صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في سيول. (تعود حقوق الصورة إلى ديفاين سيول، بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية إيمان الأشقر
بارك جيها هي مؤلفة موسيقية كورية، تعمل على دمج عناصر الموسيقى الكورية التقليدية والمعاصرة معا في مقطوعات فريدة من نوعها. تتقن بارك جيها العزف على عدة آلات كورية تقليدية وغربية مثل: البيري، اليانغوم، الفلوت، وغيرهم.
أصدرت بارك جيها عدة ألبومات خلال مسيرتها الممتدة منذ أكثر من عشر سنوات، وأحدثهم هو ألبوم جميع الكائنات الحية الذي صدر هذا العام. حصلت موسيقاها على تقدير عالمي بالغ، كما قامت بتأليف موسيقى فيلم فوي من إنتاج شركة أمازون العالمية.
قدمت الفنانة عروضا عديدة في مختلف الدول في آسيا، أوروبا، والأمريكيتين، مما يعكس قوة تأثير موسيقاها وأصالتها. ومن أبرز عروضها القادمة، هو عرض من تنظيم المركز الثقافي الكوري في بريطانيا يوم 22 أكتوبر ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى الكورية.
في هذا المقال، ستشاركنا بارك جيها رحلتها في عالم التأليف الموسيقي وفلسفتها الفنية.
تمت المقابلة عبر الإيميل في الفترة من 1 سبتمبر إلى 4 سبتمبر.
من فضلك، أخبرنا أكثر عن بداياتك. ما الذي ألهمك لدمج عناصر الموسيقى الكورية التقليدية مع الموسيقى المعاصرة؟
بعد تخرجي من الجامعة، شعرت بأنه ينبغي أن أبتكر موسيقاي الخاصة بدلا من الاكتفاء بعزف قطع الموسيقية التقليدية الموجودة، ومن ثم بدأت أحاول تأليف أغان جديدة شيئا فشيئا باستخدام الآلات التي كنت أعزف عليها.
وبعد ذلك أخذت أوسع مجال موسيقاي تدريجياً، فصرت أبحث عن أصوات جديدة ليس فقط عبر الآلات التقليدية، بل أيضاً من خلال الآلات الحديثة أو الأصوات الإلكترونية.
صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في بريطانيا. (تعود حقوق الصورة إلى كايلار، بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
هل يمكنك أن تخبرنا عن التطورات والتغيرات التي طرأت على أسلوبك الفني منذ أول ألبوم لك وحتى الآن؟ وما هي المحطات الأبرز خلال مسيرتك؟
الألبوم الأول الشركة كان بالتعاون مع عازفين لآلات غربية أخرى مثل الساكسفون والفيبرافون، فصنعنا معا مقطوعات حرة وتجريبية. أما الألبوم الثاني فيلوس فقد كان لدي هدف شخصي بأن أُكمل ألبوما كاملا من البداية حتى النهاية يعتمد فقط على صوتي الخاص وحده. اعتقدت أن هذه الخطوة ستكون مرحلة لا غنى عنها في طريقي الموسيقي، ولهذا أعددت هذا الألبوم.
أما الألبوم الثالث الوميض، فهو مبني على موضوع "الضوء"، ووضعت في الحسبان كثيرا مفهوم الفضاء في الصوت والزمان أيضا عند تأليفه. وأراه ألبوما أشد ميلا إلى البساطة مقارنة بالألبومات السابقة. بعد ذلك أوكل إلي تلحين الموسيقى التصويرية الأصلية لفيلم فوي الذي أنتجته أمازون ستوديو في الولايات المتحدة، وبهذا وسعت مجال إبداعي إلى موسيقى الأفلام. وأظن أن هذه التجربة كانت أحدث نقطة تحول موسيقية بالنسبة لي.
وبالاستناد إلى هذه التجربة صنعت ألبومي الأحدث جميع الكائنات الحية، حيث لا يزال فيه جانب من البساطة، لكن الألبوم يحتوي على قصص وأصوات أكثر تنوعا.
