زارت المراسلة الشرفية، ياسمين مدحت، منطقة المنزوعة السلاح في كوريا. (الصور من ياسمين مدحت)
بقلم مراسلة كوريا.نت الفخرية المصرية
إن تاريخ كوريا الجنوبية، خاصة فيما يتعلق بالحرب الكورية لا يشغل بال الكوريين فقط ولكن يهتم به كل محب لهذه البلد ولثقافتها وتاريخها وشعبها. وباعتباري من هؤلاء المولعين بالثقافة الكورية والتاريخ الكوري حتى من قبل عملي في تدريس اللغة الكورية، فبالطبع قرأت كثيرا عن الحرب الكورية بأسبابها وما تبعها من انقسام الكورييتين وتاريخ طويل ملئ بالمعاناة والأزمات.
لكنني بدأت أتعمق كثيرا في هذه المشكلة عندما قرأت مقالا عن الأسر المشتتة وتأثرت كثيرا بمشاهدة الفيديوهات التي تظهر فيها هذه المعاناة. فمن من الصعب أن يكون لقاء أحد أقاربك أو أجدادك الذين يعيشون في الشطر الآخر من البلد ذاتها أمرا مستحيلا أو تنتظره لكثير من السنوات. ورغم أن هذه اللقاءات أصبحت تتم فيما بعد بين الأسرالمشتتة من الشمال والجنوب على فترات متباعدة إلا أن أزمة ومعاناة هذه الأسر لاتزال مستمرة. وحينها بدأت أتفهم كثيرا الأثر النفسي الذي مازالت تتركه الحرب الكورية والتي يطلق عليها الكوريين الجنوبيين حرب يوم 25 يونيو نسبة لتاريخ اندالعها والتي انتهت عام 1953 بقيام هدنة بين الطريق بعد أن خلفت الملايين من الضحايا.
ولذلك شعرت بسعادة كبيرة حينما سنحت لي الفرصة أن أتعرف عن قرب على هذا التاريخ الطويل عن طريق الذهاب في رحلة إلى منطقة الحدود منزوعة السلاح بين الكوريتين المسماة بمنطقة المنزوعة السلاح، "دي إيم جي". تقع هذه المنطقة على خط 38 الفاصل بين الكوريتين بامتداد 250 كيلومتر مربع، حيث تبعد 60 كيلومترا عن العاصمة الكورية الجنوبية سيول و210 كيلومترات عن بيونجيانج العاصمة الكورية الشمالية. وقد تأسست في اتفاقية الهدنة عام 1953، وهي ترمز إلى انقسام وتلاحم الكوريتين الشماليّة والجنوبيّة.
وقد يعتقد الكثيرون ان المنطقة منزوعة السلاح منطقة مخيفة بعض الشئ ولكنها منطقة اجتماعية استراتيجية سياسية، بل وتُعتبر أيضاَ منطقة جذب سياحي. فعلى الرغم أنها تعد إحدى أكثر المناطق للتواجد العسكري على الحدود في العالم،إلا أنها ترحب بأكثر من 1.2 مليون مسافر سنوياً، وفقا لمنظمة السياحة الكورية.
قطار "دي إيم جي" يعد إثرا ثقافيا تاريخيا هاما ورمزا تاريخيا على مأساة الانقسام بين الكوريتين .
وفي هذه المقال سآخذكم جولة سويا لنتعرف على أهم المعالم السياحية التاريخية الموجودة بتلك المنطقة:
منطقة الأمن المشتركة، "إيم جين غاك" : هي موقع سياحي يقع على بعد 7 كم من خط الحدود المنزوعة السلاح وعلى بعد 50 كيلومتر من العاصمة الكورية الجنوبية (سيول) وقد تأسست هذه المنطقة علم 1972 أملا في تحقيق الوحدة بين الكوريتين يوما ما. وتعد من وبمجرد دخول هذه الموقع تشعر إنك دخلت بوابة زمنية تنقلك إلى زمن آخر لما تحتويه من آثار وبقايا ترجع إلى تاريخ الحرب الكورية التي مضت عليها 60 عاما. وهي ترمز بما فيها من معالم أثرية للأسى والحزن الذي سببته الحرب الكورية، وكذلك أمنيات الكوريين في تحقيق الوحدة. وفيما يلي نستعرض هذه المعالم الموجودة بالمنطقة وأهميتها التاريخية.
