تظهر الصورة الفنان جي بارك بجانب السفير الكوري لمصر، السيد كيم يونغ-هيون في معرض «التلاقي». (الصورة من جي بارك وإنارت، وتم أخذ الإذن لنشرها.)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية مريم صلاح
يعَدّ الفن المعاصر من أبرز أشكال التعبير الفني في عصرنا الحديث، إذ يجمع بين مدارس وأساليب متعددة كالفن الرقمي، وفن التركيبات، والفن المفاهيمي، ليعكس قضايا إنسانية وفلسفية واجتماعية متشابكة.
ومن بين الفنانين الذين تركوا بصمة مميزة في هذا المجال، يبرز اسم الفنان الكوري جي بارك ( بارك جونغ-كيو)، الذي جعل من 'الفوضى الرقمية' منطلقًا لإبداعاته البصرية، محوّلًا التشويش التقني إلى لغة فنية تُجسّد النظام داخل العشوائية. تتأمل أعماله الحدود غير المرئية بين الواقع والإدراك، وبين الحضور والغياب، في محاولة دائمة لاكتشاف الجمال في اللامتوقَّع.
وقد شارك جي بارك مؤخرًا في معرض «التلاقي» الذي أُقيم بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وكوريا الجنوبية، والذي جمع فنانين من البلدين في حوار بصري يُجسّد التفاهم الثقافي والتواصل الإنساني.
وفي الوقت ذاته، يستعد الفنان للمشاركة في معرض «إلى الأبد هو الآن» الذي تنظمه مؤسسة آرت دي إيجيبت عند أهرامات الجيزة، حيث يقدّم عملًا فنيًا واحدًا بعنوان «الشفرة الأبدية»، يعكس من خلاله حوارًا بصريًا بين الحضور والغياب، في تلاقٍ بين الرمزية القديمة والرؤية المعاصرة.
في هذه المقابلة، نستكشف معًا المسيرة الفنية لجي بارك، من بداياته وصولًا إلى زيارته لمصر ومشاركته في معرض «التلاقي». وقد أُجريت المقابلة عبر البريد الإلكتروني بين 5 و9 نوفمبر.
الصورة تظهر إحدى الأعمال الفنية لجي بارك بعنوان 'الشفرة الأبدية' من معرض «التلاقي».(الصورة من جي بارك وإنارت وتم أخذ الإذن لنشرها.)
متى بدأت رحلتك الفنية، وما الذي ألهمك لتسلك طريق الفن كمهنة؟
منذ طفولتي كنت أحب الرسم واللعب بالكاميرات. كان التعبير البصري بالنسبة لي أمرًا طبيعيًا جدًا. لم تكن هناك لحظة واحدة حاسمة جعلتني أختار الفن — بل حدث ذلك تدريجيًا مع مرور الوقت. أدركت أن التفكير والتعبير من خلال الصور والأشكال هو ما أفعله بفطرية. أثناء دراستي الجامعية، اقتنعت أن اللغة البصرية قادرة على التعبير عن المشاعر والأفكار الفلسفية بطريقة مباشرة وقوية، وهناك قررت أن أسلك طريق الفنان.
هل يمكنك أن تخبرنا عن نقطة تحوّل في مسيرتك الفنية ساهمت في تشكيل أسلوبك؟
جاءت نقطة التحوّل عندما بدأت ألاحظ 'الضوضاء' في العصر الرقمي. بالنسبة لمعظم الناس، تعني 'الضوضاء الرقمية' الأخطاء أو الأعطال التقنية، لكنني رأيت بداخلها نوعًا جديدًا من النظام البصري. درست الشاشات المكسورة، وأخطاء البكسلات، وتشوهات البيانات، وحاولت إعادة بناء تلك اللحظات من الفوضى إلى شيء جميل بصريًا. هذه العملية أصبحت اللغة الأساسية لفني — والآن تمتد إلى الرسم، والتركيب، والنحت، والفيديو.
أي من أعمالك تعتبره الأهم بالنسبة لك، ولماذا؟
أعمالي تنمو على مراحل — لا يوجد فاصل واضح أو عمل يمكنني اعتباره 'التحفة الكبرى'. كل مشروع مرتبط بتجارب وبحوث مستمرة. لكن يمكنني القول إن عملي الأرضي 'الشفرة الأبدية' المعروض أمام أهرامات الجيزة هو محطة مميزة جدًا. فهو يربط بين اللغة البصرية الرقمية والحضارة القديمة. تتقاطع نسب الأهرامات مع الخوارزميات الهندسية التي أدرسها ضمن مشروع 'الترميز'، مما يخلق معاني بصرية جديدة. بالنسبة لي، هذا اللقاء الرمزي بالغ الأهمية.
تظهر الصورة إحدى المتفرجين من معرض «التلاقي». (الصورة من جي بارك وإنارت، وتم أخذ الإذن لنشرها.)
