التاريخ


joseonmap_500.jpg




في نهاية القرن الـ١٤، واجهت مملكة كوريو مشاكل داخلية وخارجية، بما في ذلك التركيز المفرط للسلطة في يد الطبقة الحاكمة «غوون مون ساي جوك» والغارات المتكررة التي شنتها القوات اليابانية وقبائل العمامة الحمراء على كوريو. فقامت قوة بقيادة الجنرال «لي سونغ غاي» - الذي حظي بشعبية بفضل هزيمة القوات اليابانية و قبائل العمامة الحمراء - بطرد ملك كوريو٬ وتأسيس مملكة جديدة. ونصَّب «لي سونغ كيه» الملك «تايجو» ليكون أول ملك للمملكة الجديدة.



وبعد اعتلاء الملك «تايجو» العرش، قام بتغيير اسم المملكة إلى جوسون واختار «هان يانغ» (سيؤول حالياً) لتكون عاصمة المملكة الجديدة نظراً لموقعها المثالي حسب مبادئ فنغ شوي. وأمر ببناء العاصمة وقصر «كيونغبوك» وضريح «جونغميو» والطرق والأسواق وغيرها. وكانت «هان يانغ» أنسب مكان للعاصمة نظراً لموقعها في مركز شبه الجزيرة الكورية، بالإضافة إلى إمكانية التبادلات الداخلية والخارجية بسهولة عن طريق نهر الـ«هان».



أسهم الملك «تايجونغ» - ابن الملك «تايجو» - إسهاماً كبيراً في ترسيخ الحكم الملكي ووضع الأساس للدولة. حيث قام بإنفاذ قانون «هوباي» والذي قام من خلاله بحصر السكان في جميع أنحاء المملكة٬ ووضع نظام حكم مركزي من خلال إنشاء ٦ وزارات (إدارة شؤون الموظفين، والمالية، والبروتوكولات، والدفاع، والعدل، والأشغال العامة) لإدارة شؤون البلاد، والتي ترفع تقاريرها إلى الملك مباشرةً. أما الملك «سيجونغ» - ابن الملك «تايجونغ» - فقد افتتح عصراً يُعد ذروة الازدهار السياسي والاجتماعي والثقافي للمملكة. حيث قام بإنشاء مركز الأبحاث الملكي «جيب هيون جون» (Hall of Worthies أو قاعة المستحقين) لتطوير السياسات ودراسة الاتجاهات المستقبلية للدولة. وخلال فترات حكم الملوك بدايةً من الملك «سايجو» وحتى الملك «سونغ جونغ» صدر القانون الوطني «غيونغ غوك دايجون» من أجل ترسيخ نظام الحكم الدائم٬ مما أسهم في زيادة استقرار نظام الحكم في مملكة جوسون.



اختراع الـ«هانغول» (الأبجدية الكورية)



ظل الكوريون يستخدمون الحروف الصينية منذ العصور القديمة. فكانوا يقومون بالكتابة باستخدام الحروف الصينية من خلال نظامي «إيدو» و«هيانغ تشال»، ولكنهم كانوا في حاجة ماسة إلى حروف يمكن تعلمها وكتابتها بسهولة حتى يستطيعون التعبير بحرية عما يدور بخلدهم. وكان الملك «سيجونغ» يُدرك ذلك جيداً، فقام باختراع الـ«هانغول» (الأبجدية الكورية) عام ۱٤٤٣ وأعلن عنها رسمياً عام ١٤٤٦. وتجدر الإشارة إلى أن حروف الـ«هانغول» قد تم اختراعها بحيث تُحاكي شكل أعضاء جهاز النُطق عند إصدار أصواتها، وهي أكثر الحروف الأبجدية التي تقوم على أساس علمي والأسهل في التعلم على مستوى العالم. وقد ساهم اختراعها في تحسين التواصل بين الشعب والحكومة بشكل كبير. كما لعبت بعدها دوراً حاسماً في إرساء أسس دولة متقدمة ثقافياً.