حديقة السلام : تتميز بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تريح العين والنفس في جو تاريخي مميز حيث توجد بعض التماثيل لجنود يرتدون الملابس الرسمية وأيضا تجد شرائط الأمنيات المعلقة التي تحمل أمنيات السلام والوحدة. وأيضا يوجد فيها (جسر الحرية) الذي يحمل رمزا تاريخيا فهو الجسر الذي عبره الكوريين الجنوبيين العالقين في الشمال عائدين إلى مسقط رأسهم في كوريا الجنوبية وذلك بعد الاتفاق على الهدنة
قطار "دي إيم جي" : يعد إثرا ثقافيا تاريخيا هاما ورمزا تاريخيا على مأساة الانقسام بين الكوريتين حيث إنه قد تم تفجيره وتوقف منذ الحرب الكورية بهذا الشكل. ونظرا لموقعه ودلالته التاريخية والثقافية تم تسجيله ضمن الأرث الثقافي العالمي عام 2004
محطة قطار (دوراسان) : تقع على مسافة 650 متر من المنطقة منزوعة السلام وتعد رمزا وأملا للربط بين الكوريتين إذا تم اتحادهما مرة آخرى. وتقع على بعد 56 كم من محطة سيول وعلى مسافة 205 كم من محطة بيونج يانج بكوريا الشمالية. وتم افتتاحها عام 2002. واشتهرت فيما بعد لذا أقيمت فيها عدة فعاليات هامة تشجيعا للسياح على الذهاب هناك وزيارتها. وبالفعل عندما كنا هناك شهدنا معرضا للصور التراثية لمنطقة الحدود وكانت كل صورة تحكي عن مكان وذكرى تاريخية.
- مرصد دورا : هو أقرب نقطة ممكنة من كوريا الشمالية حيث يمكنك القاء نظرة شاملة على كوريا الشمالية من خلال عدسات مكبرة وقد كانت تجربة ممتعة حقا. ومن الجدير بالذكر أن هذا المرصد تم افتتاحه عام 1986 بغرض التخفيف من ألام الأسرر المشتتة وإتاحة الفرصة لهم لإلقاء نظرة على مكان عيش أقاربهم الذين لا يستطيعوا مقابلتهم.
وبجانب المرصد يوجد صالة عرض المنطفة حيث يعرض فيلما تسجيليا قصيرا عن تاريخ الحرب الكورية وما تلاها من اتفاقيات. وكذلك يوجد بعض المحلات لبيع الهدايا التذكارية التي نجد عليها بشكل متكرر كلمتى "دي إيم جي". وبعدها ركبنا عربات كهربية صغيرة حتى نصل إلى الموقع الآخير وهو النفق الثالث.
- النفق الثالث تحت الأرض : هو النفق الثالث من أربعة انفاق بين الكوريتين ويبلغ ارتفاعه مترين وقد شيدته كوريا الشمالية عام 1970 وأكتشفته كوريا الجنوبية عام 1978 ثم أصبح فيما بعد من أبرز المعالم السياحية الموجودة في المنطقة حيث يقوم الزوار بتجربة المشي فيه لمسافة 265 متر تحت الأرض مرتديين خوذات للحماية وبالنسبة لي كانت تجربة فريدة فرغم انخفاض الضوء وشعوري بالصعوبة في التنفس بعض الشئ إلا أنني استمتعت كثيرا وشعرت أني أحضر تصوير احد الأفلام التاريخية .
محطة قطار دوراسان.
ومثلما سيظل يوم الخامس والعشرين من يونيو تاريخا محفورا في أذهان الكوريين للأبد، فإن منطقة الحدود الكورية بما فيها من معالم أثرية وتاريخية آسرة، ستظل دوما شاهدا تاريخيا على تاريخ طويل من المعاناة التي بدأت مع الحرب الكورية وتبعها عدد من المشكلات التي لاتزال مستمرة مثل معاناة الأسر المششتة. فإن السر الحقيقي في ازياد شهرة هذه المنطقة وجذبها لمزيد من الزوار هو بقاء كل الآثار والمواقع التاريخية الأيقونية كما هي مما يعكس التجارب المؤلمة في تاريخ الشعب الكوري من ناحية والتوترات المستمرة بين الجانبين من ناحية آخرى. لذا إذا حظيت بفرصة للسفر إلى كوريا قريبا فلا تنسى زيارة هذه المنطقة الخلابة وخوض هذه التجربة التي لن تنساها.
kyd1991@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلينا الفخريين هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا مع كوريا.نت.