صورة للأستاذ تشارلز لا شور في مكتبه. (تعود حقوق الصورة إلى جامعة سيول الوطنية والأستاذ تشارلز لا شور وتم أخذ الإذن لنشرها)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية إيمان الأشقر
الأدب الكوري هو عالم واسع لم يستكشف بعمق بعد. ولذلك فيجب أن نحتفي بمن حاول التعمق به بصدق وتعريفه للعالم. في هذا المقال، سنتعرف على الأستاذ تشارلز لا شور، وهو أحد أهم الأساتذة الغربيين في مجال الأدب الكوري، فهو يعتبر من أوائل الأجانب الذين تخصصوا في دراسة الفلكلور الكوري.
انتقل تشارلز لا شور إلى كوريا في منتصف التسعينيات، وحصل على الماجستير والدكتوراه في الفلكلور الكوري. حاليا هو أستاذ في قسم اللغة والأدب الكوري في جامعة سيول الوطنية، كما يترجم الأعمال من الكورية إلى الإنجليزية بين الحين والأخر.
له دراسات متعددة وأبحاث في مجال الأدب المقارن، ومن أهم الأعمال التي ترجمها: رواية الزهرة السوداء لكيم يونغ ها، تاريخ الأدب الكوري لتشو دونغ إيل، وعندما لا تسير الأمور على هواك لهايمين سونيم.
تمت المقابلة عبر الإيميل في الفترة من 19 أغسطس إلى 25 أغسطس.
هل يمكنك أن تخبرنا أكثر عن بدايات رحلتك الأكاديمية؟ ما الذي جذبك إلى الثقافة الكورية؟ وما الذي دفعك إلى التخصص في الأدب الكلاسيكي والفلكلور الكوري في دراساتك العليا؟
كان الأمر محض صدفة. لم أكن أعرف الكثير عن كوريا قبل القدوم إليها، فقد أتيت قبل انتشار الموجة الكورية. كنت ملما أكثر بتاريخ الصين واليابان، وخاصة اليابان لأني درست لغتها وتاريخها في مرحلة البكالوريوس. لكن فور وصولي إلى كوريا، جذبتني بتاريخها وثقافتها العميقة.
يندهش الكثيرون عند معرفتهم بتخصصي في الأدب الكلاسيكي الكوري، ولكن الأمر كان طبيعيا تماما بالنسبة لي. فلطالما فضلت الأدب الكلاسيكي الإنجليزي عند دراسة البكالوريوس من بيوولف إلى شكسبير، لذلك بدا من الطبيعي أن أدرس الأدب الكلاسيكي الكوري أيضا.
لو علمت مدى صعوبة الأدب الكلاسيكي الكوري منذ البداية، كان من الممكن أن أغير رأيي ولكني سعيد بأني لم أفعل.
ودراسة الفلكلور هي الأخرى كانت صدفة سعيدة، فأنا لم أكن ملم بوجود هذا التخصص قبل قدومي إلى كوريا. عند اختيار التخصص عرضت على تلك الاختيارات: الروايات الكلاسيكية، الشعر الكلاسيكي، الأدب المكتوب بالهانمون (أي الأدب باللغة الصينية الكلاسيكية)، والأدب الشفهي(الفلكلور). سألت حينها عن الأدب الشفهي، وقيل لي إنه يتضمن الأساطير والحكايات وأشكال الفنون مثل البانسوري أو عروض الدمى. بدا الأمر مثيرًا، فاخترته.
عندما أنظر إلى حياتي، أعتقد أن كل ما وصلت له حاء نتيجة لقرارات عشوائية اتخذتها وأنا شاب ذو خبرة قليلة. يحسب ذلك لجرأة الشباب على ما اعتقد.
صورة للأستاذ تشارلز لا شور. (تعود حقوق الصورة إلى جامعة سيول الوطنية والأستاذ تشارلز لا شور وتم أخذ الإذن لنشرها)
كيف أثرت سنواتك الأولى في كوريا على فهمك ونظرتك نحو الثقافة الكورية، سواء كأكاديمي أو مترجم؟
جئت إلى كوريا في منتصف التسعينيات، أي قبل انتشار الموجة الكورية، ولم تكون كوريا وثقافتها حينها رائجة أو مشهورة. لم يعرف الغرب الكثير حول كوريا، ولذلك كان هدفي هو تعريف العالم الناطق بالإنجليزية بالثقافة والأدب الكوري وما يميزهما. ولذلك كانت أطروحتي للماجستير والدكتوراه هي دراسات مقارنة، حاولت فيها توضيح ما يجعل الأدب الكوري فريدا.
لا يمكنني أن أذكر بإيجاز أسباب تميز الأدب الكوري والثقافة الكورية، فكثيرا ما يطرح علي ذلك السؤال، ولكن الإجابة معقدة تحتاج إلى كتاب كامل، ربما سأكتبه في يوم من الأيام.
