في معظم الأوقات التي أمضيتها في تأليف كتاب "المنزل ذو الفناء الغارق"، شعرت كما لو لم يكن شيء ما يحدث.
فقد كان هناك وصف تفصيلي تقريبا لعام المؤلف الأول في دايجو عامي 1954 و1955، وهو يعيش في فقر مع عائلته في الحقبة الفوضوية التي سادت في المدن في فترة ما بعد الحرب.
ولكن المؤلف كيم وون إيل يحرر نفسه، بالصفحات المغلقة، بنوع من الخطاب الشعري، وهو خطاب شعري لشخصياته، وللدولة ككل.
وبهدوء واستيعاب، يعيد المؤلف البالغ من العمر 46 عاما في 1988 تذكر أصعب عامين من مرحلة مراهقته المبكرة، ويتحدث عن النهايات الفاشلة، ويختم حديثه بعبارة يمكن أن تلخص التجربة الكورية الجنوبية على مدى 71 عاما :
"وقفت هنا أتابع المشهد، وأفكر في نفسي في أن عامي الأول في دايجو تم دفنه تحت الأرض، كما لو كان منزل يجرى بناؤه من جديد، فامتلأ قلبي بالحزن، وفي الوقت نفسه، كنت محظوظا أن يتم دفن جوعي وحزني المتواصلين تحت الأرض أيضا، بلا رجعة، وأن المنزل الغربي الجديد المكون من طابقين سيقام فوقه، كما لو كان سيضغط على ذكرياتي الأليمة داخل الأرض للأبد". (صفحة 229).
وهذه العبارة تلخص التجربة الكورية الجنوبية المؤلفة من 71 عاما.
وهناك معيار غربي، يجب على المجتمع الكوري والمجتمعات غير الغربية كلها أن تتبعه من أجل التغيير، وهو معيار يمكن بالكاد أن يهديء آلام ومآسي الماضي، ولكنه يفعل ذلك، وإذا كان هناك شيء ما يجيده الإنسان، فهو التعافي والانتقال إلى الأمام.
كتاب "المنزل ذو الفناء الغارق" كتبه كيم وون إيل عام 1988 وتمت ترجمته إلى الإنجليزية عام 2013.
وتماما مثلما تستخدم كوريا الجنوبية الحديثة سلسلة من الرموز الوطنية للتقليل من فظائع التاريخ، مثال : التطمينات والإشادات التي نقرأها في الصحافة المحلية، فإن الراوي في حكايتنا، وهو كيل نام، يرى بناء منزل غربي الطراز فوق بيته الأول في دايجو علامة على التعافي والانتقال إلى الأمام.
"... لقد عبرنا الماء المضطرب لهذه الأوقات الصعبة معا ..." صفحة 12.
ولكنني منذ البداية، تراجعت ونظرا إلى العالم الذي ابتكره كيم وون إيل، فقد كتب "المنزل ذو الفناء الغارق" عام 1988 وهو في سن 46 عاما، وكتب هذا الكتاب خلال لقاءات لم شمل الأسر التي كانت تبثها التليفزيونات، وأيضا خلال فترة الاستعداد لدورة الألعاب الأوليمبية، وخلال احتجاجات الديمقراطية.<
وتروي القصة الأحداث في حياة دايجو عامي 1954 ة1955، وكانت المجتمعات ما زالت تتعافى في أعقاب الحرب الأهلية الكورية، أو الحرب الكورية، أو الحرب التي قررت ما الذي ستعنيه كلمة "كوريا" في المستقبل.
<
وتقع مدينة دايجو داخل إطار بوسان، ولذلك، بقيت تقنيا غير محتلة خلال فترة الحرب، إلا أن ضفتي نهر ناك دونج شهدتا بعضا من أكثر المعارك دموية، وجرت عمليات قتل سياسية وانتقامية في دايجو طوال منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
وباعتبارها مدينة غير محتلة من الناحية العملية في عام 1950، أصبحت المدينة موطنا لكثير من اللاجئين الذين فروا إلى الجنوب، وكانت أكبر مدينة في إطار محيط بوسان، فقد استقر الكوريون من كل أنحاء إقليم كيونج كي دو، وإقليم هوانج هاي دو، وإقليم بيونجان دو، وإقليم هام كيونج دو، وحتى منشوريا، في دايجو، ويبدو أن عينات تمثيلية منهم أقامت بشكل خاص في منزل كيم ذي الفناء الغارق.
".... منطقة السوق السوداء، القسم الأكثر ازدحاما من المدينة ..." صفحة 29.
والمنزل ذو الفناء الغارق الذي يستدعيه كيم وون إيل من الذاكرة عبارة عن منزل لأربع عائلات رئيسية، وكلها عائلات فقيرة، إضافة إلى العائةل صاحبة المنزل، ومديرة المنزل السيدة آن.
