الصورة من آيكلوكآت.
بقلم مراسل كوريا.نت الفخري عبد العظيم محمود حنفي(الأستاذ في أكاديمي مصري) من مصر
الأميركيون يعتبرون النظام التعليمي الكوري الجنوبي نموذجاً ينبغي الاقتداء به، حيث أشار الرئيس الامريكى السابق بارك أوباما "، في مناسبات كثيرة إلى كوريا الجنوبية باعتبارها نموذجاً ناجحاً - اجتهاد طلبتها، التزام آبائها، نجاحها في إعداد أجيال متعاقبة للتنافس. وهو يرى "إن المدارس الكورية هي الأكثر تقدما في التعليم الرقمي." والواقع أن الجميع تقريباً يتفق على أن تقدم كوريا هذا البلد الشرق آسيوي، في فترة نصف قرن فقط، من حالة الفقر المدقع إلى رخاء العالم المتقدم يدين بالكثير إلى مدارسه واهتمامه بالتعليم. ان الرؤية الكورية انطلقت منذ البداية الى أنه بالنسبة لدولة فقيرة وضعيفة الموارد مثل كوريا، تعتبر الموارد البشرية هي الأهم، بل وربما السبيل الوحيد لتحقيق أي نوع من التطور والتنمية. وقد كان الكثير من الكوريين يؤمنون في داخلهم بأن الجهل هو العدو الحقيقي الأول، وهو أكثر ما سبّب لهم من مآسٍ وتخلف جلب عليهم أطماع الاستعمار الياباني، وأدخلهم في أتون حرب أهلية بشعة، وبالتالي، كانوا يعلمون جيدا أنه لا سبيل للخلاص والانطلاق إلا من خلال نهضة تعليمية كبرى. ومنذ تشكيل الحكومة الكورية في عام 1948، ظل إصلاح التعليم على رأس أولويات واهتمامات تلك الحكومة التي كانت تشعر بما يسود المجتمع الكوري بأسره حول أهمية التعليم وضرورة إعطائه الأولوية والأفضلية عن كل ما سواه. ومن أجل تحقيق التطور والتنمية الوطنية، أصدرت الحكومة الكورية أول تشريع لها وهو "قانون التعليم للعام 1949".
وحسب الإحصائيات التي تم جمعها في عام 1945 بعد نهاية الحرب وتحرير كوريا، كان معدل الأمية يبلغ 77.8% بين سكان كوريا الجنوبية، وهذا يعني أن ثمانية من بين كل عشرة أشخاص كوريين بالغين لم يكونوا يستطيعون القراءة أو الكتابة. فقد كان الكوريون خلال فترة الاستعمار الياباني ممنوعين من تعلم قراءة وكتابة حروف الهجاء الكورية المعروفة باسم "هان كول" ، ولهذا صاروا أكثر حرصا على توفير كل وسيلة ممكنة لتمكين أطفالهم من تعلمها بشكل ممتاز. ولهذا كان الجزء الأكثر أهمية في قانون التعليم يركز على إلزامية التعليم الأوليّ الابتدائي للأطفال. ويصف القانون الذي كان يتكون من 11 فصلا و173 مادة، التعليم في كوريا و أهم أهداف التعليم هو تمكين كل شخص في البلاد من تطوير قدراته الشخصية ومن تأهيله وإعداده للحياة كمواطن شريف ومستقل وقادر على تقديم إسهاماته للوطن من أجل تحقق التقدم والتطور والتنمية.
فكل كوري يجب أن يتمتع بحق التعليم الأوليّ لمدة ستة أعوام متتالية والثانوي لمدة ثلاثة أعوام لاحقة. التعليم الأولي سيكون إجباريا ، بينما سيتم تحقيق إلزامية التعليم الثانوي في مرحلة لاحقة. كل كوري سيكون ملزما بحكم القانون بإلحاق أطفاله أو أي أطفال تحت رعايته بالتعليم الأولي على الأقل. ويجب على الحكومات المركزية والإقليمية توفير المدارس المناسبة في مختلف مناطق البلاد ونشر وتوعية جميع المواطنين بأهمية التقيد بما جاء في هذا القانون. وتم إنفاذ قانون التعليم الإلزامي في الأول من يونيو من عام 1950.
وتم بعد ذلك إعادة تنظيم وهيكلة النظام المدرسي في كوريا. وبعد انتهاء الحرب الكورية، صار التوجه نحو التعليم أكبر وأقوى. فحسب تقرير إحصائي صدر في عام 1960، تضاعف عدد الطلاب في مختلف المراحل المدرسية من الأولية وحتى الجامعة خلال أقل من عقد من الزمان. ولتعزيز تنمية التقدم العلمي والتكنولوجي، أنشئت الحكومة معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا في عام 1966، ووزارة العلوم والتكنولوجيا في عام1967 . اعتماداً على الاعتقاد الذي يقول إن مستقبل البلاد يعتمد على تطوير المصادر البشرية وتطوير العلوم والتكنولوجيا، دشنت الحكومة وزارة التعليم والعلوم والتكنولوجيا يوم 29 فبراير 2008.
و تركز السياسات العلمية والتكنولوجيا الكورية على تقديم واستيعاب وتطبيق التكنولوجيا الأجنبية. وتحول اهتمام الدولة في الثمانينات إلى مشروعات الأبحاث والتنمية القومية وذلك بهدف الارتقاء بمستوى الدولة في النواحي العلمية والتكنولوجية. وشمل ذلك برامج لزيادة استثمارات القطاع الخاص في مجال أبحاث التنمية وكذلك أبحاث تنمية مهارات القوى العاملة. وركزت الحكومة منذ أوائل التسعينات على ثلاث مناطق وهي: تقوية وتطوير البحوث في مجال العلوم الأساسية، ضمان التوزيع والتطبيق الفعّال لأبحاث التنمية، وأخيرا توسيع نطاق التعاون الدولي في هذا المجال. وأدت هذه الجهود إلى زيادة قدرة كوريا التنافسية في مجال التكنولوجيا. ان التعليم الممتاز كان عاملا مهما جدا ساعد في إيجاد موارد بشرية ناجحة جدا في كوريا. وعملية التنمية الاقتصادية نفسها هي عملية تعليمية في المقام الأول. أي شعب لا يهتم ولا يقدس التعليم لا يمكنه النجاح اقتصاديا.
kyd1991@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلينا الفخريين هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا مع كوريا.نت.