تظهر الصورة الناجية لي يونغ سو، وهي تشارك في تجمع تكريمي لـنساء المتعة في وسط مدينة سيول في 13 أغسطس 2025. (تعود حقوق الصورة للمصور شاين هايم والقناة الإخبارية الدولية الناطقة بالإنجليزية التابعة لتلفزيون الصين المركزي)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية إيمان الأشقر
يوم ذكرى نساء المتعة هو مناسبة سنوية لتخليد ذكرى الضحايا من النساء الذين استعبدوا جنسيا خلال فترة الاحتلال الياباني، وهو يوافق 14 أغسطس.
لسنوات طويلة تم تهميش قضايا ومعاناة تلك النساء خوفا من الوصمة الاجتماعية، فرغم انتهاء الاحتلال عام 1945 لم تبدأ تلك القضية في الحصول على اهتمام المجتمع سوى بعد شهادة كيم هاك سون 1991، وهي أول ناجية حكت قصتها أمام الإعلام. وبعد سنوات من النضال لاسترداد الحقوق ورد الاعتبار التاريخي، تم إحياء يوم ذكرى نساء المتعة لأول مرة عام 2018.
من المؤسف أن معاناة تلك النساء وتضحياتهن ظلت في الخفاء لسنين طويلة، فقصصهن هي جزء من نسيج تاريخ كوريا وتاريخ النساء بوجه عام. فإحياء ذكراهن ليس واجب الشعب الكوري فقط بل واجب جميع نساء العالم.
وفي محاولة مني لمعرفة المزيد عن قصصهن وللمشاركة ولو بجزء بسيط في رد اعتبارهن، أجريت بحثا متواضعا حولهن بالاستعانة بكتاب تاريخ النساء ضمن سلسلة فهم كوريا، وبدورة "أثر قضية نساء المتعة والعمالة القسرية على العلاقات الكورية-اليابانية" المقدمة من المركز الأكاديمي الكوري في جامعة إينها على موقع ك موك.
وفي هذا المقال، سأشارككم أهم المعلومات والحقائق التي تعرفت عليها.
تظهر الصورة في الأعلى غلاف كتاب تاريخ النساء، وفي الأسفل بوستر دورة أثر قضية نساء المتعة. (تعود حقوق الصور إلى أكاديمية الدراسات الكورية، جامعة إينها)
حسب كتاب تاريخ النساء التابع لسلسلة فهم كوريا، فقد بدأت معاناة النساء والانتهاكات التي تعرضن لها منذ بداية فترة الاحتلال الياباني عام 1910، فتعرضن للاغتصاب والخطف ولمختلف الإهانات، ولم يتوقف الظلم عند ذلك الحد بل بدأت اليابان في تقنين تلك الانتهاكات وتنظيمها ومتابعتها خوفا على جنودهم من العدوى الجنسية فأنشئت بيوت دعارة تحت إشراف مباشر من الجيش الياباني عام 1932، كما أنه في أواخر عام 1937 تم وضع لوائح لتجنيد النساء للمتعة بشكل نظامي. تم نقل النساء قسرا من مناطق الاحتلال إلى أماكن متعددة منها ساحات القتال نفسها. بالإضافة لإجبار النساء وخطفهن لتلك البيوت، فاقتصرت الرعاية الصحية بشكل كبير على الجنود، فاهتموا بفحص النساء وخلوهن من الأمراض الجنسية قبل نقلهن، وبالطبع لم يكن من الممكن تجنب الإصابة بالأمراض فأعطوا النساء المصابات مما سمي بالحقنة رقم 606 (حقنة سلفارسان)، أو تمت معالجتهن بالزئبق، مما كان يعرّضهن لخطر الإدمان، وتم التخلي عن عدد كبير منهن دون علاج.
كانت تلك النساء في أوائل سن المراهقة حتى أواخر العشرينات ومعظمهن فقراء من مناطق ريفية، وقد كن فريسة لعمليات الاتجار بالبشر التي لم يتولاها الجيش الياباني فقط بل ساعد فيها رجال أعمال مدنيين وموظفين حكومة.
مع نهاية الحرب، قتلت العديد من هؤلاء النساء أو انتحرن، وحتى من عدن عانين من الآثار النفسية والجسدية والصدمة الشديدة.
تظهر الصورة بعض الصفحات التي تناولت تاريخ نساء المتعة داخل كتاب تاريخ النساء ضمن سلسة فهم كوريا. (تعود حقوق الصور إلى أكاديمية الدراسات الكورية)
كان ذلك تعريف ملخص بتاريخ نساء المتعة ومعاناتهن، وللتعرف أكثر على تأثير تلك القضية على المجتمع وكيف استردت النساء حقوقهن، استعنت بإحدى دورات موقع ك موك المقدمة من جامعة إينها والتي تناولت تأثير تلك القضية.
