بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية شيماء محمد رشدي
إن تأثير الأدب على المجتمع الحديث هائل، فالأدب يعمل كشكل من أشكال التعبير لكل مؤلف على حدة، وهو مرآة المجتمع ويسمح لنا بفهم العالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل، الأدب هو انعكاس للإنسانية ووسيلة لنا لفهم بعضنا البعض ومؤخرا فازت الروائية هان كانغ بجائزة نوبل فى الأدب وهو ما يضع الأدب الكوري فى مكانة عالمية وعند الإعلان بفوز هان كانغ بنوبل لأدب لم يكن وقع الاسم غريبا على القراء وذلك بفضل حركة الترجمة إلى اللغة العربية فكثير من روايات هان كانغ قد تم ترجمتها إلى اللغة العربية على يد المترجم المصري محمد نجيب الذي نقل لنا عالم روايات هان كانغ بدقة لذلك قمت بتواصل به لعمل حوار فى 11 من أكتوبر عبر الإيميل وكان لنا هذا الحوار الشيق.
مرحبا أستاذ محمد نجيب عرفنا علي نفسك وعلي اخر ترجماتك من الأدب الكوري؟
محمد نجيب مترجم مصري من اللغة الكورية والإنجليزية، صدر من ترجمتي نحو ثلاثين عملًا، آخر ترجماتي المنشورة هي رواية دروس إغريقية للكاتبة هان كانغ عن دار تشكيل السعودية، تتناول الرواية قصة إنسانية مؤثرة لامرأة فقدت القدرة على الكلام بعد أن خسرت قضية حضانة ابنها، مما جعلها تفقد رغبتها في التواصل والكلام، وقررت هذه المرأة أن تتعلم لغة ميتة لا تُستخدم اليوم، وهي اللغة الإغريقية، وتتميز الرواية بأسلوب سردي فريد، حيث يروي كل فصل من منظور شخصية مختلفة.
ما الذى جعلك تهتم بالترجمة ومتى كان أول عمل روائي مترجم لك ؟
اهتمامي بالأدب والقراءة نشأ منذ الصغر، لذا لطالما تصورت أن يكون لي مساهمة ونشاط في مجال الكتابة الإبداعية، القراءة هي هوايتي المفضلة منذ الصغر و يعود الفضل في ذلك إلى أبي فقد حرص على شراء الكتب والروايات لي ولأخوتي وغرس عادة القراءة بداخلي منذ الطفولة، كما أنني قد عشقت اللغة
العربية والكتابة الأدبية طوال حياتي ويراودني دائمًا حلم بأن أنشر رواية تحمل اسمي. فزت بعدة جوائز للقصة القصيرة والصحافة المدرسية خلال مراحل الدراسة المختلفة، ثم حين تخرجت في كلية الطب، أصبح لدي متسع من الوقت لممارسة الكتابة واستعادة شغفي باللغة العربية إلى جانب عملي الطبي، في البداية تصورت أن الترجمة ستكون فترة مؤقتة ستساعدني على أن أكون روائيًا في المستقبل وستنمي خيالي ولغتي قبل أن أتفرغ للكتابة الأدبية، بدأت في تعلم اللغة الكورية والفرنسية منذ عام ٢٠١٤م لكني وقعت في حب الترجمة وتعلم اللغات وصارت عشقًا مستقلًا عن طموح الكتابة الأدبية، تعلم لغة جديدة يفتح للإنسان بابًا سريًا يفضي إلى عالم جديد رحب من تاريخ وثقافة وأدب وموسيقى وطعام وعادات وتقاليد شعوب مختلفة عنا، من المستحيل أن نعدّد كل الأفاق والفرص التي يتيحها تعلم لغة جديدة، أول عمل أترجمه كان كتابًا عن الإنجليزية اسمه (دماغ مشتعل)، ثم نُشِرت لي أول قصة قصيرة مترجمة عن الكورية بعنوان ( اركض يا أبي!) للكاتبة الكورية المميزة كيم إي ران في مجلة الدوحة الثقافية، ثم تواصلت مع دار التنوير لترجمة روايتيّ الكتاب الأبيض وأفعال بشرية لهان كانغ وهكذا كان الكتاب الأبيض أول عمل روائي أترجمه عن الكورية وقد نُشر في شهر سبتمبر من عام 2019.
من خلال ندواتك الأدبية لاحظت أن أعمال الكاتبة هان كانج الأقرب لك عند الترجمة ما رأيك؟ ولماذا؟
هان كانغ كاتبة مميزة لها مشروع واضح يستحق الترجمة ككل وليس مجرد عمل واحد، لدى كانغ موهبة نادرة في تحليل النفس البشرية ونقد العنف البشري بكل أشكاله ورغم ذلك تتناول تلك المواضيع بأسلوب شاعري مكثف ومرهف. كل عمل أدبي تكتبه كانغ مختلف عن الآخر في بنائه الأدبي وحبكته وتعدد الأصوات الروائية، فالنباتية والكتاب الأبيض وأفعال بشرية ودروس إغريقية، كل كتاب منها مختلف تمامًا عن الآخر في طريقة كتابته، وقراءة كل كتاب منها بمثابة تجربة جديدة للقارئ.