وتوجد سيدة كيونج كي، وابنها طبيب الأسنان، وامرأة بيونج يانج، وكبير المنزل، وصاحب محل المجوهرات، وخياطة، ومحارب قديم مصاب، ومريض بالسل، وابن امرأة كيم تشون، وعائلة صاحب المنزل، وعائلة كيونج كي، وعائلة بيونج يانج، وعائلة جون هو، ومن بين فوضى ما بعد الحرب هذه، عائلة كيل نام، الراوي، مع أبنائه الثلاثة الصغار ووالدته.
وكما يصف كيم دايجو في تلك الفترة : "....يمكنك أن تصادف لاجئين أو متسكعين أو باعة شوارع أو متسولين أو صبية يقومون بتلميع الأحذية، بنفس السهولة التي يمكنك بها ركل صخرة صغيرة وأنت تسير غلى طريق غير ممهد". الصفحة 7.
والمنزل ذو الفناء الغارق يوجد به واحد على الأقل من كل صنف من هؤلاء، ومعهم آخرون.
"... يجب أن تكبر، يجب أن تكبر أسرع وتصبح رجلا، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي أتحمل معها هذه الإساءات ..." صفحة 140.
كيم وون إيل كتب رواية "المنزل ذو الفناء الغارق" عام 1988.
ويبدو الأمر ممكنا تماما أن كل هذه المسلسلات التليفزيونية الكورية المتشابهة تقريبا، والتي تحظى بشهرة واسعة النطاق، وتذاع سنويا في شبكات كيه.بي.إس. وإس.بي.إس وإم.بي.سي.، لها جذور في تلك الرواية التي نسج خيوطها كيم في "المنزل ذو الفناء الخلفي".
ففي هذه القصة العاصفة لكوريا في منتصف خمسينيات القرن الماضي، يحصي كيم محاكمات ومشكلات أرض منزله : أصحاب الأرض الأثرياء، ومحل المجوهرات، وعائلات الطبقة المتوسطى، وكرات الخبز، والعائلات الفثيرة، وتقاسم الجزء الخارجي من المنزل، وقصص الحب، وقطع الأخشاب، والذهاب إلى الولايات المتحدة للدراسة، والمتعاطفون مع الشيوعية، وزواج إحدى البنات، ومشاهدة حفلات الكريسماس الغربية للمرة الأولى، ومسئولو الحكومة الفاسدون، والتعرف على الاختلافات بين "الحديث" و"الكوري"، وخلق ما يجب أن تكون عليه "كوريا الحديثة"، والبوليس السري، والعملاء المستفزون، والسقوط في حب ضابط في الجيش الأمريكي، والفشل في اختبارات الإعدادية، وحتى توصيل الصحف.
وعلى الرغم من أن شيئا ما لم يحدث بعد، فإنه يمكن القول إنه لا شيء بالفعل يحدث في القصة، وإلى الآن، كل شيء يحدث.
ومن نوعيات التعليق الاجتماعي، يمكنك أن تشاهد الكثير من ملامح كوريا اليوم في وصف كيم لكوريا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
فقد تغيرت البنية الأساسية والبناء الأسمنتي، ولكن الإنسان يحتاج إلى وقت أطول لكي يتغير، وفي القصة، يشاهد القراء كثيرا غلبة الطبقية الشديدة على المجتمع،، وهو مجتمع يحكم على كل فرد بناء على كل العوامل الممكنة، سواء بالتمييز الجنسي القاسي، أو بالعنصرية على طريقة ترامب، فهذا سيبدو على وجهك بوضوح بدون أي خجل.
وبالمثل، فإذا فتحت صحيفة أو قرأت الأدب الكوري الجنوبي الحديث هذه الأيام، ستجد التقسيمات الطبقية، والتمييز على أساس الجنس، والعنصرية التي لا تزال قائمة الآن، ولكن في الوقت نفسه، ستجد أنظمة الصرف، وخطوط الهاتف والطرق والهندسة المعمارية قد تغيرت.
فعلى سبيل المثال، يصف كيم مشهدا واحدا قبل نهاية القصة يقول فيها إن امرأة شابة كانت تقيم أيضا في المنزل ذو الفناء الغارق أعيدت إلى المنزل بواسطة سائقها وزوجها المستقبلي، "سيارة جيب عسكرية أمريكية كانت تنطلق مسرعة تجاهنا بأضواء مبهرة توقفت عند مدخل الحارة، وكان السائق جنديا أسودا، ونزلت منها ميسيون، التي كانت ترتدي غطاء راس وتتدلى حقيبة من على كتفها، من السيارة الجيب من المقعد الخلفي، وخرج معها أيضا ضابط أمريكي كان يجلس بجانبها على المقعد الخلفي للسيارة، وكان هو نفسه الضابط الأمريكي الذي كان ضيفا علينا في حفل ليلة الكريسماس، وتوقف الإثنان وجها لوجه عند مدخل الحارة، وتبادلا عبارات قليلة بالإنجليزية، ووضع الضابط الأمريكي ذراعه حول خصر ميسيون النحيل".