هل تعتمد أكثر على الإلهام أم التخطيط المحكم؟ أخبرنا أكثر عن تجربتك خلال عملية إنتاج ألبومك الأخير جميع الكائنات الحية؟ كيف عبرت عن الطبيعة عبر موسيقاك؟
أعتقد أن صنع الموسيقى دون إلهام حقيقي ليس بالأمر الصحيح، لذلك أفضل أن أمهل نفسي الوقت حتى تنشأ بداخلي الرغبة الحقيقية في الإبداع. وعندما يحين ذلك الوقت الذي أشعر فيه أن عليّ أن أبتكر شيئا جديدا، تصبح حواسي أكثر حساسية تجاه ما أراه وأسمعه وأقرأه في حياتي اليومية. ومع مرور الوقت، تنبثق لحظات خاصة تدفعني للتفكير:يجب أن أضع هذه القصة في موسيقاي.
حتى الآن ما زلت أجد تلك اللحظات غريبة ومدهشة، إذ أشعر وكأنني أنال يقينا واضحا أو وحيا يمنحني قوة داخلية عظيمة. وخلال إعداد هذا الألبوم، عشت الكثير من تلك اللحظات، لكنها لم تكن لحظات خارقة أو استثنائية، بل انبثقت من روتين الحياة العادي. على سبيل المثال: أثناء قراءة الصحيفة صباحا، أو أثناء المشي، أو ممارسة اليوجا، فجأة تتولد في داخلي فكرة جديدة.
ثم تأتي متعة تحويل هذه الأفكار إلى موسيقى، أو كتابتها على شكل نصوص تعبر عن موضوع الألبوم ومفهومه، أو في عناوين المقطوعات، أو في تصميم الغلاف والصورة البصرية الكاملة له. بالنسبة إلي، هذه العملية هي الأكثر قيمة ومتعة، إذ أشعر خلالها بأنني أسجل أثرا حقيقيا. أعتقد أن ابتكار الموسيقى بهذه الطريقة، والبحث عن الأصوات المتناغمة، ووضع ما أراه من جمال داخلها، هو في جوهره أسلوبي الأصدق في التعبير عن طبيعة وجودي. وكما أن الطبيعة في صورتها الأصيلة تمنح الإنسان أعظم سكينة وإلهام، أود أن تتسم موسيقاي هي الأخرى بهذا القدر من العفوية والطبيعية.
صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في بريطانيا. (تعود حقوق الصورة إلى سام واتسون، بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
كيف كان رد فعل الجماهير العالمية على عروضك؟ هل هناك تعليق أو رد فعل محدد عالق في ذاكرتك؟
بطبيعة الحال، ما زالت جولتي الأوروبية في أبريل الماضي عالقة في ذاكرتي بقوة، فقد قمت بها بعد إصدار الألبوم مباشرة. وأيضا، الحفل الذي أقيم في طوكيو باليابان في مايو.
كانت هذه المرات الأولى التي أقدم فيها مقطوعات الألبوم الجديد أمام الجمهور، ولذلك كنت أشعر بمزيج من التوتر والحماس. ردود فعل الجمهور كانت مشجعة، لكن أكثر ما أثر في هو فريق العمل الذي تعاون معنا في الحفل من مسؤولي المسرح أو الصوت أو الإضاءة. في البداية كانوا يحتفظون بشيء من التحفظ، لكن مع تقدم البروفات أخذوا يستمتعون بالعرض ويحركون أجسادهم مع إيقاع الموسيقى. رؤية ذلك جعلتني أشعر بارتياح وفخر إضافي.
صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في بريطانيا. (تعود حقوق الصورة إلى كايلار، بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
هل تفضل العمل بمفردك أم تحب التعاون مع فنانين آخرين؟ وكيف تختار من تتعاون معهم؟
الألبوم الأول عملت عليه مع عدة أشخاص، لكن من الألبوم الثاني وحتى آخر ألبوم عملت بشكل مستقل. أستمتع كثيرا بعملية تأليف البنية الكاملة للمقطوعة باستخدام آلات متعددة بنفسي، إذ يتيح لي ذلك إجراء تجارب مختلفة بلا قيود زمنية، وفي أي وقت أستطيع فيه التفرغ، وبالقدر الذي أرغب فيه.
