مجسّم بسيط للملك 'سيجونغ' تحيط به حروف 'هانغول'، في إشارة رمزية إلى دوره العظيم في ابتكار الأبجدية الكورية ونشر العلم والمعرفة. (الصورة من رنيم ابوعياش)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية الأردنية رنيم ابوعياش
في صباح ربيعي من يوم 15 مايو يحتفل الكوريون كل عام بذكرى ميلاد الملك ’سيجونغ‘، أحد أعظم ملوك التاريخ الكوري مبتكر ’الهانغول‘ وباعث النور في تاريخهم الثقافي، ليحمل معه بذرة تغيير عميق سيزهر في وجدان أمّته لقرون طويلة. كان اسمه 'ِيي دو'، لكنه عُرف لاحقًا بلقب الملك 'سيجونغ' العظيم لقب لا يُمنح إلّا لمن ترك أثرًا خالدًا في التاريخ.
’سيجونغ‘ لم يكن ملكًا فحسب، بل كان مفكرًا، عالمًا، وإنسانًا رأى في اللغة وسيلة للحرية. في زمانه، كانت اللغة الصينية الكلاسيكية هي و'سيلة الكتابة الرسمية، صعبة ومعقدة ولا يفهمها معظم الشعب الكوري. تمامًا كما كانت اللغة العربية الفصحى في فترات معينة حكرًا على النخبة المتعلمة، ولم يكن العامة دائمًا قادرين على التعبير بأنفسهم بها رغم أنها لغتهم الأم لكن الفرق أن العربية كانت دائمًا لغة منطوقة وموروثة شعبيًا، فيها ألف لهجة ولهجة تعبّر عن الناس، بينما كوريا لم تكن تملك نظام كتابة خاص بها. ولذلك، أراد 'سيجونغ' أن يبتكر شيئًا ثوريًا: نظام كتابة بسيط، صوتي، ومنطقي، يمكن لأي شخص أن يتعلمه في أيام قليلة. وهكذا وُلد 'الهانغول' هدية من الملك إلى شعبه.
قال في مقدمته الشهيرة ”إن شعبي لا يستطيع التعبير عن نفسه، لذا ابتكرت لهم 28 حرفًا يمكن لأي شخص أن يتعلمها بسهولة".
مجسّم بسيط للملك سيجونغ وهو جالس يفتح كتابًا، رمزًا لحكمته وحبّه للعلم. (الصورة من رنيم ابوعياش)
كررت هذه الجملة في عقلي مرارًا وأنا أتأمل فيها كفتاة عربية. كم هو رائع أن يفكر الحاكم في تمكين شعبه صوتيًا، لا إخضاعهم ثقافيًا. في حين أن اللغة العربية، بكل عظمتها، كانت دائمًا قوية بحروفها وجذورها، كان 'الهانغول' حديث الولادة لكنه جاء بروحٍ ديمقراطية: أن يفهم الناس، أن يُسمَع صوتهم ولم تتوقف إنجازات 'سيجونغ' عند اللغة فقد أسس مراصد فلكية، دعم العلماء والمزارعين، طوّر أدوات لقياس الوقت، وحتى ألف كتبًا عن الطب والزراعة كان يرى في المعرفة مسؤولية الحاكم، لا امتياز طبقي.
اليوم، تحتفل كوريا لأول مرة بيوم ميلاد الملك 'سيجونغ' العظيم في 15 مايو كيوم رسمي، مستقل عن يوم 'الهانغول' من أكتوبر. وتبقى ذكراه، بالنسبة لي، مصدر إلهام لكل من يؤمن أن اللغة ليست مجرد حروف، بل جسر للعدالة والكرامة, في 15 مايو، نُكرّم ذكرى ميلاده لأول مرة كيوم رسمي في كوريا، منفصل عن يوم 'الهانغول' في أكتوبر. هذا التقدير لم يأتِ من فراغ، بل من أثرٍ لا يزال حيًّا في كل بيت، وكل مدرسة، وكل كتاب يُكتب بالهانغل شكرًا لك، 'سيجونغ' لأنك آمنت أن صوت الشعب يستحق أن يُسمع.
مجسّم خشبي للملك سيجونغ تحيط به كتابات كورية وأزهار، في مشهد ينبض بالجمال والاحترام لإرثه العظيم. (الصورة من رنيم ابوعياش)
الهانغول ليس مجرد حروف، بل هدية من ملك أحب شعبه بصدق. الملك 'سيجونغ' لم يبتكر أبجدية فحسب، بل فتح أبواب المعرفة للجميع، وجعل العلم حقًا مشاعًا لا حكرًا على النخبة كل مرة أقرأ أو أكتب بهذه الحروف، أشعر بامتنانٍ عميق لهذا القائد العظيم الذي آمن بقوة الكلمة لم يكن الملك 'سيجونغ' مجرد حاكمٍ في زمانه، بل كان نورًا سابقًا لعصره، أدرك أن القوة الحقيقية لا تُبنى بالسيف، بل تُزرع في العقول. كان صوتًا للحكمة، ويدًا كريمة خطّت لأمّته طريق المعرفة. ابتكاره 'للهانغول' لم يكن إنجازًا لغويًا فحسب، بل كان فعلَ محبةٍ حقيقيّ، أراد به أن يُسمِع كل فرد من شعبه صوته، وأن يمنح كل فكرٍ القدرة على .التعبير في عيني، هو قائدٌ علّمنا أن الحروف قد تكون جسورًا بين القلوب، وأن أعظم الملوك هم من يتركون أثرًا في الضمير قبل السجلات
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.