المترجم محمد نجيب (الصورة من المترجم محمد نجيب)
بقلم مراسلة كوريا.نت الفخرية المصرية مي عبدالله العزوني
الأدب الكوري انطلاقته بدأت مع غزو الروايات المترجمة عن اللغة الكورية المكتبات المصرية بواسطة مترجمين يسعون لنقل الحكايات وروي القصص عن مغامراتهم الشيقة في الترجمة. وإذا أردنا له النمو لابد أن نروي جذوره باهتمامنا وأقتنائنا كنوز صغيرة تحكي عن ماضي شعب ذاق مرارة الصبر تجسد في نمر اصفر مرقع بالأسود يقفز نحو هدفه دون الالتفات إلى صغائر الأمور من حوله لن يهدأ طالما غريزة جوع الوصول إلى القمة متجددة.
لذا مع حضوري مناقشة الأدب الكوري والترجمة التي عقدت في مكتبة البلد، بتاريخ ٣١/٣/٢٠٢٢ والتي ناقشتها الأديبة نورا ناجي مع كلا من المترجم محمد نجيب والمترجمة منار الديناري، دارت فيها الكثير من الحكايات حول الأدب والأدباء والترجمات الجديدة، والكثير من التفاصيل التي لن تسعها الكلمات، لكن من هم الرواة؟ وما هي الكواليس وراء المشهد الكبير الذي نراه دائما في الصور؟ فإن كنت تمتلك صفة الفضول فهذا جانب جديد أدعوك لتتبع أثره سويًا.
هيا لنبدأ مع دكتور محمد نجيب حصل على بكالوريوس في الطب والجراحة كلية القصر العيني عام ٢٠١٥، تعلم اللغة الكورية في معهد سيجونغ بكوريا واكمل طريقه بمفرده وترجم عن اللغة الكورية حتى وقتنا هذا ٨ كتب، وهم كالتالي:
الكتاب الأبيض، أفعال بشرية، أرجوك اعتني بأمي، سأكون هناك، فتاة كتبت العزلة، جريمة الابن الصالح، راقصة البلاط، المتآمرون.
من خلال حضوري المناقشة التي قامت بإدارتها باحترافية عالية الأدبية نورا ناجي دفعتني للسؤال عن السبب وراء أن الترجمات جميعها للدكتور محمد نجيب ماعدا واحدة لكاتبات نساء، وما إذا كان هناك اختلاف بينهم وبين الكُتاب من الذكور في كوريا، وجاءت :الإجابة مفصلة كالتالي
أعتقد في معظم الأوقات جودة العمل وأصالة طريقة طرح الفكرة أو الأفكار التي تشكل أساس العمل الأدبي هي الفيصل الأخير في اختيار أي عمل من أجل الترجمة. وبلا شك أن المشهد الأدبي المعاصر في كوريا الجنوبية وخاصة الأدب الجاد الذي يستحق الترجمة، تسيطر عليه كاتبات مع عدد قليل من الكُتاب الذكور. لا يمكن الحكم إذا كان هذا القرار غير الواعي في الأساس سيستمر طويلًا في المستقبل ليصبح ملمحًا في مشواري كمترجم مع هذا يمكن القول أنني أفضل ترجمة أعمال لكاتبات في العموم لأنه تحدي أكبر وتجربة أكثر ثراء بالنسبة لعملي كمترجم. الأقلام النسائية التي ترجمتها لديها أسلوب أكثر رهافة وأكثر عمقًا. أفضل دائمًا ترجمة أكثر من عمل لنفس الكاتب أو الكاتبة حتى تُتاح الفرصة لي وللقارئ على التعرف على عالم الكاتبة ومشروعها الأدبي بصورة أشمل. وهذا ينطبق بالتحديد على هان كانغ وكيونغ سوك شين اللتين ترجمت لكل منهما أكثر من عمل. تجربة الترجمة الوحيدة لي مع كاتب كانت في رواية المتآمرون وأسلوب الكاتب كيم أون-سو كان جريئًا ويخلف عليه الكوميديا السوداء وهو مختلف عن أسلوب الكاتبات اللاتي ترجمت لهن.