"وجه الأطفال الذين كانوا يلعبون الاستغماية الشائم إلى الضابط الأمريكي وميسيون قبل الانطلاق للعبهم، سوالا سوالا، يانكي سبيك يانكي سبيك، اعطني علكة، الأمريكيون ذوو أنوف كبيرة، الأمريكيون ذوو (..... ) كبيرة، إنها عاهرة أمريكية، العاهرات الأمريكية تلعق (......) الأمريكي". صفحة 196.
وهكذا، كان الكاتب نفسه مادة للتعليقات المشابهة، وتعرض لنفس الكلمات بشكل مباشر، لذا، العنصرية اتجهت إلى النساء الكوريات، وليس إلى الرجال الكوريين، وهو ما كان يوصل في عام 1954 وما زال شائعا في كوريا الجنوبية الحديثة.
وبالنسبة للتمييز على أساس الجنس، الأمثلة أكثر من أن تحصى.
"... ستكونين زوجة ممتازة، ستكونين مجتهدة في العمل وقلبك دافيء، ولذلك ستعتنين بزوجك، وستديرين منزلك بطريقة جيدة .....". صفحة 155.
وعلى الرغم من ذلك، القصة واحدة فقط من نوعها، وهنا يجب أن أصدر تحذيرا مفسدا، فالحزن على مدار أحداث القصة كلها، ثم التوقف عند الخطاب الشعري، هو الموت المحزن والمؤثر لكيل سو شقيق كيل نام الأصغر.
ويبقى صغيرا كيم الآخران على قيد الحياة، ونسمع عن نجاحهما في الصفحات الأخيرة، وأيضا يبدو موت الإبن الأصغر أمرا مؤثرا.
كيل سو "... الذي كان يدفيء ليالي الشتاء مثل الدمية أو القطة التي تعيش بأنفلونزا شتوية ققاسية سيعيش ثلاث سنوات أخرى، ولكنه يموت في وقت سيء قبل أن تستطيع عائلتي التغلب على الفقر، ونظرا لطريقة مشيه الصعبة ونطقه المتلعثم، فإنه يتم رفض دخوله إلى المدرسة الابتدائية، ويمون في ليلة شتاء باردة بالالتهاب السحائي، وهو في سن الثامنة، بدون أن يستفيد حتى من مزايا الرعاية الطبية في المستشفى". صفحة 216.
ويلخص هذا الخط الروائي، قبل أن تتمكن عائلتي من التغلب على الفقر، التجربة الكورية الجنوبية الحديثة أفضل من أي عدد من البيانات الصحفية الصادرة عن الحكومة، أو أي فيديو ترويجي مبهر، فهذا الخط هو كوريا.
وفي ملاحظة أخرى مبهجة، يقدم كيم واحدا من أكثر خطوطه التي يمكن تصديقها في كل الأوقات، وذلك عندما يصف رد فعل امرأة كيونج كي على مشاهدة وليمة على الطراز الغربي للمرة الأولى، عندما تقول "يالها من طريقة همجية في تناول الطعام، أن تتناوله واقفا وأنت تتحدث وتضحك، لم أكن أعرف الطعم الحقيقي للطعام الذي أتذوقه". صفحة 174.
ويبدو أن قوة وثقة المرأة الكورية المتزوجة التي تنتمي إلى منتصف العمر كانت هائلة في عام 1954 كما هي عليه الآن في عام 2016.
أرشيف دالكي، بدعم من المعهد الكوري للترجمة الأدبية، يرسم ملامح مكتبة الأدب الكوري.
وكتاب
"المنزل ذو الفناء الغارق" صدرت أصلا في عام 1988، وتمت ترجمتها إلى
الإنجليزية عام 2013 بواسطة سوه جي مون، وانضمت إلى أرشيف دالكي بدعم من
المعهد الكوري للترجمة الأدبية LTI Korea.
والأمور التقليدية تتكرر
قليلا في هذه الرواية مقارنة بأي إصدار آخر للمعهد الكوري للترجمة الأدبية
بالإنجليزية، ولكن من الطبيعي في هذا الكتاب أنه يعتبر كتابا احترافيا بحق.
وفي
الخلاصة، يندرج كتاب "المنزل ذو الفناء الغارق" ضمن فئة كتب أصدرها المعهد
الكوري للترجمة الأدبية التي تماثل شباب رجل كبير السن أو في منتصف العمر
في كوريا إبان الاستعمار أو كوريا التي تمزقها الحرب أو كوريا في فترة ما
بعد الحرب، فهو قصافة دافئة من دايجو عام 1954 و1955، وفور قرائته تتأكد من
أن المءلف كيم وون إيل سيكون صديقا أمينا وضيفا عزيزا على العشاء،
فالحكاية التي ينسج خيوطها رائعة بالفعل.
بقلم :
جريجوري إيفز
كوريا دوت نت
الصور من : المعهد الكوري للترجمة الأدبية
gceaves@korea.kr