الترجمة من اللغه الكوريه للعربيه ليست مجرد ترجمة بل أيضا تنقل مشاعر الروائي باللغة العربية هل قابلت الكاتبة هان كانج او اي من كتاب الروايات الكورية قبيل ترجمة الروايات لتنقل الصورة بهذا العمق؟
تواصلي مع الكتَّاب اللذين أترجم لهم يكون عادة من خلال البريد الإلكتروني لاستيضاح بعض التفاصيل ومعاني الكلمات الدقيقة في النص، قبل اختيار ترجمة أي عمل أحرص على قراءته مرتين وإجراء بحث عن الكاتب وأعماله الأخرى ومعرفة الأبعاد التاريخية والسياسية، الذي تدور في فلكه الرواية، ففي رواية أفعال بشربة لهان كانغ دفعتني إلى القراءة كثيرًا عن انتفاضة غوانغجو1980، ورواية فتاة كتبت العزلة أخذتني في رحلة عبر كوريا فى الستينات والسبعينات، وهذا الجانب البحثي مهم وجزء من عمل المترجم حتى يتمكن من أدواته.
كيف شعرت بعد فوز هان كانج جائزة نوبل للأدب هل توقعت ذلك؟
يومًا ما وكان السؤال دومًا هو متى؟ تفاجأت بتحقق ذلك أسرع من المتوقع، توقعت وتوقع الكثيرون أن هان كانغ ستفوز بنوبل للأدب.
سعدت كثيرًا بفوز كانغ بالجائزة وأنني لعبت دورًا بتعريف القارئ العربي على أعمالها، فوز كانغ يتجاوز ما هو شخصي فهو انتصار للأدب الكوري ويُضاف إلى الإنجازات الضخمة والسريعة التي تحققها الموجة الكورية الهاليو.
فوز فيلم الطفيلي بالسعفة الذهبية في مهرجان كان وبأفضل فيلم ومخرج في الأوسكار، ورواج الدراما الكورية على أهم المنصات والقاعدة الجماهيرية العالمية، وحصول كانغ على أسمى تتويج أدبي عالمي وهو نوبل للأدب كل هذا ليس وليد الصدفة.
هان كانج أول كوريه تفوز بجائزة نوبل للأدب لنثرها الشاعريّ المكثّف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويعرّي هشاشة الحياة هل تشرح العبارة للقارئ ؟ وكيف تري مستقبل الأدب الكوري بعد الجائزة
البيان الصحفي الأولي عادة ما يكون موجزًا وهو يشير إلى أسلوب هان كانغ الفريد أسلوب شاعري ومرهف الحس ويعج بالتشبيهات ومن خلال هذا الأسلوب تتناول هان كانغ وصدر لها ديوان شعر، وهذا ليس غريبًا فهان شاعرة الشاعرية ويتضمن أحيانًا قصائد شعرية، و أي متعمق في أدبها يعرف أن مشروعها الأدبي مكتمل الملامح فشخصيات هان كانغ هشة وتعتريها في الأغلب مشاعر انهزامية ومستسلمة وتعاني من عقدة الناجي أو تأنيب الضمير، ولطالما أثار دهشة كانغ هذا التناقض الرهيب بين قدرة البشرة على ارتكاب العنف وإيذاء الآخرين وبين قدرتهم على العطف والحنان والإيثار، فوز هان كانغ بنوبل فيه شيء من الانتصار لثقافة ولغة وأدب كوريا الجنوبية ودور النشر الصغيرة وتقدير لمترجمي الأدب الكوري إلى شتى اللغات.
مستقبل الأدب الكوري مشوق لأي أحد مهتم به، المشهد الأدبي الكوري الآن تسيطر عليه أقلام شابة وأغلبها نسائية، وكل عام يظهر اسم في تزايد مستمر جديد مبشر، وحركة ترجمة الأدب الكوري فى تزايد مستمر.
واحدة من رواياتي المفضله رواية الكتاب الابيض لهان كانغ لاني أجد فيها عمق إنساني كبير هل تعتقد أن شخصية الكاتبة تدخلت في اعمالها؟
الكتاب الأبيض عمل أدبي عصي على التصنيف، أحيانًا تصنيفه على أنه رواية يظلمه ويضع في مخيلة القارئ توقعات مسبقة، وأرى أن الكتاب الأبيض مرثية من هان كانغ إلى أختها الكبرى التي توفت بعد ساعتين من ولادتها من خلال بناء سردي مبتكر وشجي؛ تأمل فى الأشياء البيضاء ومحاولة لإعادة تشكيل حياة أختها الكبرى لو كان قد كُتِب لها الحياة، وهكذا تنهل كانغ مما هو شخصي لتنسج نص قد يكون له تأثير علاجي وقد يتعاطف معه أي قارئ مرَّ بحدث فقد أليم.
كيف أثر الأدب الكوري في شخصية محمد نجيب كمترجم ؟
جمال الأدب في جانبه الإنساني الذي لا يختلف مهما كانت جنسية هذا الأدب الأدب الكوري أدب إنساني متنوع بامتياز، وتاريخ كوريا مليء بالأحداث التي تستحق الحكي والتعرف عليها والتي تمتد من عصر مملكة جوسون وصولًا إلى الربع الأول من القرن الحالي، رواية أفعال بشرية لهان كانغ آثرت فيّ كثيرًا وربما من الروايات القليلة التي جعلتني أبكي أثناء قراءتها لأنها تتناول فترة عصيبة من تاريخ كوريا وتمتلئ بالكثير من المشاهد المؤثرة، كل عمل أبدأ بترجمته رحلة طويلة أخرج منها وأنا متمكن أكثر من اللغة وبمعرفة أكبر عن الثقافة الكورية وعن نفسي كإنسان.
dusrud21@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.