صورة مجمعة بها ثلاث صور مختلفة تعبر عن رحلة تعلم اللغة الكورية: على اليسار البداية وفي المنتصف الإلهام من امام تمثال الملك سيجونغ وعلى اليمين الانتماء إلى اللغة. ( الصور من المراسلة زينب نيازي حسن)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية زينب نيازي حسن
في بداية رحلتي مع اللغة الكورية، كنتُ أشعر بالرهبة من شكل الحروف. بدت مختلفة تمامًا عمّا اعتدت عليه، وكنت أظن أنني سأحتاج وقتًا طويلًا حتى أستطيع تمييزها أو قراءتها. لكن المفاجأة أنّني بعد أيام قليلة فقط، بدأت أتهجّى بعض الكلمات، وأقرأ عناوين الحلقات، وحتى ألاحظ اللافتات الكورية في المسلسلات.
وقتها سمعت لأول مرة عن ‘الهانغول’، وهو نظام الكتابة الكوري الذي ابتكره الملك سيجونغ العظيم. لم أكن أعلم الكثير عنه، لكن اسمه بدأ يتكرّر أمامي كلما تعمّقت في الدراسة. قرأتُ أنه أراد لشعبه أن يتعلّم القراءة والكتابة بسهولة، فابتكر نظامًا بسيطًا ومنطقيًا، يختلف عن الأنظمة المعقّدة التي كانت موجودة في عصره.
شعرتُ أنّ هذا الملك لم يكن يُفكّر فقط في زمانه، بل في كل من سيأتي بعده أيضًا. شعرت أنّه يخاطبني أنا، الفتاة التي تعيش على بُعد آلاف الكيلومترات، وتحاول أن تتعلّم لغة جديدة بحبّ وشغف.
في كل عام، تحتفل كوريا بذكرى ميلاد الملك سيجونغ في 15 مايو. في هذا اليوم، تُقام فعاليات ثقافية متنوّعة، خاصة في ساحة ’غوانغهوامون‘ أمام تمثاله الشهير في قلب العاصمة ‘سول’. هناك عروض موسيقية، وورش لتعليم الهانغول، ومعارض تعرف الزوّار بإنجازاته. أحيانًا أرتّب حروفي الكورية في دفتري، وأتخيّل نفسي هناك، في قلب سيئول، وسط المشاركين في يوم الاحتفال، أحتفل بلغتي الجديدة وبالشخص الذي جعلها ممكنة.
ورغم أنني لم أزر كوريا بعد، أشعر أنني أشارك في هذه الاحتفالات من بعيد. ففي محافظة الأقصر بمصر هنا حيث أُقيم، نُظِّمَت ورش عمل للأطفال بمكتبة مصر العامة، برعاية الوكالة الكورية للتعاون الدولي (كويكا)، للتعريف بالملك سيجونغ ونظام الهانغول بطريقة مبسطة وممتعة. أرى الأطفال يكتبون أسماءهم بالكورية ويستمتعون بتعلّم الحروف من خلال أنشطة مرحة، وأشعر حينها أننا نحتفل بالملك سيجونغ هنا أيضًا، ولكن على طريقتنا.
بعض الانشطة من ورش العمل التي اقيمت في محافظة الاقصر بمصر احتفالا بيوم ميلاد الملك سيجونغ. (الصور التقطت بواسطة المراسلة الفخرية زينب نيازي حسن)
بعض الانشطة من ورش العمل التي اقيمت في محافظة الاقصر بمصر احتفالا بيوم ميلاد الملك سيجونغ. (الصور التقطت بواسطة المراسلة الفخرية زينب نيازي حسن)
بعض الانشطة من ورش العمل التي اقيمت في محافظة الاقصر بمصر احتفالا بيوم ميلاد الملك سيجونغ. (الصور التقطت بواسطة المراسلة الفخرية زينب نيازي حسن)
في بداية دراستي للغة الكورية وفي إحدى الحصص، طُلب منّا أن نكتب أسماءنا بالهانغول. أتذكّر جيدًا كم كنت متحمّسة. أمسكت بالقلم وكتبت اسمي للمرة الأولى، كانت الحروف تبدو جميلة ومتناسقة. شعرت أنّني لا أكتب مجرد حروف، بل أرسم جزءًا من هويّة جديدة أكتشفها.
صورة تذكارية التقطتها للبطاقة التعريفية الخاصة بي في بداية دراستي للغة الكورية. (الصورة التقطت بواسطة المراسلة الفخرية زينب نيازي حسن)
الهانغول لم تكن مجرّد وسيلة للتعلّم، بل أصبحت مفتاحًا لفهم أعمق للثقافة الكورية. من خلال اللغة، بدأت ألاحظ كيف تُبنى الجمل، وكيف تُستخدم التعابير التي تعكس القيم المجتمعية، مثل الاحترام والتواضع. بدأت أفهم لماذا يتحدّث الكوريون بطريقة معيّنة، ولماذا تكرار الكلمات أحيانًا لا يعني الإلحاح، بل يُعبّر عن المشاعر. اللغة ليست فقط وسيلة للتفاهم، بل مرآة لثقافةٍ بأكملها، وهذه كانت من أجمل الاكتشافات التي عشتها.
وبصفتي كاتبة، كانت تجربة الهانغول تجربة مختلفة تمامًا. فأنا أؤمن دائمًا أنّ الحروف ليست مجرد رموز، بل أدوات للتعبير، والصوت الذي نُظهر به أفكارنا ومشاعرنا. تعلّمي للهانغول جعلني أقدّر الكتابة من زاوية جديدة؛ كيف يمكن لحروف بسيطة وواضحة أن تحمل معاني عميقة، وأن تعبّر عن أمة بأكملها. شعرت أنني لا أدرس لغة، بل أتعلّم كيف يُفكّر شعبٌ بأكمله، وكيف يروي تاريخه عبر حروفه.
صورة لرسمة لكلمة 'هانغول' وبداخلها كلمات وحروف من اللغة الكورية للتعبير عن الشكر والتقدير للملك سيجونغ. (الصورة من حساب كوريا نت على فليكر)
لقد أصبحت كتابة الحروف الكورية بالنسبة لي عادة يومية، ومع كل مرة أكتب فيها؛ أشعر أنّني أقترب أكثر من كوريا، ومن ملك أحبّ شعبه، وأحب أن يجعل المعرفة حقًا للجميع.
ومع كل حرف أكتبه بالهانغول، أشعر أنّ هناك حبلًا خفيًا يربطني بتاريخ بعيد، بملكٍ لم يعرفني، لكنّه آمن بحقي في المعرفة. لست فقط أتعلم لغة، بل أعيش تجربة ثقافية كاملة، بدأت بحرف وانتهت بشغف. وربما في كل مرة أكتب فيها كلمة كورية بخط يدي، أقول للملك سيجونغ: شكرًا لأنك جعلتني أُحب الكتابة من جديد، بلغةٍ لم أتوقّع يومًا أن تكون قريبة إلى قلبي بهذا الشكل.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.