تفضيلي الترجمة لكاتبات لا يمنع اهتمامي بالكثير من الكتّاب الذكور الكوريين المميزين الذين قد أترجم لهم أعمال أحبها في المستقبل
مع هذا من قرأ أو سوف يقرأ الأدب الكوري قد يصل إليه أن نوعية الأبطال في الأدب الكوري يسيطر عليها شعور الوحدة، وتبعته فكرة أن الكُتاب ربما ينعكس شعورهم على شخصياتهم. وتأتي إجابة الدكتور محمد نجيب مفصلة عن هذا التساؤل.
بأن الوحدة والإحساس بالاغتراب والفقد والشعور بعدم الانتماء والاضطهاد ثيمات إنسانية مشتركة في الأدب عمومًا. والأدب الصادق مرآة للمجتمع. وفي نفس الوقت شهدت أحداث كثيرة ومتلاحقة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين التي يحاول الكتّاب فهمها وتناولها من خلال الأدب بمعايير الكتابة المعاصرة. وبالإضافة لذلك، هناك جيل من الكتاب الشباب الناقم على هذا العصر بوتيرته السريعة والرأسمالية المتوحشة وماديته، ينتابه إحساس بالضياع وعدم الانتماء لشيء حقيقي ملموس يكتب أعمال أقرب إلى العدمية كامو مثل الكاتب كيم يونغ-ها . ومن المؤكد أن فترة جائحة كورونا عمقت إحساس الوحدة وضاعفت منه ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة أعمال أدبية قد تتناول هذه الثيمة في ظل جائحة كورونا. ورواية هان كانغ الأحدث "لا تقل وداعًا أبدًا" تتناول في أجزاء منها فكرة الوحدة والموت والاغتراب في ذروة موجة الكورونا في كوريا ٢٠٢٠. في النهاية الوحدة فكرة عامة وقضية كبرى تنبثق عن أفكار فرعية عديدة سواء شخصية مثل وحدة بطلة الكتاب الأبيض بسبب فقدها لأختها الكبرى أو عن أحداث سياسية وتاريخية مثل أبطال أفعال بشرية، شعورهم بالوحدة والندم نتيجة ما حدث في مظاهرات غوانغجو ١٩٨٠.
تركت شعور الوحدة الذي أدركت أهميته وانتقلت إلى الأمام قليلا نحو رواية جريمة الابن الصالح فهي الأولى من نوعها كرواية جريمة نفسية مترجمة، هل توقعت سؤالي التالي؟ السبب وراء ترجمتها، والصعوبات في عملية الترجمة.
قال:
اختيار العمل كان لجودته وتمكُّن الكاتبة جونج يو جونج من كتابة أدب الجريمة. فهي قادرة على كتابة حبكة بوليسية تُبقي القارئ على أعصابه ولديه رغبة في معرفة ما سيحدث حتى نهاية الرواية، وفي الوقت نفسه تخلق شخصيات قوية وواقعية وتتناول قضايا إنسانية ونفسية مهمة. جريمة الابن الصالح رواية تشويق من طراز رفيع تدور حول ملابسات جريمة قتل لكنها في الوقت نفسه رؤية نفسية عبارة عن علاقة معقدة ومتشابكة بين ابن وأمه.
أؤمن أن من المهم ترجمة أعمال أدبية تنتمي لأنواع مختلفة من أجل تعريف القارئ بالأدب الكوري بشكل أكبر وكذلك لتوسيع رقعة قراء الأدب الكوري فهناك قراء يعشقون فقط قراءة أدب الجريمة دون غيره من الأنواع الأدبية. وأنا أعمل الآن على عمل ينتمي للخيال العلمي.
