الصورة المجمعة لغلاف رواية ’أرجوك اعتني بأمي‘ وبوستر فيلم ’كاسيوبيا‘. (تم عمل الصورة بواسطة شيماء رشدي والصورة شيماء رشدي لغلاف الكتاب والبوستر من صفحة الرسمية للمركز الثقافي الكوري على الفيسبوك)
بقلم مراسلتي كوريا نت الفخريتين المصريتين شيماء محمد رشدي وياسمين مدحت
يشاهد الجميع مقاطع الفيديو سواء كانت على التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أو دور السينما. ويمكن القول إن صناعة السينما هي واحدة من أكثر القطاعات تأثيرًا في المجتمع الحديث. تجعلنا المسلسلات الكوميدية والعروض الكوميدية نضحك، وتساعدنا أفلام الإثارة النفسية على رؤية العالم من منظور محسن، وتساعدنا الأفلام التاريخية على فهم من أين أتينا كشعب. كل فيديو وكل فيلم يعكس المجتمع ويغير الكثير من آراء المجتمع بل ويسلط الضوء على المهمشين والضعفاء.
والأدب والقصص هي أساس الداراما والأفلام، لذلك منذ كنت صغيرة، كانت القصص جزءًا من حياتي. وأصبحت قراءة كتاب قبل النوم جزءًا من نظامي الطبيعي حيث يمكنني الهروب إلى عالم آخر.
وأعتقد أن الأدب والروايات تعتبر أكثر من ذلك. فهي تجعلك قادر على تجاوز حدود الزمان والمكان، وتشكل أفكارك تغيرات مهمة في المجتمع.
وفي هذا المقال سنتناول الحديث عن الأفلام الكورية الذي تم في سينما الزمالك في القاهرة في الفترة من ٢٤ نوفمبر إلى ٢٧ نوفمبر لعام ٢٠٢٢، وهو فيلم ’كاسيوبيا‘ للمخرج ’شين يون شيك‘ وهو فيلم ختام المهرجان ورواية ’أرجوك أعتني بأمي‘ من تأليف الكورية ’كيونغ سوك شين‘.
تدور أحداث فيلم ’كاسيوبيا‘ الذي عُرض في يونيو هذا العام عن امرأة في الثلاثينيات من عمرها تصاب بالخرف نتيجة اصابتها بالزهايمر المبكر فيحاول أبوها مساعدتها على التأقلم مع هذا المرض بينما تحاول هي اخفاء الأمر عن ابنتها التي تعيش مع أبيها في الولايات المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الفيلم حصد جائزة أفضل فيلم في الدورة الثانية والأربعين من الرابطة الكورية لنقاد السينما وقد استلم المخرج الجائزة.
الصورة تظهر ياسمين مدحت أمام بوستر الفيلم كاسيوبيا. (الصورة من ياسمين مدحت)
يجسد الفيلم معاناة البطلة التي نشأت وحيدة حيث كان والديها يعملان بالخارج ثم تزوجت وانفصلت عن زوجها الذي سافر ليستقر في الولايات المتحدة، فأرسلت ابنتها لتعيش مع والدها هناك لفترة وأخذت تمارس عملها كمحامية ناجحة. ولكنها في يوم ما أخذت تبحث في كل مكان عن ابنتها التي كانت بالفعل أرسلتها للخارج، حيث بدا على وجهها ملامح الاضطراب والصدمة وعندما هاتفت والدها لسؤاله عن الطفلة، تعجب كثيرا وظن أنها تحت تأثير الصدمة. فاصطحبها فيما بعد للطبيب ليكتشفا اصابتها بالزهايمر رغم صغر سنها. وإثر عدم استيعابها للصدمة تعيش اسوء أيام حياتها فتحاول أن تنكر مرضها حتى أنها سخرت ذات مرة من باقي مرضى الزهايمر في دار رعاية المرضى قائلة بأنهم أشبه بالزومبي ثم انهارت تماما. ولكن مع تطور المرض بشكل سريع أصبح الوضع أكثر مأساوية لدرجة محاولتها الانتحار. وفي ظل كل هذه الظروف الصعبة التي كانت تمر بها، كان يلمس مشاعرنا ما نراه من الدعم المعنوي الذي يقدمه أبوها لها، وكانت أكثر مشاهد مؤثرة هي رجوعها كالطفلة الصغيرة التي تحتاج رعاية كاملة. فكان أبوها يوقظها صباحا ويحرص على فعل روتين يومي خاص حتى يساعدها على تنظيم تفكيرها، ثم يطعمها ويساعدها في ارتداء ملابسها ويقرأ لها الكتب ويحضر لها ألعاب تنمية العقل ويصطحبها إلى دور الرعاية الخاصة حيث تقابل مرضى الزهايمر الآخرين ويقومون بأنشطة مشتركة سويا. ومع تطور المرض الذي كان يفترس عقلها تماما، كانت تعاني من اضطرابات المزاج المستمرة، وتقوم بالكثير من الأفعال الغريبة مثل أكل الورق، كما فقدت القدرة على تمييز الأماكن والأشخاص المحيطة. فكان أبوها يلقنها بعض الكلمات البسيطة كالأطفال والتي تستطيع عن طريقها طلب المساعدة أو الدفاع عن نفسها عند الخطر.
