأكيد دار حديثنا عن الأدب والترجمة ولم يخل من حديث عن الدراما والأفلام الكورية وكل ما يخص هذه الثقافة الفريدة، واليوم أشارك معكم الجزء الأول من هذا اللقا.
- كيف بدأ اهتمامك بالثقافة الكورية؟
في البدء لم يكن لدي اهتمام خاص بالأدب الكوري، لكن لم يكن لدي رغبة أن أتخصص في الأدب الأوروبي أو الأدب الأمريكي، لأن الزملاء هنا يجيدون لغات مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية وأنا كنت أبحث عن شيء آخر لم أعلم وقتها ما هو تحديدا، لكني لم أرغب في تحضير الدكتوراة في ألمانيا أو فرنسا. كان ذلك حتى قمت بتدريس اللغة العربية للأجانب لعدد من السنوات في مركز جامعة القاهرة للغة والثقافة العربية. وقمت بالتدريس لعدد من الطلاب الكوريين على مدار أربع أو خمس سنوات، ففوجئت بأنهم قد تحدثوا مع رئيس قسم في جامعة جوصن في الجنوب في كوانجو بأنه يا حبذا لو أتى هذا الأستاذ إلى كوريا ليدرس العربية لتلاميذ الجامعة. فقام بالإتصال بي وأخبرني أنه قادم إلى القاهرة ويود مقابلتي، فقابلته. أخبرني أنه يريدني أن أقوم بتدريس العربية في كوريا بعد عام ونصف! وأنه سيراسلني بعد عام وشهرين، فلأستعد! أعتبرت أن هذه المقابلة هي نوع من الشكر على مجهودي مع الطلبة لكني استغربت من كون المعاد بعد أكثر من سنة، لدرجة أني لم أخبر عائلتي أو أصدقائي ولم أعتبر هذا وعدا. لكن بعد سنة وشهرين فعلا وجدت رسالة على البريد الإلكتروني من هذا الأستاذ يخبرني فيها بالأوراق المطلوبة للسفر! فبدأت بتحضير الأوراق وفي خلال اسبوع وجدت نفسي أستعد للسفر فعلا.
كانت معظم هذه الكتب عن صورة المدينة وعلاقتها بالأدب عموما وكان معظمها باللغة الإنجليزية مع دواوين شعر لشعراء مصريين وعرب. بعد فترة من الإستقرار بدأت بالنزول للعاصمة، ووجدت مكتبة عظيمة جدا في محطة الباص الموجودة في كانج نام. دخلت لقسم الأدب المترجم ووجدت دواوين للشاعر كو أون ولشعراء آخرين فاشتريت عشرة دواوين وبدأت القراءة في الباص ثم في المنزل لأجد أن الكلام جميل جدا! وأنا بحكم دراستي وتخصصي في الأدب العربي وجدت أن هذا الأدب فيه تراكيب جديدة لم أرها من قبل، ونحن لا نعرف عنه شيئا. مثلا الشاعرة "كيم سينج هي" تقول: "بيد عمياء لامست الحياة فوجدت الكثير من الأشواك" ففكرة اليد العمياء هذه لم أقرأها في الأدب العربي. عندها بدأت "نداهة" الأدب الكوري بالنداء علي وبدأت أفكر كيف ستكون هذه النصوص بلغتها الأصلية؟ بالتأكيد ستكون أمتع. بدأت تعلم اللغة الكورية في المركز الدولي للثقافة الكورية في كوانجو ولم يكن الأمر سهلا خصوصا مع قيامي بالتدريس في جامعة جوصن. هكذا بدأت القصة بدون أي ترتيب مني، وأنا دائما أحب أن أقول أن "الحظ يأتي لمن يبحث عنه". وجرى الأمر بتوفيق من الله.
- كم عملا ترجمت من الكورية؟
بالإشتراك مع أساتذة كوريين، ترجمت ثلاثة دواوين شعر:
1.ديوان للشاعر كو أون بعنوان "أماكن خالدة" مع الأستاذ موسى كيم.
2.ديوان للشاعر كيم جوانج كيو بعوان "رحلة إلى سيول" مع الأستاذة جو هي صن.
3.ديوان للشاعر كو أون بعنوان "قصائد الهيمالايا" مع الأستاذ موسى كيم أيضا.
ومنفردا قمت بترجمة:
1."الحياة داخل بيضة" للشاعرة كيم سينج هي.