الكتب المترجمة عن الأدب الكوري الجنوبي (الصورة من المترجم محمد نجيب)
كل رواية ترجمتها كانت تتضمن جانب معين من الصعوبة سواء في عملية البحث عن الأبعاد التاريخية والنفسية للرواية أو في طريقة السرد المبتكرة للنص. أحدث الأعمال التي تطلبت جهدًا في الترجمة هي رواية المتآمرون الصادرة حديثًا عن دار المحروسة المصرية لأن النص نص مليء بالتهكم والكوميديا السوداء وهو ما حاولت أن أنقله للعربية دون أن يشعر القارئ بأنه نص مترجم عن لغة أخرى. ترجمة الكوميديا صعب ويحتاج مجهودًا لأن كل لغة وكل شعب لديه أسلوب مختلف في الدعابة والسخرية.
بالطبع المرور بالكثير من التجارب يجعل الأنسان قادر على تكوين رؤيته الخاصة وتقديم الدعم لمن حوله، فكان السؤال المطروح عن مدى ملاحظة د. محمد نجيب الاختلافات بين الأدب الكوري والأدب في مصر.
فأجاب: الاختلاف الواضح هو تعدد أساليب السرد في الأعمال الكورية، الكتاب الكوريون لديهم شجاعة وحرية أكبر تُتيح لهم التجريب والمخاطرة في طريقة بناء الرواية وتعدد الرواة واستخدام أساليب سردية مختلفة وغير مطروقة. كما أن الأنواع الأدبية التي قد تبدو بعيدة عن الأدب الجاد مُقدَّرة بصورة كبيرة من القراء والنقاد سواء كان أدب جريمة أو رعب أو خيال علمي بينما في مصر أحيانًا كثيرة لا يزال يُظهر إلى هذه الأعمال على أنها أعمال غير جديرة بالاهتمام أو أنها للتسلية فقط.
وفي النهاية كان يساورني الفضول حول كيف تم الترتيب لمناقشة الأدب الكوري والترجمة وعن مستقبل مثل تلك الأنواع من الفرص الذهبية للمهتمين بالأدب الكوري. فأجاب عن تساؤلي بكلمات واضحة:
بعد بناء أرضية جيدة وكبيرة نسبيًا من الأعمال الكورية المترجمة إلى العربية ما بين عام ٢٠١٧ مع صدور رواية النباتية، وعام ٢٠٢٢ (تُرجم نحو ٢٠ كتاب من الكورية للعربية ما بين شعر وأعمال غير خيالية وروايات كلاسيكية ومعاصرة)، ثمة شعور مشترك بين المترجمين والقراء المهتمين بالأدب الكوري بضرورة العمل بجانب الترجمة ذاتها على القيام بفعاليات تروج وتساعد على التعريف بالأدب الكوري الذي لا يزال يحتاج مجهودًا كبيرًا لكسب ثقة القارئ العربي وخلق سوق أكبر له يساعد على انتشاره. ومن هنا أتت فكرة ندوة لمناقشة الأدب الكوري المترجم. وفكرة إنشاء صفحة للترويج عن الأدب الكوري بالعربية وكذلك إجراء حوار عبر زووم بين الكاتبة المصرية نورا ناجي وكاتبة جريمة الابن الصالح جونج يو جونج وهو ربما أول حوار من نوعه. وهناك رغبة للبناء على هذا من خلال عقد المزيد من الندوات بين المترجمين عن الكورية والقراء في المستقبل، وإجراء الحوارات عبر زووم وغيره من التطبيقات المشابه مع الكتاب والكاتبات الكوريات، وصناعة محتوى إلكتروني من مقالات وفيديوهات تساعد على نشر الأدب الكوري وتعريف القارئ العربي بكل ما هو جديد فيما يتعلق بحركة الترجمة الأدبية من الكورية إلى العربية.
لم ننتهي بعد مازال هناك إضاءات من كنوز الأدب الكوري تم العثور عليها وسوف نقترب منها في المقال القادم.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.