أثار إعجابي دوما وجود متحفا لهانجل في كوريا وهو واحد من أبرز المتاحف التي يرتادها الأجانب في كوريا. (الصورة للمراسلة الشرفية ياسمين مدحت)
بقلم مراسلة كوريا.نت الفخرية المصرية ياسمين مدحت
لا شك أن دارسي اللغة الكورية ومحبي كوريا والثقافة الكورية جميعا يعرفون الكثير عن الملك سيجونغ مؤسس الأبجدية الكورية (الهانجل) والذي يعد من أشهر الملوك في تاريخ كوريا والأكثر تأثيرا في الحضارة الكورية.
ويتضح لكل المهتمين بالثقافة الكورية مدى اعتزاز الكوريين بلغتهم فخرهم بالملك سيجونغ ففي وسط سيئول يمكننا رؤية تمثالا ضخما تم بناءه عام ٢٠٠٩ للملك سيجونغ العظيم تكريما له وعلى بعد أمتار نجد متحفا يروي تاريخ الملك وأهم إنجازاته. كما شيدت حديثا مدينة صناعية جديدة حملت اسم الملك سيجونغ وهي (مدينة سيجونغ الحديثة). كما نلاحظ أيضا أن هناك مؤسسة لها معاهد ثقافية والتي تقوم بتدريس اللغة الكورية للأجانب في مختلف بلاد العالم تحمل اسم الملك سيجونغ.
ولقد أثار إعجابي دوما وجود متحفا للهانجل في كوريا وهو واحد من أبرز المتاحف التي يرتادها الأجانب في كوريا. وقد تأسس هذا المتحف عام ٢٠١٤ في منطقة (يونجسان) في موقع متميز بالطبيعة الخلابة وبالقرب من المتحف الوطني الكوري. وهو يحتوي على صالات عرض ومكتبة وقاعات للمحاضرات والانشطة وكذلك ملعبا للأطفال فيه بعض الألعاب على شكل الحروف الكورية. وقد حظيت بفرصة لزيارة ذاك المتحف وبمجرد وصولي هناك شعرت أني دخلت إلى عالم (هانجل) المدهش. وفيما يلي سأصحبكم في رحلة مشوقة لنتعرف على حكاية هانجل وتطور اللغة الكورية منذ نشأتها حتى الآن.
أولا، في البداية دخلنا الى قاعات العرض حيث رأينا الكثير من اللوحات القديمة التي تحوي شرح مبسط عن تاريخ اللغة الكورية وأخرى تحوي على نماذج من الكتيبات التي كتبت بالكورية في عصور قديمة مما يظهر مدى تطور اللغة الكورية على مر العصور. وينقسم تاريخ اللغة الكورية بالأساس إلى فترتين وهما، الفترة الأولى هي ما قبل تأسيس الملك سيجونغ للأبجدية الكورية وكان الكوريين حينها يستخدمون بعض الرموز الصينية وطوروا بعض الطرق التقليدية للكتابة مثل "كوكيول" و"ايدو". أما الفترة الثانية وهي الأهم في تاريخ اللغة الكورية تبدأ من عصر جوسون وتحديدا عام 1443 عندما قرر الملك سيجونغ تأسيس نظاما للحروف الكورية مستقلا عن الرموز الصينية وأطلق عليها اسم "هون مين جونج أوم" والتي تعني (الصوت الصحيح الذي تعلمه الشعب) وأصبح فيما بعد يعرف باسم (هانجل) وهي كلمة كورية تعني (النص أو الحرف الكوري). ورغم الانتقادات التي طالت الملك إلا أنه أصر على قراره حتى يتمكن عامة الشعب -الذين لم يستطيعوا إجادة اللغة الصينية وانتشرت الأمية بينهم- من القراءة والكتابة وبذلك استطاع محو أمية الكثير من الكوريين كما أسس لكوريا ابجدية مستقلة شكلت هوية مستقلة للكوريين عن اللغات الأخرى، ولذا أصبح الملك الأعظم في تاريخ وحضارة كوريا الجنوبية.