بما أنك أستاذ جامعي ومترجم، كيف توازن بين التدريس والترجمة، وما هي التحديات التي تواجهها في المجالين؟
ببساطة أنا لا أوازن، أو على الأقل لست بارعا في الموازنة.
كثيرًا ما نشبه الأشخاص متعددي الاهتمامات بأولئك المؤدين في السيرك الذين يحملون صحونا دوارة على أعمدة، ويستمرون في إضافة المزيد حتى يصبح لديهم عشرات الصحون. أنا لست كذلك، فتركيزي أشبه بأرجوحة، إذا ارتفع جانب هبط الآخر. لذلك فالترجمة أصبحت في مرتبة ثانوية مقارنة بمهامي الأكاديمية في هذه المرحلة. لا يعني هذا أنني لا أترجم، لكنها أصبحت رفاهية أكثر من كونها عملًا أساسيًا. ربما عليّ أن أتعلم كيف أحمل صحونا أكثر.
بالنسبة للتحديات، فالبحث والترجمة متشابهان في كونهما أعمالا فردية غالبا. لكنهما يختلفان في طبيعة العمل المنتج، فالترجمة مرتبطة بالنص الأصلي، ويختلف مدى هذا الارتباط حسب وجهة نظرك نحو الترجمة، ولكن على أي حال حتى ولو كان بها جانب إبداعي فهي ليست عمل أصلي بالكامل. بينما يجب أن يكون البحث أصليا تماما. بينما يختلف التدريس عن الاثنين، فالبحث والترجمة يتطلبان مهارات التحفيز الذاتي والقدرة على العمل الفردي، لكن التدريس يتطلب مجموعة مهارات مختلفة. وهو تحد كبير ولكنه ممتع.
كيف تطور وتغير أسلوبك كمترجم منذ عملك الأول وحتى الآن؟ وكيف يختلف تعاملك مع أنواع النصوص التي تترجمها؟ فمثلا كيف اختلفت طريقتك خلال ترجمة رواية مثل الزهرة السوداء، مقارنة برواية تاريخية مثل مشاهد من عصر التنوير، أو كتاب فلسفي مثل حين لا تسير الأمور على هواك؟
لا أشعر أن صوتي كمترجم تغير. رغبتي المثالية هي أن أنقل صوت الكاتب الأصلي وأعكسه. لا يتفق بعض المترجمين مع هذا الرأي، ودائما ما تجد بصمتهم ونبرهم واضحة، لكني لا أحاول الترجمة بهذه الطريقة. على أي حال، لا أعرف إن كنت أنجح دائما في فعل ذلك.
مع ذلك، أتعامل مع أنواع النصوص بطرق مختلفة. أنا لا أؤمن بشكل كامل بنظرية السكوبوس، التي تعطي القيمة الأهم للهدف من قراءة النص حتى ولو ابتعدنا عن النص الأصلي وغيرنا به لنصل للهدف، لكني أؤمن بضرورة التفكير في الجمهور ووضعه في عين الاعتبار عند الترجمة. فجمهور رواية مثل الزهرة السوداء ليس نفسه جمهور كتاب عن الحكمة البوذية. وبتحديد ذلك، أستطيع تحديد استراتيجياتي.
على اليمين غلاف رواية مشاهد من عصر التنوير، وعلى اليسار غلاف رواية الزهرة السوداء. (تعود حقوق الصور إلى دار داركي آركايف برس، ودار هاوتون ميفلين هاركورت)
غلاف كتاب عندما لا تسير الأمور على هواك. (تعود حقوق الصورة إلى دار بينغوين للنشر)
هل تعتقد أنه يمكن للترجمة أن تنقل روح العمل الأصلي؟ وما هي طرق بحثك عن السياق التاريخي والثقافي قبل البدء بالترجمة؟
السؤال الأول هو سؤال جوهري في فهم أصل الترجمة ومعناها وماهيتها، ولكنه ليس سؤالاً سهلاً كما يبدو. فما هي روح العمل أو جوهره من الأساس؟ وهل هي واحدة عند جميع القراء؟ إن تعمقت في هذا السؤال، ستدرك أنه لا توجد قراءة أو ترجمة قادرة على احتواء ونقل جوهر النص بالكامل. الترجمة نافذة على النص ولكنها ليست النص نفسه. إن أردت التجربة كاملة فعليك تعلم اللغة الأصلية لقراءة النص. وهذه لعنة مهنة المترجم الذي يتقن اللغة الأصلية، فهما اجتهدت في للترجمة لن ترضى عنها لأنها ليست الأصل.
أما بالنسبة للبحث عن السياق الثقافي والتاريخي، فذلك ليس صعبا بالنسبة لي فهو عملي كأكاديمي على أي حال. عند ترجمة الأعمال المعاصرة، يكون السياق واضحا حيث أني قضيت معظم حياتي في كوريا. ولكن عند ترجمة الأعمال التاريخية، أعود لأسلوبي الأكاديمي في البحث. أنا أستمتع بالبحث وأحبه، ولذلك أحيانا أبحث أكثر من المطلوب. أعتقد أنها نوعا ما مشكلة لدي.