لا أستطيع القول إنني أُفضّل طريقة بعينها، فأعتقد أن لكل أسلوب مميزاته وعيوبه الواضحة.
فالعمل التعاوني يمنحني طاقة جديدة من الفنانين الآخرين، كما يفتح أمامي اتجاهات لم أكن أفكر فيها، وهذا أمر ممتع بالنسبة لي. وأحيانا تراودني الرغبة في خوض تجارب مشتركة جديدة مع أشخاص أجد معهم انسجاما في الفكر والروح.
وبما أن هذا الألبوم يتكون من عدة أجزاء، فإنني أفكر، إذا سنحت الفرصة لاحقا، في إعادة توزيعه، وربما تقديم نسخة أوركسترالية منه.
في رأيك، هل تستطيع الموسيقى أن تحقق التواصل بين الثقافات المختلفة؟ وما هي الرسائل التي تحاول إيصالها عبر أعمالك؟
بالطبع أعتقد أن الموسيقى تستطيع أن تربط بين الثقافات المختلفة. لكن في الحقيقة، بما أنني أتعامل مع الآلات التقليدية، فليس هدفي الأول أن أُعرف الناس بالثقافة الكورية أو موسيقاها التقليدية بشكل مباشر. الآلات التي أعزفها هي مجرد وسيلة من الوسائل التي أعبر بها عن موسيقاي. إنني أصنع موسيقى شخصية جداً وخاصة بي، وأتمنى أن تصل إلى الناس كموسيقى إنسانية. قد تكون موسيقاي "كورية" إلى حد ما، وقد لا تكون كذلك، فهي في الواقع مزيج معقد ومتنوع.
من خلال الموسيقى التقيت بأناس طيبين كثيرين يشبهونني في الروح، على الرغم من اختلافاتهم. الغريب أن من أحبوا موسيقاي وارتبطوا بها كأن بينهم خيط خفي من الانسجام معي. وبما أن كل إنسان يحمل خلفية وثقافة مختلفة، فأنا أرى أن موسيقاي كانت بالفعل وسيلة لربط كثير من الثقافات معا.
صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في بريطانيا. (تعود حقوق الصورة إلى كايلار، بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
ضمن أعمالك، ما هي الأغنية أو القطعة الموسيقية التي تشعر بأنها تعبر عنك؟ ولماذا؟
في الحقيقة، هذا ينطبق على كل ألبوماتي وكل المقطوعات فيها، فهي تعكس حالتي وما كنت أفكر فيه في تلك الفترات. وأشعر بالرضا لأنها بقيت محفوظة كنوع من التوثيق المتتابع. لهذا أواصل العمل على الألبومات الكاملة، حتى وإن كان ذلك يتم ببطء ولكني أهم بالاستمرارية.
ما هي خططك المستقبلية؟
لدي عروض قادمة في أكتوبر في فيينا بالنمسا ولندن ببريطانيا، وفي ديسمبر تمت دعوتي لأداء عرض في مهرجان العجائب الذي سيقام في تايلاند. كذلك ستصدر نسخة محدودة على أسطوانات الفينيل للموسيقى التي أعددتها العام الماضي لمعرض نام جون بايك في متحف الفن الشرقي في مدينة تورينو بإيطاليا.
صورة لبارك جيها خلال إحدى عروضها في إيطاليا. (الصورة من بارك جيها وتم أخذ الإذن باستعمالها)
التأليف الموسيقي لا يعتمد على نص أو حبكة أو صورة مثل الأنواع الأخرى من المؤلفات. فالموسيقى هي الفن الوحيد الذي يستطيع التعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية وأعقدها دون كلمات، فالموسيقى هي اللغة الإنسانية التي توحدنا جميعا.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.