الصورة توضح النوريگي التي صنعتها بنفسي. (الصورة من خلود خالد ابواليزيد)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية خلود خالد ابو اليزيد
لطالما كنت مفتونة بالفنون التقليدية الكورية والثقافات المختلفة، ودائمًا ما كنت أبحث عن طرق جديدة للتعبير عن هذا الشغف. ومؤخرًا، قررت خوض تجربة فريدة ومميزة وهي صنع النوريگي، وهي ميدالية كورية تقليدية تُستخدم للزينة وتحمل رمزية ثقافية وروحية متجذرة في أعماق التاريخ الكوري. دعونا نتعرف معًا على تاريخها وطريقة صنعها واستخدامها.
النوريگي هي قطعة زخرفية تُعلّق تقليديًا على الزي الكوري المعروف باسم الهانبوك. ظهرت في عصر مملكة جوسون، وكانت ترتديها النساء، خاصة من الطبقات الأرستقراطية، كرمز للحظ، وطول العمر، والثروة، وحتى الحب والطمأنينة.
تُصنع النوريگي عادةً من الحرير والخيوط الملونة والخرز، وتُزين بعُقد تقليدية كورية تُعرف باسم ميدب، وهي أكثر من مجرد زينة، بل تعكس مفاهيم رمزية مثل القوة، الوحدة، الانسجام، والصبر.
كباحثة ومُحبّة للثقافة الكورية، لطالما أدهشتني دقة الفن الكوري اليدوي ورمزيته. أردت أن أعيش التجربة بنفسي، لا كمُشاهِدة فقط، بل كمُبدِعة، حتى أتمكن من فهم أعمق لمعنى هذا الفن وكيفية صناعته. ولم يكن الهدف مجرد صنع ميدالية، بل كان الأمر أشبه برحلة في قلب الثقافة الكورية.
بدأت رحلتي والتي كانت تجربتي الأولى على الإطلاق، ولم تكن لدي أدوات احترافية، لكن هذا لم يمنعني. استخدمت ما توفر لدي من أدوات محلية الصنع من خيط أسود عادي ومقص وخرز شفاف وأسود وبطاقة المراسلين الفخريين الخاصة بي وحبل أسود.
الصورة توضح الأدوات التي استخدمتها لصنع النوريگي. (الصورة من خلود خالد ابواليزيد)
بدأت بصنع الشرابة عن طريق لف الخيط حول البطاقة، ثم ربطها بإحكام وقصّ الأطراف بعناية لتصبح متناسقة. هذه المرحلة كانت ممتعة، وشعرت خلالها بأنني أُشكل شيئًا جميلًا بيدي.
الصورة توضح خطوات صنع الشرابة أو الجزء السفلي من النوريگي. (الصورة من خلود خالد ابواليزيد)
أما التحدي الحقيقي، فكان في العقدة الكورية التقليدية. كانت التفاصيل الدقيقة مربكة في البداية، ووجدت نفسي أُعيد الكرة أكثر من مرة، لكن مع التكرار، والتعلُّم من الفيديوهات الكورية، بدأت أفهم الطريقة وأُبسطها خطوة بخطوة. لحظة رؤية العقدة تأخذ شكلها الصحيح كانت لحظة فخر لا توصف.
اخترت عقدة تحمل رمزية الحظ والبركة، تُشبه عقدة الحظ المزدوج (بوكميدب)، والتي تُستخدم تقليديًا لجلب الطمأنينة والانسجام والتوفيق في الحياة. لم تكن مجرد خيوط تتشابك، بل شعرت وكأنني أنسج دعاءً صغيرًا بين أطرافها، أحمِله معي في كل مرة أراها.
بعدها أضفت بعض الخرزات الشفافة لمنح النوريگي لمسة بصرية مشرقة، وجمعت كل العناصر بدقة، لأصنع ميدالية متكاملة يمكن استخدامها كميدالية مفاتيح، زينة للحقائب، أو حتى كقطعة فنية تحمل ذكرى أول تجربة لي في هذا العالم الساحر.
الصورة توضح عقدة الحظ والشرابة بعد دمجهما معًا في النوريگي. (الصورة من خلود خالد ابواليزيد)
كانت الأدوات بسيطة، لكن الشعور الذي خرجت به من التجربة كان عميقًا. شعرت أنني أُحيي تراثًا جميلًا بلمسة شخصية متواضعة.
في كل مرة أنظر إلى تحفتي الفنية، أتذكر شغفي وفضولي الذي قادني إلى هذه التجربة، وأشعر برغبة في تعلم المزيد من الفنون الكورية التقليدية، وربما تعليمها يومًا ما لمن يشاركونني هذا الشغف.
الصورة توضح النتيجة النهائية لصنع النوريگي مع خلفية مليئة بأزهار الكرز والحروف الكورية. (الصورة من خلود خالد ابواليزيد)
عندما انتهيت أدركت أن النوريگي ليست مجرد زينة تُعلّق على الملابس أو تُهدى كقطعة فنية، بل هي فن يحمل في كل خيط وكل عقدة قصة وصبر وتاريخ طويل. فقد تعلمت الكثير مثل : أهمية الانتباه للتفاصيل ،قيمة الصبر والتكرار، والإحساس العميق بـ الفن التقليدي كمرآة للثقافة.
في النهاية لم يكن صنع النوريگي مجرد نشاط يدوي، بل كان رحلة وجدانية ثقافية، جمعت بين الفن، التاريخ، والتأمل الشخصي. وأؤمن أن مثل هذه التجارب تفتح لنا أبوابًا لفهم أعمق لحضارات العالم، وتعزز بداخلنا حب التعلُّم، والتقدير للجمال الخفي في التفاصيل الصغيرة.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.