بما أنك تعيش في كوريا منذ سنوات عديدة، ما هي أفضل الطرق التي ساعدتك في إتقان اللغة والوصول للمستوى الذي أهلك للبحث الأكاديمي والترجمة؟ وما هي الصعوبات التي واجهتك في بداية حياتك في كوريا وكيف تغلبت عليها؟
يطرح على ذلك السؤال كثيرا. وربما تبدو إجابتي تقليدية أو مبتذلة ولكن لا توجد طريقة ملكي لتعلم اللغة. حضرت دروسا مكثفة لتعلم الكورية في مراكز، ولكن الأهم كان أسلوبي خارج الدروس. تجنبت قضاء الوقت مع الأجانب، حتى لا أقع في فخ العودة للتحدث بالإنجليزية. تزوجت كورية ولكن الزواج لا يعني إجادة اللغة، فكثيرا تزوجوا كوريين وما زال مستواهم مبتدئ. لكني بعد أشهر من زواجي اتخذت قرار أنا وزوجتي بأن نتحدث بالكورية فقط، وقد رحبت بالأمر لأنها كانت قد سئمت من التحدث بالإنجليزية. التزمت بهذا القرار بالكامل رغم صعوبته، وحتى عندما لم أستطع التعبير عن شيء ما إلا بالإنجليزية. أعتقد أن عنادي وإصراري هما ما جعلاني أصل لذلك المستوى في اللغة. رغم ذلك، أنا ما زلت أتعلم وسأظل دائما.
بالنسبة للصعوبات، فكانت مزيجا من الصدمة الثقافية ومحاولتي كشاب لإيجاد مكانه في العالم بوجه عام. شعرت بالعزلة والوحدة لعدم قدرتي على التواصل مع من حولي، فلم يفهموني ولم أفهمهم. ولذلك قررت تعلم الكورية، لأني أدركت أنها سبيلي الوحيد لبناء علاقات حقيقية. تأقلمت مع الوقت تدريجيا. إدراكي بأني مختلف وسأظل مختلفا وأن ذلك ليس أمرا سيئا، ساعد كثيرا في التأقلم.
من بين أعمالك كمترجم، ما العمل الذي تشعر بأنه يمثلك والأقرب إلى قلبك؟
لا أعتقد أني أملك إجابة. لست شيئاً واحدا كمترجم، فكل ترجمة تمثل جزءا مني. ولا يوجد عمل يمثلني أكثر من الأخر.
كيف ساعدك عملك كمترجم في فهمك للثقافة الكورية وتواصلك معها؟ وهل تؤمن بأن الترجمة قادرة على تحقيق تواصل حقيقي بين الثقافات المختلفة؟
المترجم عليه أن يكون مثل موسوعة ثقافية متنقلة. عليه أن يعرف أكثر بكثير مما هو مكتوب بالصفحات، وبذلك تجعله الترجمة مرتبطا بالثقافة.
بالنسبة لدور الترجمة، فهو معقد ويعتمد على رؤيتك للترجمة. إن كنت من مدرسة تقريب النص من القارئ وجعله سهل الفهم، فيساعد ذلك على إبراز التشابهات بين البشر. أما إن كنت من مدرسك التغريب وجعل النص صعبا وغريبا بعض الشيء على القارئ، فيساعد ذلك على إبراز أهمية الاختلافات الثقافية. لكل طريقة إيجابياتها وسلبياتها، المثالي هو تحقيق المترجم لمزيج متوازن من الاثنين. لا أعلم مدى واقعية وإمكانية حدوث ذلك ولكني أتمنى.
ما هي مشاريعك القادمة كأستاذ أكاديمي ومترجم؟
قرأت مرة أن الحديث عن مشاريعك القادمة يقلل من فرصة إكمالك لها، حيث أنك تشعر بالرضا بعد الحديث عنها مما يضعف دافعك لمواصلة العمل. لا أعلم إن كان ذلك صحيحا، ولكن نظرا للصعوبات التي أواجهها في إكمال مشاريعي الكبرى، أنا مستعد لتجربة أي شيء.
أستطيع القول إن لدي العديد من المشاريع الأكاديمية ولكني لست أعمل حاليا على أي ترجمة. أود بالطبع العودة للترجمة، ولكن كما ذكرت سابقا تستغرق التزاماتي الأكاديمية أغلب وقتي.
مسيرة الأستاذ تشارلز لا شور الأكاديمية والأدبية أثبتت أن الأدب هو الوسيلة الأمثل لفهم ثقافة البلاد والتعمق فيها. كما وضحت لنا وأكدت على أن الاختلاف هو أمر طبيعي، وعلينا تقبل اختلافاتنا وملاحظة التشابهات التي تجمعنا كبشر، مهما اختلفت جنسياتنا وثقافاتنا.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.