2."النباتية" لهان كانج.
وحاليا أقوم بترجمة عمل لكيم سينج هي سوف أنتهي منه خلال سنة أو أقل إن شاء الله بعنوان: "الأمل وحيدا".
- وما هو المعيار الذي تختار به الكتب التي تترجمها؟
هذا سؤال مهم. الإعجاب بالكتابة أو الإعجاب بالمعنى. يعني أنا أقوم بشراء عدد كبير من الأعمال كل مرة أقوم فيها بزيارة كوريا أو قبل أن أخرج من هناك وكل فترة أقوم بالقراءة. وهي قصيدة التي تجذبني، فالقصيدة الأولى أو الثانية التي أقرأها وأشعر أن بها معنا مختلفا وأجلس لأتأمله قليلا يجعلني أفكر في أن أبدأ العمل عليه. لكن لو قرأت ديوانا وشعرت بأنه جيد لكنه لم يحمل معنا جديدا فأكتفي بامتلاكه في مكتبتي لكني لا اتحمل عناء ترجمته.يعني أنا أعتمد على القراءة الشخصية والإحساس باللغة والمعنى؛ المعنى المختلف. فعلى سبيل المثال تتحدث كيم سينج هي عن فكرة عبثية الحياة، تلك الحياة القوية ذات السطوة والسلطة والتي نتحدث طوال الوقت عن كم أننا مقهورون ولا حول لنا ولا قوة فيها فتتحدث عن أن هذه القسوة والتي تشبهها بالجليد لا تستطيع قتل الكتكوت بداخل البيضة!
فالأماكن ذات المناخ القاسي كالقطب الجنوبي أو سيبيريا تهزم الإنسان وتشعره بضآلته، وتأخذ هى هذا التمثيل لعلاقة الجليد بهذه القشرة الهشة جدا التي تحمي البيضة بالرغم من هشاشتها وتقاوم وتصارع الحياة وتنتج الكتكوت الذي يعيش في هذا العالم. فكأنه الإنسان الهش الضعيف هذا يستطيع أن يتحدى ويواجه ما يريد. فهذا المعنى نفسه بالنسبة إلي والعنوان مختلفان والفكرة جديدة.
فهكذا عندما تقرأ عدة قصائد وتجد المعنى بهذه الطريقة وحتى العنوان فتقول أنه سيكون من الجميل جدا أن يطلع القارئ العربي على هذ المعنى وعلى هذا الأدب لأن الترجمة -كما أخبرتك- في قناعتي الشخصية تكمن قيمتها الأعظم في أن تقرب الثقافة للقارئ ويا حبذا لو أنها جعلته يحب هذا الأدب ويبحث عن نصوص أخرى منه.
الكاتبة الكورية "هان كانغ" التي كتبت رواية "النباتية". (الصورة من وكالة يونهاب للأنباء)
- عام 2014 حضرتك فزت بجائزة أفضل كتاب مترجم من الكورية، ممن قدمت هذه الجائزة؟ وعن أي عمل من أعمالك؟
الجائزة يقدمها معهد ترجمة الأدب الكوري الموجود في سول حيث يتم الإختيار من بين عدة لغات كل سنة عن طريق عمل اقتراع على الأعمال المشاركة كالنظام المتبع في جوائز البوكر حيث تكون هناك قائمة طويلة ثم قائمة قصيرة ثم عمل فائز. كانت عن ديوان: "رحلة إلى سيول" لكيم جوانج كيو مع الأستاذة الدكتورة جو هي صن من جامعة ميونجي. أيضا قمت بعمل دراسة على هذا الديوان بعد ذلك في كتاب صدر من دار اسمها "دار كلمة" بالإسكندرية بعنوان "المدينة والشعر" قارنت فيه قصائد هذا الديوان مع قصائد ديوان "مدينة بلا قلب" للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لأن كلا الديوانين عن المدينة، سول والقاهرة، فحللت فيها الفرق بين رؤية الشاعر الكوري للمدينة وعناصرها البشرية والموقف الإقتصادي والإنتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي وبين رؤية الشاعر المصري. وهو ديوان جميل جدا جدا كأنك قرأت ثلاثين أو أربعين كتابا عن كيف انتقلت كوريا من المجتمع الزراعي إلى الصناعي وما أثاره ذلك من مشاكل إجتماعية. فمثلا يتحدث في إحدى قصائده عن "كيم ذو العكاز" الذي كان يعمل في بناء أعلى مبنى في سول وقتها (كان حوالي ثلاثة وعشرون طابقا تقريبا) وكان يحمل على أكتافه الطوب ويصعد به وتعرض لإصابة عمل وكادت أن تبتر رجله أو بترت ودخل المستشفى لمدة ستة أشهر أو سنة ثم بعدما تعافى ذهب كي يشاهد المبنى الذي كان يساهم في بناءه، فوجده فخما جدا ووجد مشاهد لم يشاهدها من قبل؛ حراس وفتيات محلات التجميل وصالونات الحلاقة ذوات الملابس الجميلة والمثيرة، وكانت نفسه تتوق لمشاهدة المبنى والمكان الذي أصيبت رجله فيه وهو صاحب ملابس رثة وبالية ويبدو عليه الفقر طبعا فرفض الأمن دخوله من الباب الرئيسي ودخل من الباب الخلفي (باب الخدم).
