تظهر الصورة على اليمين تابوت إياح حتب، وعلى اليسار ماريا كيم. (تعود حقوق صورة تابوت إياح حتب إلى جورج داريسي، توابيت المخابئ الملكية، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، بينما صورة ماريا كيم من صحيفة كوريا تايمز وهي ضمن الملكية العامة)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية إيمان الأشقر
يوم الاستقلال الكوري هو مناسبة وطنية يحتفل بها في 15 أغسطس من كل عام، تخليدا لذكرى تحرير البلاد من الاحتلال الياباني عام 1945. الاسم الكوري الرسمي ليوم الاستقلال هو غوانغبوكجيل وتلك الكلمة معناها الحرفي هو عيد استعادة النور أو الحرية، مما يبرز مدى المعاناة التي قاساها الشعب الكوري بسبب الاحتلال وعودتهم للحياة بعد رحيله.
لم تستقل كوريا بين ليلة وضحاها، بل كان طريق الاستقلال طويلا، مليئا بتضحيات ونضال مختلف أطياف الشعب. وقد لعبت النساء دور كبير في تحقيق استقلال بلادهن، وتوجد نماذج مشرفة عديدة يمكن الحديث عنها، ولكن في هذا المقال سيقع تركيزي على المناضلة ماريا كيم، مع مقارنتها بإحدى نماذج نضال الدولة المصرية القديمة التي شاركت في تحرير البلاد من الهكسوس "إياح حتب".
استعنت في بحث بسيط حولهما بأكثر من مرجع، أبرزهما الجزء الرابع من موسوعة مصر القديمة لدكتور سليم حسن، ودورة حركة الاستقلال الكورية والمرأة المقدمة من قاعة الاستقلال الكورية على موقع ك موك.
يظهر تصميم الصورة على اليمين غلاف الجزء الرابع من موسوعة مصر القديمة لدكتور سليم حسن، وعلى اليسار بوستر دورة حركة الاستقلال الكورية والمرأة المقدمة من قاعة الاستقلال الكورية على موقع ك موك. (تعود حقوق الصور إلى مؤسسة هنداوي للنشر، قاعة الاستقلال الكورية)
الخلفية التاريخية وبدايات النضال:
ماريا كيم كانت ناشطة كورية من أجل الاستقلال خلال فترة الاحتلال الياباني لكوريا، ولدت عام 1891 وتوفيت عام 1944. وفي عام 1968 مُنحت بعد وفاتها وسام استحقاق الاستقلال الكوري.
كانت ماريا كيم الطفلة الثالثة ليون-بانغ كيم ومنغ-أون كيم، وكانت للعائلة خلفية دينية مسيحية بروتستانتية، وعرف منزلها بالوعي الوطني، كان عمها سو بيونغ-هو وابنه سو جاي-هيون ناشطين في حكومة كوريا المؤقتة، وكانت ماريا كيم ابنة أخت الناشطة كيم سون-آي.
تبلور نشاط ماريا كيم الوطني بعد مشاركتها في حركة الاستقلال عام 1919، فشاركت في الاحتجاجات ضد مقتل الملك كوجونغ وضم كوريا من قبل اليابان، وتعرضت للحبس والتعذيب.
وبذلك بدأ نضالها النظامي حيث أنها بعد إطلاق سراحها في أغسطس 1919، وحدت عدة جمعيات نسائية لتشكيل جمعية النساء الوطنيات الكوريات.
صورة لماريا كيم. (الصورة من ويكبيديا وتقع ضمن الملكية العامة)
أما إياح حتب، كانت ملكة مصرية قديمة عاشت حوالي 1560–1530 قبل الميلاد، خلال نهاية الأسرة السابعة عشر وبداية الأسرة الثامنة عشر. عاشت إياح حتب حياة مديدة وكانت زوجة الملك سقنن رع الذي استشهد خلال دفاعه عن الأرض من احتلال الهكسوس، وقد تولت الحكم كوصية على ابنها أحمس الأول حتى بلغ سن الرشد.
تم العثور على مسلة في الكرنك تمدح قدراتها كقائدة، واستمر تقديرها وعبادتها حتى الأسرة الحادية والعشرين على الأقل.
إحدى تماثيل إياح حتب. (تعود حقوق الصورة لمتحف المتروبوليتان للفنون)
المقاومة والكفاح:
عملت جمعية النساء الوطنيات التي شكلتها ماريا كيم على تحقيق عدة أهداف: نشر المعلومات حول حركة الاستقلال في المجتمع الدولي، جمع الأموال لدعم العمل الوطني، والتطوع في التدريس والتمريض ومختلف الأنشطة المجتمعية.
ورغم ما تعرضت له الجمعية من خيانة وسجنها وتعذيبها لمدة ثلاث سنوات، لم تستسلم وفرت إلى الصين لتستكمل النضال من هناك ونشر الوعي حول القضية عالميا. وانتقلت بعدها لأمريكا ودرست هناك، وتحدثت في مؤتمرات دولية عديدة، كما أسست جمعية وطنية كورية نسائية هناك.
وحتى عند عودتها للبلاد رغم السن والمرض، كانت تدرس في أماكن نائية وتضحّي بالكثير لتحقيق حلمها في التعلم والمساهمة الوطنية.