تطور العلوم والتقنية



شهد عصر مملكة جوسون تطوراً ملحوظاً في العلوم والتقنية. حيث تم اختراع الساعة المائية «جا غيونغ نو»، والمزولة الشمسية «آنغ بو إيل غو»، والآلة الفلكية ذات الحلق «هون تشون اوي» وغيرهم. كما تم اختراع أول مقياس مطر في العالم لقياس كمية هطول الأمطار. بالإضافة إلى استخدام «إين جي إي» و«كيو هيونغ» وغيرها من أدوات مسح الأرض لقياس الأراضي ورسم الخرائط. وفي عهد الملك «تايجو»، تم عمل «تشونسانغ يولتشا بونيا جيدو» (مخطط الأبراج والمناطق التي يحكُمونها /Chart of the Constellations and the Regions they Govern ) اعتماداً على النسخة السابقة التي وُضعت خلال حقبة كوكوريو. أما في عهد الملك «سيجونغ»، فقد تم إنتاج «تشيل جونغ سان» (حساب حركات المحددات السماوية السبع) بُناءً على التقويم الصيني Shoushili calendar)) والتقويم الإسلامي لشبه الجزيرة العربية. كما تم إصدار الكتب الطبية مثل «هيانغ ياك جيب سونغ بانغ» الذي تم فيه جمع وتقديم الأدوية والطرق العلاجية المناسبة للمناخ وطبيعة البيئة للبلاد، والموسوعة الطبية «أوي بانغ يو تشوي»، إلخ. كما تطورت تقنية طباعة الحروف حيث تم تطوير مختلف أنواع الطباعة المعدنية مثل: «غاي ميجا» (الملك تايجونغ) و«غابين جا» (الملك سيجونغ)، مما أدى إلى نشر العديد من الكتب.



العلاقات الخارجية لجوسون



حافظت جوسون على علاقات ودية مع أسرة مينغ الصينية منذ بداية تأسيسها. حيث تبادلا الوفود سنوياً، بالإضافة إلى التبادلات الثقافية والاقتصادية النشطة بينهما. كما وافقت جوسون أيضاً على مطلب اليابان وسمحت بالتجارة بينهما عن طريق فتح موانئ «بوسان» و«جين هيه» و«أولسان». وفي عام ١٤٤٣، وقعا معاهدة «غاي هاي» وقاما بالتبادل التجاري على نحو محدود. وعلاوةً على ذلك، أجرت جوسون تبادلات مع العديد من البلدان الآسيوية مثل ريوكيو وسيام وجاوة.



تطور مهارات الحرف اليدوية



كانت الأواني الخزفية واحدة من الحرف اليدوية الرئيسية في حقبة جوسون. تم استخدام «فخاريات بون تشونغ» (الأواني الخزفية ذات اللون الأزرق الرمادي) أو «بيك جا» (الأواني الخزفية البيضاء) على نطاق واسع في القصور الملكية والمكاتب الحكومية.



تم استخدام «فخاريات بون تشونغ» بكثرة في بداية عصر جوسون، وكان يتميز بشكله البسيط والهادئ المطلي بمسحوق التراب الأبيض على «تشونغ جا» (خزف السيلادون الأزرق المائل للأخضر). واستمرت مهارات الأواني الخزفية في التطور حتى وصلت إلى أوجها بحلول القرن السادس عشر من خلال إنتاج سيلادون «بيك جا» (الأواني الخزفية البيضاء) الراقي. يُظهر الخزف الأبيض «بيك جا» الخاص بجوسون - ذو المظهر النظيف والواضح - امتداداً للتقليد الذي ابتدعته مملكة كوريو. وقد كان يُستخدم على نطاق واسع نظراً لانسجامه مع المذاق الثقافي للعلماء.



cheonsangjido_700.jpg

«تشونسانغ يولتشا بونيا جيدو» (مخطط الأبراج والمناطق التي يحكمونها) (جوسون، القرن السابع عشر)


خارطة منسوخ عليها الأبراج الفلكية



«إيمجين واي ران» الغزو الياباني لكوريا عام ١٥٩٢



حافظت جوسون على علاقات جيدة مع اليابان منذ تأسيسها في القرن الـ١٤ وحتى القرن الـ١٥. ومع بداية القرن الـ١٦، طالبت اليابان بالحصول على حصة أكبر من التجارة، ولكن جوسون لم تذعن لطلبها.



وزعزع اليابانيون استقرار مجتمع جوسون من خلال إثارة الاضطرابات في «سامبو واي ران/ اضطراب الموانئ الثلاثة» (عام ١٥١٠ م)، و«أول ميو واي بيون» (عام ١٥٥٥ م)٬ إلخ. ولكن تويوتومي هيديوشي نجح في إنهاء الاضطرابات التي دامت على مدار ١٢٠ عامًا في فترة المقاطعات المتحاربة والتي تُعرف بفترة سينغوكو وقام بتوحيد اليابان. وفي عام ١٥٩٢، حشد مائتي ألف جندي وقام بغزو جوسون من أجل تشتيت قوة اللوردات المحليين واستقرار حكمه في اليابان. تُسمى هذه الحرب - التي مرت بمرحلتين واستمرت لمدة سبع سنوات من ١٥٩٢ حتى ١٥٩٨ - حرب «إيمجين واي ران».



sundial_700.jpg

المزولة الشمسية «آنغ بو إيل غو» (القرن ١٧- ١٨ م)


ساعة شمسية ترصد التغير في حركة ظل الشمس الذي يتبع اختلاف الأوقات والفصول



raingauge_700.jpg

«تشوغو داي» (منصة مقياس المطر) (جوسون، القرن الثامن عشر)