قدم البروفيسور سونغ سيوك وون شرح الجزء الذي تعلق بتعريف وتاريخ القضية، وبالاعترافات والكتب التي تناولت الموضوع وأثارته فيما بعد نهاية الاحتلال.
لم يقتصر نظام نساء المتعة على ضم النساء الكوريات بل ضم نساء من جنسيات عديدة مثل الصينيات، الفلبينيات، وحتى اليابانيات، وغيرهن.
ظلت القضية مهمشة دوليا لسنين وفي الذكرى الخمسين للحرب أنشئت رابطة البرلمانيين من أجل الذكرى في اليابان، وادعى بعض البرلمانيون أن النساء المتعة تطوعوا في نشاط تجاري دون أي إكراه وبالتالي لا توجد مسؤولية لهم فيما حدث حسب ما ادعوه. كما حاولوا مقارنة تلك القضية بظواهر وقضايا مشابهة في بلاد أخرى ليظهروا أنها مجرد ظاهرة كانت منتشرة في ذلك الوقت وغير مقتصرة عليهم، واستمرت العديد من تلك التبريرات والادعاءات حتى في الألفينيات.
صورة للبروفيسور سونغ سيوك وون خلال إحدى مقاطع الشرح الخاصة بالدورة. (تعود حقوق الصورة إلى جامعة إينها)
وهناك العديد من الكتب والأوراق البحثية التي تناولت القضية، حتى أن اليابان تمتلك عدد كتب أكثر من كوريا في محاولة منهم لدراسة الأثر الاجتماعي على نسيج المجتمع الياباني فيما يبدو، بينما تكثر الأوراق البحثية في كوريا والصين كاستجابة مباشرة وقوية للقضايا العاجلة. هناك إجمالي 886 كتاب وورقة بحثية نشروا، ومنهم 30 فقط تم نشرهم قبل 1990.
الفرق بين المنشورات قبل وبعد 1991 كبير، فبينما كانت الأعمال السابقة تقتصر في الغالب على البعد التاريخي، امتدت الأعمال المنشورة بعد 1991 لتشمل الأبعاد السياسية والاجتماعية.
وقد أصبحت تلك القضية موضوع رئيسي للأدب في الثمانينيات، فنشرت عدة أعمال روائية تتناولها من مختلف الجوانب مثل: فيلق المتطوعات لـبايك وو-آم (سلسلة من مجلدين) والنهر المفقود لـجونغ هيون-وونغ (سلسلة من ثلاثة مجلدات)، وجدار الغضب لـهوه مون-سون (سلسلة من ثلاثة مجلدات).
صفحتان من كتيب الشرح الخاص بالدورة. (تعود حقوق الصورة إلى جامعة إينها)
وبين العديد من شهادات الضحايا الكوريات واليابانيات، والأعمال الروائية والكتب التاريخية، كانت شهادة كيم هاك-سون عام 1991 الأكثر شهرة وتأثيرا.
قررت كيم هاك سون كشف تفاصيل ما تعرضت له رغم الوقع المؤلم لذلك على نفسها كشهادة من أجل التاريخ ومن أجل جميع النساء اللواتي عانين. وقد أدى قرارها هذا إلى ظهور المزيد من شهادات الضحايا.
بعدها، تأسس مجلس النساء الكوريات اللواتي جُنّدن للاستعباد الجنسي العسكري من قبل اليابان، والذي أصبح يُعرف لاحقاً باسم المجلس الكوري للعدالة والذاكرة، وكان هو الجهة التي قادت تنظيم أول مظاهرة أربعاء في 8 يناير 1992. تظاهرات الأربعاء السلمية تهدف لتذكر ضحايا نساء المتعة في الجيش الياباني وهي مستمرة حتى الآن.
قد كانت شهادة كيم مهمة للحركة النسائية، حيث نقلت قضية نساء المتعة من مجرد مسألة دبلوماسية وتاريخية بين كوريا واليابان إلى قضية ذات قيمة عالمية تتعلق بحقوق المرأة.
صورة للناجية كيم هاك سون من إحدى مقاطع الشرح الخاصة بالدورة. (تعود حقوق الصورة إلى جامعة إينها)
في ختام هذا المقال، أعبر عن احترامي وتقديري لتضحيات جميع نساء العالم اللواتي واجهن الصعاب والتهميش وقدمن تضحيات من أجل أوطناهن. كما أعبر عن امتناني لاهتمام كوريا بتوفير مصادر متنوعة وسهلة الوصول والفهم لمن يريد التعمق في التاريخ والثقافية الكورية.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.