هل هناك فنانون أو حركات فنية أثّرت في تطورك الفني؟
أنا لا أحاول تقليد أو اتباع فنان معين أو حركة محددة. ما يهمني هو طريقة رؤية الفنانين للعالم وكيفية تفسيرهم له. استلهمت كثيرًا من فنون الحد الأدنى (المينيمالية) والفن المفاهيمي، ومن الفنانين الذين دمجوا بين التكنولوجيا والفن. أؤمن أن حتى العناصر غير الكاملة أو غير المتوقعة — تلك التي يراها الناس عادة 'ضوضاء' — يمكن أن تحمل معاني بصرية قوية. هذه الفكرة أثّرت فيّ بعمق
هل يمكنك أن تحدثنا عن مشاركتك في معرض «التلاقي» والأعمال التي قدمتها فيه؟
كنت سعيدًا جدًا بدعوتي للمشاركة في معرض «التلاقي» الذي أُقيم احتفالًا بمرور 30 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين كوريا ومصر. أخبرتني منسقة المعرض، لي كيو-هيون، أن عنوان المعرض يشير إلى التقاء الثقافات والأفكار والتقنيات المختلفة، وقد جذبني هذا المفهوم كثيرًا. عرضت لوحات وتركيبات فنية مستوحاة من أنماط 'الضوضاء الرقمية'. رغم أن البيانات تبدو عشوائية، فإنها في النهاية تعيد تشكيل نفسها في بنية منظمة. المعرض لم يكن مجرد عرض للأعمال، بل كان أيضًا مساحة لتبادل ومقارنة اللغات البصرية بين الفنانين من كوريا ومصر، وهذا ما جعله ذا معنى خاص بالنسبة لي.
هل يمكنك مشاركة لحظة مميزة أو تجربة خلف الكواليس خلال الحدث؟
نعم، تأثرت بشدة عندما رأيت الزوار يقفون أمام أعمالي بصمت، يحاولون التواصل معها بطريقتهم. جاؤوا من ثقافات مختلفة، لكني شعرت بفضولهم وانفتاحهم. تلك اللحظات تُظهر القوة الحقيقية للفن. سماع انطباعاتهم وأسئلتهم يجعلني دائمًا أعيد التفكير في عملي من جديد.
توضح الصورة الفنان الكوري جي بارك من تجهيزات معرض «إلى الأبد هو الآن» في أهرامات الجيزة. (الصورة من جي بارك وإنارت، وتم أخذ الإذن لنشرها.)
أثناء زيارتك لمصر، هل كانت هناك تجارب أو مواقف مميزة بالنسبة لك؟ (مثل الطعام، الفن، التقاليد المحلية، أو الحياة اليومية)
شعرت أن مصر تشبه متحفًا حيًا تتعايش فيه طبقات الزمن المختلفة. الرمال، المدينة، المباني، وطريقة حياة الناس — كلها غنية بالتاريخ والعاطفة. أكثر ما أدهشني هو الكمال الرياضي في بناء الأهرامات. جعلني ذلك أفكر في كيف يمكن للغات القديمة والحديثة — مثل الهيروغليفية والأكواد الرقمية — أن تلتقيا لتشكّلا تناغمًا بصريًا جديدًا.
برأيك، كيف يمكن للفن أن يساهم في ربط الثقافات المختلفة مثل مصر وكوريا؟
الفن هو أحد الأشياء القليلة التي يمكن فهمها دون ترجمة. قد يختلف الناس في تفسير العمل البصري حسب خلفياتهم، لكن تلك الاختلافات تخلق حوارًا جديدًا في حد ذاتها. أؤمن أن الفن يساعد الثقافات البعيدة، مثل كوريا ومصر، على إيجاد معانٍ مشتركة وفهم أعمق لبعضها البعض
الصور توضح الفنان الكوري جي بارك من تجهيزات معرض «إلى الأبد هوالآن» في أهرامات الجيزة.(الصورة من جي بارك وإنارت وتم أخذ الإذن لنشرها.)
الرسالة أو النصيحة التي تود توجيهها للفنانين الشباب الذين يسعون للتعبير عن ثقافتهم من خلال الفن؟
لا توجد طريقة واحدة صحيحة. يمكنك الحفاظ على ثقافتك كما هي، أو تفكيكها وإعادة بنائها في شكل جديد. المهم أن تعبّر عنها بصوتك أنت — وأن تظل مخلصًا لتلك الرحلة. الفن ليس سباقًا أو منافسة. الاستمرارية والإيمان بما تقدمه هما ما سيشكّلان لغتك الفنية في النهاية.
من خلال فنه، يذكّرنا بارك جونغ-كيو بأن الاتصال — بين الناس، والثقافات، وحتى العصور — هو عملٌ خالد في طور الاكتمال دائمًا
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.