وهي أيضا أول امرأة تنضم إلى مجلس الدولة المؤقت، ما يعكس اعتراف الحركة النسائية بمساهمتها. فمشاركتها ساعدت في التأكيد على أن النساء مواطنات كاملات الحقوق والواجبات، بما في ذلك حق التعليم والعمل السياسي.
ماريا كيم هي شخصية نموذجية تظهر كيف أن بعض النساء كرّسن حياتهن للتعليم رغم الظروف الصعبة. فلولا التعليم والوعي المجتمعي لم يكن ليصبح التحرر ممكنا.
بالنسبة لإياح حتب، فقد كان الهكسوس بالفعل مسيطرون على البلاد منذ فترة طويلة. وفي بداية حكم زوجها سقنن رع، قرر الخروج في حملة لتحرير البلاد وقتل فيها. وتولى بعده ابنها كاموس الحكم وتوفى هو أيضا بعد حكمه بثلاث سنوات. صبرت إياح حتب على البلاء الذي أصابها ووفاة الزوج والابن، وقامت برعاية ابنها الصغير أحمس وحكم البلاد والحفاظ على استقرارها. وشجعت أحمس ودافعته لاستكمال النضال فخرج مجددا في حملة ضد الهكسوس وانتصر عليهم ليحرر البلاد من ذلك الاحتلال الجائر.
فلولا تضحياتها وحكمتها في التربية وإدارة البلاد لم يكن ليتحقق ذلك الانتصار.
رحيل وبصمة لا تنسى:
عادت ماريا كيم إلى كوريا عام 1933 لكن السلطات اليابانية منعتها من النضال، فاكتفت بالتدريس ومحاولة تثقيف الفتيات عبر التعلم ليكون لديهم الوعي الكافي للتغيير. وتوفيت عام 1944 بعد أن تدهورت صحتها نتيجة لإصابات سابقة من فترة التعذيب. ولم تشهد تحرر بلادها وثمار جهدها في حياتها، ولكن بالتأكيد أثر نضالها لا يمكن أن يمحى وهي رمز وطني لا ينسى في كوريا وفي تاريخ النضال النسائي بوجه عام.
خلدت ذكرى ماريا كيم عبر الكتب وفي المناهج الدراسية والأبحاث، كما كرمتها الدولة بعدة طرق، من ضمنها: نصب تذكاري لها في حديقة بوراماي في سيول، شارع يحمل اسمها في جونغنو بسيول، إنشاء متحف باسمها لتوثيق حياتها. وتأثيرها مستمر حتى الآن، ففي هذا العام، أُطلقت حملة تبرعات بمناسبة الذكرى الـ80 لاستقلال كوريا، تركزت على تكريم ماريا كيم.
بينما عاشت إياح حتب حياة مديدة وشهدت استقلال بلادها وثمار جهدها في تربية ابنها وتشجيعه للنضال، وفي حماية البلاد وإدارتها في تلك الفترة الحرجة. ولا يوجد تاريخ محدد لوفاتها لكن يعتقد أنها عاشت عمر طويل وتوفيت بعد ابنها.
رغم مرور آلاف السنين وتعرض مصر للاحتلال من عدة بلاد وتغيرات ثقافية جذرية، ظلت سيرتها خالدة ومعروفة لجميع أفراد الشعب باختلاف مستواهم الثقافي. وذلك نتيجة لجهود في حفظ الآثار المتعلقة بتلك الحقبة وتفسير النقوش من العلماء المصريين والأجانب، والحديث عن تضحياتها في الكتب والإعلام وحتى في الثقافة الشعبية. فحتى الآن توجد أغنية أطفال تتوارثها الأجيال وتغنى في شهر رمضان، ضمن كلماتها "وحوي يا وحوي إياحا"، فرغم عدم وجود علاقة مباشرة بين إياح حتب وقدوم شهر رمضان، إلا أن ذكراها هي ذكرى الاستقلال والفرحة وبداية رمضان هي بداية شهر الفرحة، ولذلك فتواجد اسمها في الكلمات حتى ولو لم يدرك بعض الناس مغزاه مؤثر ودليل على عدم انقطاع صلة الشعب بحضارته العريقة.
بعض الصور من إحدى مقاطع الشرح لدورة حركة الاستقلال الكورية والمرأة المقدمة من قاعة الاستقلال الكورية على موقع ك موك. (تعود حقوق الصور إلى قاعة الاستقلال الكورية)
بعض الصفحات من الجزء الرابع من موسوعة مصر القديمة (تعود حقوق الصورة لمؤسسة هنداوي للنشر)
رغم اختلاف الزمان والمكان، واختلاف اللغة والثقافة، تشابهت تلك المرأتان في العزيمة والإصرار لتحرير بلادهما.
حيث أن الطريق إلى الاستقلال والحرية دائما ما يكون طويلا ومحفوفا بالمخاطر، ولذلك يتطلب الصبر والحكمة. وهاتان المرأتان كانا خير مثال على ذلك، فقد مهدتا الطريق لحرية بلادهما ولم تتوقعا نتائج فورية، بل استمر نضالهما إلى نهاية العمر أملا في مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.