« دايغو سونهوا دانغ تشوغو داي» منصة تم وضع مقياس المطر عليها لقياس كمية هطول الأمطار وهي توجد في سونهوا دانغ، دايغو



ولكن بدأت الميليشيات الكورية في محاربة الغزاة هنا وهناك في جميع أنحاء البلاد. وبصفة خاصة واصلت القوات البحرية الكورية بقيادة الأدميرال «لي سون شين» - أعظم قادة جوسون - الانتصارات المتتالية ضد القوات اليابانية ونجحت في فرض سيطرتها على البحر. كما قامت بقطع خط الإمداد للقوات اليابانية عن طريق الدفاع عن حقول الأرز في سهل «هونام» مما أدى إلى خفض الروح المعنوية لهم. وكررت القوات اليابانية غزو جوسون عام ١٥٩٧، ولكن الأدميرال «لي سون شين» حقق نصراً ساحقاً على الأسطول الياباني المُكوَّن من ١٣٣ سفينة بـ١٣ سفينة فقط، وهو نصر جدير بإدراجه في تاريخ المعارك البحرية العالمية. وتُسمى تلك المعركة بـ«معركة ميونغنيانغ».



whiteprocelain_700.jpg

جرة مصنوعة من الخزف الأبيض «بيك جا» مرسوم عليها زهور البرقوق وشجر الخيزران وطيور (جوسون٬ القرن الخامس عشر)


«تشونغ هوا بيك جا» (الأواني الخزفية البيضاء المزينة بالتصاميم المطلية بصبغة الكوبالت الزرقاء) يرجع تاريخها إلى النصف الأول من عصر مملكة جوسون، وهي تُعبر بشكل أنيق عن عاطفة الكوريين من خلال استخدام رسومات شجر الخيزران والطيور وزهور البرقوق في زخرفتها.



انسحبت القوات اليابانية عندما أصبحت مؤشرات الهزيمة واضحة وتداخل معها وفاة تويوتومي هيديوشي. ودُمِّرَت الكثير من الأصول الثقافية القَيٍّمة لمملكة جوسون مثل معبد «بولغوكسا» البوذي بسبب الغزو الياباني. ومع ذلك، تعلم اليابانيون العلوم والفنون المتقدمة من خلال الكتب وآلات الطباعة المعدنية واللوحات الفنية التي نهبوها من جوسون، كما طوروا ثقافة الخزف اعتماداً على الخزافين الكوريين الذين قاموا بخطفهم إلى اليابان خلال الحرب.



تطور ثقافة عامة الشعب



في أواخر عهد مملكة جوسون، تطورت التجارة والصناعة وتم توفير التعليم للأطفال في المدارس الخاصة «سودانغ»، مما أدى إلى تحسين نوعية حياة العامة وتنويع الثقافة الترفيهية أيضًا. ونُشرت القصص المكتوبة بالـ«هانغول»، وتطورت الثقافة الترفيهية بما فيها الـ«بانسوري» ورقص القناع وغيرها. وبصفة خاصة٬ حظي الـ«بانسوري» - الذي يجمع بين الـ«تشانغ» (الغناء) والـ«ساسول» (السرد) لتوصيل قصة معينة - شعبيةً كبيرة. يُمكن للفنان المؤدي أن يُضيف إلى القصة أو يُنقص منها، وكان الجمهور يستمتع بالمشاركه من خلال الـ«تشو إيم ساي» (بعض الكلمات التي يقولها قارع الطبل المُصاحب للمطرب خلال سرد القصة لإثارة حماسة الجمهور مثل «جوتشي» أو «أول شيغو» وغيرها)، فتطور الـ«بانسوري» إلى ثقافة شعبية رئيسية. وفي أواخر القرن التاسع عشر، قام «شين جاي هيو» بابتداع وترتيب قصص الـ «بانسوري». وتم نقل خمسة أنواع من أغاني الـ«بانسوري» حتى اليوم ويُطلق عليها «بانسوري داسوت مادانغ» وهي: «تشون هيانغ غا» (أغنية تشون هيانغ)، «شيم تشونغ غا» (أغنية شيم تشونغ)، «هونغ بو غا» (أغنية هونغ بو)، «جوك بيوك غا» (أغنية الجرف الأحمر)، «سو غونغ غا» (أغنية الأرنب والسلحفاة). كما لقت مسرحيات القناع مثل «تال لوري» و«سانداي نوري» رواجًا كبيراً كلون من ألوان الترفيه الشعبي.



sandaenori_700.jpg

«سانداي نوري»


هي لعبة شعبية تقليدية ورقصة فولكلورية وأحد أنواع المسرحيات التي يرتدي خلالها اللاعبون الأقنعة ويقومون بقول الفكاهات، والرقص، والغناء، والتمثيل.