لي جي-هيه
الصور = كي-آرتس كريتيف بجامعة كوريا الوطنية للفنون
ترك العازف ذو الشعر الأبيض بلمعة فضية مفاتيح البيانو وهو يرفع رأسه للأعلى. وتلاشت معه نغمات مقطوعة موتزارت ’مقدمة وشرود نغمة سي الكبرى‘ مثل الرياح الذائبة وسط غروب الشمس في المساء. ووقف كل من كان يجلس على الكراسي أو الحصائر أثناء العرض، لينهالوا بالتصفيق والهتافات الحارة لفترة من الوقت لم تكن قصيرة أبدا تعبيرا عن التقدير.
وهذا ما حدث في يوم 31 مايو الماضي الذي يعتبر بداية فصل الصيف حيث استقبل عازف البيانو بيك كون-وو جمهوره بأول عزف لمقطوعات موتزارت في حياته. وكان هذا عرض اليوم الأول من مهرجان غيتشون الكلاسيكي الذي يوافق هذا العام المرة العاشرة لإقامته، وأقيم على ساحل بانغنيم في بلدة بيونغ تشانغ بمقاطعة كانغ وون خلال الفترة من يوم 31 مايو حتى 2 يونيو.
وقدم العازف بيك في ذلك اليوم عزفا أنيقا وتعابير دقيقة بالنغمات لمقطوعة موتزارت ’فانتازيا‘ نغمة دي الصغرى، بالإضافة إلى مقطوعة بيانو سوناتا رقم 12 بنغمة إف الكبرى وغيرها من المقطوعات. وكانت الأجواء في ذلك اليوم مفعمة بالحماس والحيوية بفضل التوتر والحزن والغموض الناجمين عن الألحان المظلمة والدرامية بالإضافة إلى الإشراق والوضوح القادمين من النغمات المثيرة الغامضة. وأحيانا كانت مشاعر الدفء والروعة تثير القشعريرة في جميع أجزاء جسدي. كان عرضا رائعا لا مثيل له شعرت من خلاله كما لو أن موتزارت يحتضننا بنفسه بالعزف. وهذه هي المشاعر التي قدمها العازف بيك كون-وو لمستمعيه في ذلك اليوم.
ولم تؤثر الأمطار التي انهالت أثناء العرض على نضج وروعة العزف في ذلك اليوم ولم تمنع الجمهور من الاستمتاع بالعرض. واشتعلت أجواء المهرجان بالحضور الذين جاؤوا للاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها تجمع بين ألحان الموسيقى وسحر الطبيعة الخلابة. وأضافت نسمات الغابة وزقزقة الطيور وأصوات حشرات العشب وغيرها من أصوات الطبيعة تناغما خاصا أضفى إحساسا خاصا على الرغم من عدم ظهور النجوم في سماء تلك الليلة. وأخبرتنا لي دا-غيونغ التي شاهدت العرض حتى النهاية قائلة "صوت المطر كان مثل الموسيقى التصويرية وراء العرض وبفضله كانت الأجواء أحلى كثيرا".
ومع غروب الشمس، صعدت على المسرح مجموعة أخرى من أبطال المهرجان. وهذه المجموعة هي أوركسترا غيتشون ستارلايت المكونة من طلاب وخريجي المرحلة الابتدائية والإعدادية بمدرسة غيتشون. وبدأت الأوركسترا عرضها بمقطوعة ’تحية الحب‘ لإدوارد إلغار. وتوالت العروض التي شملت أغاني مألوفة للحضور مثل ميدلي أغاني ديزني وأغنية ’قراصنة الكاريبي‘، وأغنية ’قصة حب فتى الجبل‘ مما أضفى أجواء هادئة ومؤثرة على المهرجان. وقال لنا تشو يون-تيه الذي كان يردد كلمات الأغاني أثناء مشاهدة العزف "تركت قصة حب فتى الجبل الانطباع الأقوى لدي"، وتابع "ربما السبب في هذا أنني تعلمت هذه الأغنية في فترة الطفولة مما جعلني أغرق في مشاعر الحنين إلى الماضي العميقة".