فتضعك هذه القصيدة أمام تساؤل: من يدفع الثمن؟ فمن بنى وحمل على أكتافه ومن جنى؟ وما مصيره؟ فعندما انتقلنا لمجتمع صناعي أصبح يجب على الناس التي تببع قوتها العضلية أن تبحث عن حلول أخرى حتى تتبوأ مكانا في المجتمع لأنه سيصبح هناك آلات تفعل ما يفعلون.
أيضا في الديوان قصيدة "تضرع مالك الأسهم" التي توضح حالة الرغبة في الغنى بدون مجهود التي تجتاح الناس في ظل طوفان الرأسمالية ويطوف الديوان على المشاهد المختلفة التي توضح الحياة في المدينة. منها نص قصير جدا اسماه "عائلة السيد جانج" والذي يحكي فيه عن عائلة مكونة من رجل وزوجته يعملان في خدمة "السيد" في بيته منذ فجر التاريخ، حيث كان يقوم الزوج بجر العربة التي تحمل النباتات من الجبل وتقوم الزوجة بالغسيل في بهو الدار وتوالت الأجيال على هذا الحال حتى أصبح حفيده سائقا لسيارة السيد المرسيدس وهي ما زالت تغسل في الجراچ "وما زالا يأكلان منفصلين" كما عبر كيم جوانج كيو.
- كيف ترى انتشار الأدب الكوري بين القراء العرب؟
ليس انتشارا متناسبا مع قيمته. هناك أنواع فنون أخرى تحجبه كالدرما والكي بوب. لكن كي لا نكون ظالمين فالأمر أيضا مرتبط بموضوع نسب القراءة في الوطن العربي، فنسب القراءة عندنا ضئيلة بالنسبة للمقاييس العالمية. وهي نسب عامة ليست مرتبطة بالأدب المترجم فقط. هذا أولا. ثانيا: لا يوجد عندنا دور نشر تقوم بعمل أنشطة لنشر الثقافة لأنهم يركزون أكثر على جني الأرباح، فلا يوجد دور نشر تقوم بعمل ندوات أو حلقات قراءة إبداعية لتنشر فيها الآداب المختلفة. هو أدب عظيم يستحق أن يقرأ بمستوى أعمق لكنه يواجه أزمات القراءة نفسها في العالم العربي.
- ألا تساعد موجة الهاليو والدراما الكورية في نشر الأدب بشكل أو بآخر؟
ليس دائما. بل أنها قد تأخذ من مساحته أيضا. قراءة الأدب تحتاج إلى مجهود وحركة؛ تشتري الكتاب وتجلس لتتصفحه والقراءة تحتاج صبرا، بينما الدراما والأغاني تأتيك في مكانك ومجانا. هي أحيانا تجعلك تريد أن تعرف معلومات أكثر عن الثقافة لكن ليس بالضرورة أن تجذبك للأدب، بل قد تحقق لك إشباع الفضول حول هذه الثقافة فلا تبقى لديك مساحة أخرى للأدب. ولكنها قد تجذب البعض الآخر لقراءة الأدب.
كان هذا هو الجزء الأول من لقائي مع الدكتور محمود وسينشر باقي اللقاء في المقالات القادمة.
المراسل الفخري لكوريا.نت محمد الزيني(اليسار) ودكتراه محمود عبد الغفار. (الصورة من محمد الزيني)
kyd1991@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلينا الفخريين هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا مع كوريا.نت.