مراسل فخري

2025.09.23

اعرض هذه المقالة بلغة أخرى
  • 한국어
  • English
  • 日本語
  • 中文
  • العربية
  • Español
  • Français
  • Deutsch
  • Pусский
  • Tiếng Việt
  • Indonesian
صورة أثناء عرض صوت كوريا في تونس، حيث امتزجت الموسيقى التقليدية الكورية مع إيقاعات حديثة وأجواء ساحرة. (الصورة من سلمى الكناني)

صورة أثناء عرض صوت كوريا في تونس، حيث امتزجت الموسيقى التقليدية الكورية مع إيقاعات حديثة وأجواء ساحرة. (الصورة من سلمى الكناني)



بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية التونسية سلمى الكناني

شهدت تونس يوم 12 أغسطس 2025 عرضًا مميزًا بعنوان صوت كوريا، حيث اجتمع الفن بالموسيقى الكورية التقليدية والمعاصرة لتقديم تجربة فريدة مليئة بالإبداع والانسجام.

افتتح الحفل بفقرة 'غيلنوري '، وهي احتفال تقليدي كوري يُقام لطرد الأرواح السيئة والدعاء بخصب الأرض. تكوّن المشهد من طقوس بالآلات الإيقاعية التقليدية، وحركات راقصة، وأصوات متناغمة، أعادت للمكان روح الطقوس القديمة والمعتقدات الشعبية. غمر المشهد الجمهور بإحساس رمزي عميق، يذكّر بأن الثقافة تتجذّر في صميم الإنسانية، وأن الشعوب عبر العصور استخدمت الفن والطقوس لنشر الأمل والمحبة. يربط هذا الطقس بين ديناميكية الحياة وحاجة الإنسان للتواصل مع روحه والعالم من حوله.

ثم جاء استكمال الرحلة مع فقرة 'لاكي سيفن '، وهي المقطوعة التي جمعت آلة 'الهاندبان ' وهي آلة غربية معاصرة بالأدوات الكورية التقليدية. خِلْطُ الإيقاع البسيط باللحن العميق خلق أجواء من التوافق والانسجام. كانت الموسيقى هنا لغة تتخطى الأبجدية، تتجاوز الحدود وتعزّز التناغم بين الثقافات، فتظهر كيف أن الإنسان رغم اختلافه، يمكنه أن يجد لحنًا موحّدًا يمكنه أن يَطمئن إليه.

بعد ذلك، عُزِفت نغمات الغناء الكلاسيكي الكوري 'جونغا ' على المنصة. بصوت راقٍ هادئ، انتقلت الحنايا القديمة من القصور إلى فضاء العرض، محمّلة بلغة العاطفة والتأمّل. عقبتها الأغنية الشعبية 'مينيو' التي شرّعت أبواب الفرح والاحتفاء بين الجمهور. في حين تعطي 'جونغا' شعورًا بالسكينة والاتصال بالروح، تمنح 'مينيو' القلب البهجة والدفع نحو الحياة.

صورة أثناء فقرة الرقص الكوري المقنّع باستخدام أقنعة مضيئة 'إل إي دي ' دمجت بين الفن التقليدي والابتكار البصري. (الصورة من سلمى الكناني)

صورة أثناء فقرة الرقص الكوري المقنّع باستخدام أقنعة مضيئة 'إل إي دي ' دمجت بين الفن التقليدي والابتكار البصري. (الصورة من سلمى الكناني)


ثم جرى استعراض فقرة الموسيقى الكورية الحُجرية، وهي عبارة عن قراءة معاصرة للألحان الشعبية الكورية، عبر مزج الآلات التقليدية مع الترتيبات الحديثة. طوّرت هذه المقاربة الفولكلور لجسر بين الماضي والحاضر، فكانت الموسيقى متنفساً فنيًا يتجاوب فيه الزمنان معًا. عندما تنصت للألحان المطوّرة، يُخيّل لك أنها تنطق بشكل جديد لا ينسى، رابطًا بين التراث الوطني والذائقة العالمية.

بعد ذلك، أطل عرض الرقص الكوري المقنّع المأخوذ عن تقليد 'تالتشوم'. الألوان الزاهية، الحركات الحيوية، والأقنعة المضيئة بتقنية 'إل إي دي' دمجت بين الفكاهة والنقد. الرقص لم يكن مجرّد أداء بصري، بل رسائل رمزية متعددة.