وبالحديث عن هانجل فهي تتكون من عدد من الحروف الساكنة البسيطة والمركبة بالإضافة إلى الحروف المتحركة البسيطة والمركبة أيضا وتشكل هذه الحروف مجموعات مقطعية وتظهر براعة اللغة الكورية في أنك تستطيع باقل عدد من الحروف تكوين الكثير من المقاطع وبذلك فهي تجمع بين مزايا الكتابة الأبجدية والمقطعية مما جعلها تلقى استحسانا من علماء اللغة حول العالم لما فيها من عبقرية وأسس منهجية علمية سليمة.
نشأت الأبجدية الكورية في الأساس ناتجا لحب الملك سيجونغ لشعبه ومراعاته له ولكنها أصبحت بعد ذلك هدية الملك سيجونغ لكل محبي تلك اللغة ودارسيها حول العالم ولكل المهتمين بالثقافة الكورية والأدب الكوري. (الصورة للمراسلة الشرفية ياسمين مدحت)
وإلى جانب اللوحات التي يتضح فيها كل هذا تجولنا أيضا بين ممرات رقمية (ديجيتال) تتحرك فيها الحروف الكورية بشكل أوتوماتيكي فتشعر إنك بالفعل داخل عالم الهانجل. أما القسم الآخر من اللوحات المعروضة فتحوي صورعن عملية الطباعة قديما وصناعة الكتب وكذلك الأدوات التي كانت تستخدم في طباعة الكتب والمجلدات وأيضا مراحل تطورعملية الطباعة وصولا لهذا الوقت. ليس هذا فحسب بل يمكن أيضا رؤية النماذج الأولية والنسخ القديمة من أشهر الإنتاجات الأدبية الكورية وأقدمها مثل (داك جي بون) وهي مجموعة قصصية بسيطة بدأت في أواخر القرن التاسع عشر في عصرالاحتلال الياباني لتشجيع الكوريين على القراءة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حيث كانت زهيدة الثمن وتحوي قصصا سهلة المحتوى وضمت الكثير من القصص الشعبية المشهورة مثل قصة (تشون هيانج جون).
وبعد الانتهاء من هذه الجولة الممتعة دخلنا لأحد قاعات العرض الصغيرة لمشاهدة فيلما عن تاريخ اللغة الكورية وتطورها، وفيلما آخر عن القصة الشعبية الأشهر في كوريا وهي قصة (هونج جيل دونج) التي تم تأليفها في عصر جوسون في القرن التاسع عشر ونشرت ضمن مجموعة قصصية في صحيفة سيئول عام ١٩١٣.
وتحكي القصة عن شاب فقير أراد الوصول لمنصب هام في الدولة ولكنه لم يستطع ذلك بسبب مستواه الاجتماعي فقرر ترك عائلته والهجرة والتنقل من مكان لآخر في الجبال والحقول حيث تعلم السحر واكتسب بعض المهارات التي مكنته من مساعدة الفقراء وبهذا أصبح بطل شعبي مشهور. ومن المذهل ان هذه القصة لازالت تمثل مكانة كبيرة في التراث الكوري حتى أنها حتى يومنا هذا يعاد انتاجها في شكل أفلام ومسلسلات.
وبعد ذلك خضنا تجربة مثيرة في طباعة كتيبات تحمل أسمائنا باستخدام الطريقة التقليدية للطباعة حيث قمت بوضع الحبر على لوح الكتابة والضغط عليه حتى تشكلت الحروف على الورق ثم ربطت الأوراق داخل مجلد يشبه مجلد (هونج جيل دونج) وقام كل منا بكتابة اسمه على المجلد الخاص به ومازلت احتفظ بنسختي من الكتيب، وكلماأراه أتذكر تلك الرحلة المشوقة والتي تعرفت فيها على الكثيرعن اللغة والأدب الكوري.
نشأت الأبجدية الكورية في الأساس نتاجا لحب الملك سيجونغ للشعب الكوري ومراعاته له ولكنها أصبحت بعد ذلك هدية الملك سيجونغ لكل محبي تلك اللغة ودارسيها حول العالم ولكل المهتمين بالثقافة الكورية والأدب الكوري. وكم أتمنى ان أزور ذلك المتحف وأخوض تلك التجربة المميزة مرة أخري فإذا أتيحت لكم هذه الفرصة قريبا فأذهبوا على الفور وستحظون بوقت ممتع.
sarahoqelee@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.