أما اليوم الثاني من المهرجان، فقد قام بعروضه كل من الباراتون صامويل يون، السوبرانو بارك سو-يونغ، عازف البيانو لي جين-سانغ وأوركسترا جامعة كوريا الوطنية للفنون (أوكسترا كنوا). وفي اليوم الأخير من المهرجان أشعلت أوركسترا كيونغ كي الفيلهارمونية المسرح وسط عزف عازف البيانو تشو سيونغ-جين والمايسترو كيم سيون-أوك.
ويبلغ عدد سكان بلدة غيتشون 1700 نسمة فهي قرية جبلية صغيرة ويزورها الفنانين والنجوم خلال فترة المهرجان. وبدأ المهرجان في عام 2009 بسبب نقص عدد طلاب المرحلة الابتدائية. ومع تحول قضية إغلاق المدرسة إلى أمرا واقعا قرر كون أوه-إي مدير المدرسة حينها والذي كان عازفا على الكمان أيضا، أن يؤسس أوركسترا غيتشون ستارلايت وكان الأمر حينها بمثابة التشبث بخيط أمل رفيع. وبدأ الطلاب واحدا تلو الآخر في القدوم من خارج البلدة للاشتراك في الأوركسترا وبفضل ذلك تغلبت المدرسة على أزمة الإغلاق. وبحلول عام 2012 تأسست أيضا أوركسترا مدرسة غيتشون الاعدادية.
وبعدما سمعت مؤسسة تشونغ مونغ-كو التابعة لشركة هيونداي موتور وجامعة كوريا الوطنية للفنون، اقترحتا ’مشروع قرية فنية‘ على بلدية غيتشون. واستمرت جامعة كوريا الوطنية للفنون في إرسال خريجيها كل عام لتعليم الأطفال. وها نحن هنا اليوم نحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيس مهرجان غيتشون الكلاسيكي الذي كانت هذه بدايته.
وربما السبب في تميز المهرجان بطابع مختلف عن غيره من الحفلات الكلاسيكية يرجع إلى كونه مهرجان كلاسيكي يقام في الهواء الطلق. ويستطيع الجمهور الاستمتاع به بشكل أكثر أريحية دون قيود صارمة مثل تلك المفروضة في قاعات العزف الكلاسيكي المعتادة. ولابد أن هذه الأجواء الاحتفالية ساهمت أيضا في حضور العائلات مع أطفالهم إلى موقع المهرجان.
ورأينا حول المسرح أماكن بيع طعام متنوع مثل البيبيمباب والتوكبوككي وأسياخ الدجاج المشوي بالإضافة إلى أماكن لبيع المنتجات المحلية الخاصة بالمنطقة التي علقت لافتات ترويجية مكتوب عليها ’منتجات محلية مصنوعة على أنغام الموسيقى الكلاسيكية‘. ولم يخلو الموقع من جميع أنواع المشروبات المتنوعة التي ترضي أذواق الجميع بما في ذلك البيرة وهو أمرا لا نراه أبدا في صالات عرض الموسيقى الكلاسيكية. وكان المهرجان بمثابة مأدبة سعيدة قصدها الحضور من جميع أنحاء البلاد وفيها ينسجم الموسيقيين والجمهور بشكل طبيعي فريد.
وبالطبع لم تخلو القرية من المنحوتات والمجسمات ذات الصلة بالموسيقى الكلاسيكية التي كانت مثبتة في جميع أنحاء القرية بمناسبة المهرجان. ورأينا على الجسر والجدران رسما لمفاتيح البيانو. وأثار دهشة واعجاب الحضور أجهزة شرب المياه (كولدير) المصنوعة على شكل بيانو والتقطوا لها صورا تذكارية بهواتفهم المحمولة.
jihlee08@korea.kr