في فقرة مفاجئة وجميلة، قدّم الموسيقيون الكوريون أداءً مشتركًا بعنوان 'الكيبوب' والأغنية التونسية، حيث أعادوا تقديم الأغنية التونسية باستخدام آلات موسيقية كورية تقليدية بطريقة مبتكرة ومذهلة. لم يقتصر الأمر على الاستماع فقط، بل بدأ الجمهور يشاركهم بالغناء، مما أضفى أجواءً تفاعلية وحيوية، وجعل اللحظة تجربة موسيقية مشتركة مليئة بالتقارب والبهجة.

اختُتم الحفل بفقرة 'سامولنوري '، وهي أعلى درجات الأداء الإيقاعي الكوري التقليدي. تقرع الطبول مع بعضها، وتتعدّد الإيقاعات وتتداخل، في مشهد جماعي يغمره النشاط والحركة.

صورة أمام المسرح مع دعوة حضور عرض صوت كوريا. (الصورة من سلمى الكناني)

صورة أمام المسرح مع دعوة حضور عرض صوت كوريا. (الصورة من سلمى الكناني)


جسور بين الثقافات والقيم الإنسانية

أمّا ما يجعل عروض مثل صوت كوريا أكثر من مجرد أداء فني، فهو قدرتها على نقل رسائل عميقة تتعلق بالحرية، الصمود، والتواصل بين البشر. الموسيقى، الرقص، والفنون الشعبية ليست مجرد أصوات أو حركات، بل أدوات تواصل عالمية تعبر عن المشاعر الإنسانية المشتركة، وتحتفظ بالذاكرة الثقافية للشعوب عبر العصور. من خلال الإيقاعات، الألحان، والحركات التعبيرية، يستطيع الفنان أن يشارك الجمهور إحساسه بالفرح، الحزن، الأمل، والتحدي، دون الحاجة إلى كلمات.

الفن الموسيقي والرقص قادران على اختراق الحواجز اللغوية والثقافية، وإيصال الرسائل التي تتجاوز الحدود. عندما يندمج الإيقاع مع الحركة، وينسجم الصوت مع المشاعر، يصبح الأداء جسرًا يصل بين العقول والقلوب. المشاهد أو المستمع لا يبقى متفرجًا فقط، بل يصبح جزءًا من التجربة نفسها، يشارك بالحركة، بالتصفيق، أو بالغناء، ويتفاعل مع الرسالة التي ينقلها الفنان. هذه اللحظة المشتركة تولّد شعورًا بالتضامن الإنساني.

الرقصات التقليدية، مثل رقصة الأقنعة الكورية 'تالتشوم'، والموسيقى التقليدية الكورية 'غوغاك' تحمل رموزًا ودلالات عميقة حول الحرية، القدرة على الصمود، والاحتفال بالحياة رغم الصعوبات. الأقنعة، على سبيل المثال، كانت تاريخيًا وسيلة للتعبير عن الفكاهة والنقد، لكنها اليوم تمثل وسيلة للتواصل الفكري والإبداعي. إدخال تقنيات حديثة مثل الأقنعة المضيئة 'إل إي دي' أضاف بعدًا بصريًا عصريًا يربط بين التراث والابتكار، ويجعل الرسالة تصل بطرق أكثر جاذبية وتأثيرًا.

لقد حافظت كوريا على تراثها الثقافي الغني عبر القرون بصمودٍ، فالموسيقى التقليدية، الرقص، والفنون الشعبية بقيت جزءًا حيًا من الهوية الكورية، تُقدَّم وتُحتفى بها في المناسبات والاحتفالات. ومع ذلك، لم تغلق كوريا أبوابها على الماضي، بل دمجت تقاليدها مع الحداثة والتقنيات الجديدة، فابتكرت طرقًا عصرية لتقديم التراث للعالم، سواء من خلال الموسيقى الكورية التقليدية الممزوجة بإيقاعات غربية، أو الرقصات التقليدية المبتكرة باستخدام أقنعة مضيئة وتقنيات حديثة. بهذا الشكل، أصبحت كوريا نموذجًا حيًا للقدرة على الجمع بين الصمود والتمسّك بالهوية من جهة، والانفتاح على الإبداع العالمي من جهة أخرى، لتشارك العالم تراثها وتقصصه بطريقة حديثة، وتبني جسورًا بين الثقافات المختلفة.



dusrud21@korea.kr

هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.