من أكثر المشاهد الصادمة هو فقدانها للسيطرة لأول مرة على نفسها تماما (التبول اللاإرادي) في قاعة المحكمة، حيث كانت تشهد في قضية ضياع أوراق قضية مهمة وتم اثبات عدم مسئوليتها بسبب المرض.
أما عن أكثر مشهد أثر في لدرجة البكاء هو مشهد لقائها بابنتها التي لم تتذكرها بالفعل، وذلك بعدما تعرض الأب لحادث سيارة ومكث في المستشفى لفترة ولم تعرف كيف تذهب إليه فكان تمكث وحيدة في المنزل وعندما تخرج، تضيع طريقها حتى وجدتها ابنتها وقالت لها أنها ستبقى الأم القوية حتى النهاية وحتى إذا ضعفت ستجدها بجوارها دوما.
الصورة تظهر بوستر فيلم كاسيوبيا. (الصورة من صفحة الفيسبوك الرسمية للمركز الثقافي الكوري)
الأم هي العنصر المشترك ما بين الفيلم والرواية، فرواية ’أرجوك اعتني بأمي‘ عبارة عن نسيج متشابك من الروايات التي تصور الخسارة والمعاناة التي شعرت بها عائلة كورية عندما انفصلت الأم عن زوجها في مترو أنفاق واختفت وسط الزحام. وبدأت الأسرة في البحث عنها في كل أرجاء المدينة البحث الذي يستمر لشهور، فقط للعثور على الأم في طرق مسدودة وخيوط فارغة لا تصل بيهم حول مكان وجودها.
الرواية تسلط الضوء على أمر هام وهو وجود الأم التي لا تحظى بالتقدير في حياتنا فعندما نكون صغارًا، غالبًا ما نأخذ العمل الشاق لأمهاتهم ورعايتهم كأمر مسلم به، ونفترض أنهم سيكونون دائمًا هناك عندما نحتاج إلى مساعدتهم أو مشورتهم.
غلاف رواية ’أرجوك إعتني بأمي‘. (الصورة من شيماء محمد رشدي)
رواية ’أرجوك اعتني بأمي‘ تقدم لنا سيناريو مرعب، ماذا ستفعل إذا اختفت والدتك فجأة دون أن تترك أثرا؟
والحكاية تروي من أربع وجهات نظر مختلفة داخل الأسرة. الابنة تشي هون، وهي كاتبة معروفة على نطاق واسع لم تكن علاقتها بأمها سلمية دائمًا، الابن الأكبر هيونغ تشول، ربما يكون المفضل لدى الأم من بين الأطفال الثلاثة، والذي يشعر أنه مثقل بمسؤولية رعاية الأسرة بأكملها منذ الطفولة، الأب، وهو رجل ممزق المشاعر يدرك الآن فقط مشاعره العميقة تجاه زوجته، والأم نفسها كما نرى الرحلة الغريبة التي تقوم بها وانعكاساتها على حياتها.
وقد صنعت المؤلفة ’كيونغ سوك شين‘ لحظات مؤثرة للروح من أبسط إيماءات الشخصيات في الرواية، الرواية تجعلك تتعاطف مع جميع الشخصيات فشخصيات كلها عواطف إنسانية وحقيقية ولا تُنسى.
نكتشف في رواية كيونغ سوك شين قلوبنا غير الممتنة. فنحن ننظر إلى الأشخاص الذين نعيش معهم كل يوم بأهمية قليلة جدًا، ونفكر في أفعالهم على أنها شيء يقع ضمن التوقعات. فنحن نفقد فكرة أن هذه المرأة التي نطلق عليها اسم الأم هي شخص، شخص له تاريخ خاص بها. ونعم، الأطفال هم أكثر الناس جحودًا وهذه الرواية لا تخجل الكاتبة من هذا. غالبًا ما يأتي الامتنان تجاه والدينا في مرحلة البلوغ عندما نخرج من أنفسنا ونتعرض للفقد، كما يفعل الأبطال في هذه الرواية.
من أكثر مقاطع الرواية تأثيرا في نفسي "هل تعتقد أننا سنكون قادرين على البقاء معها مرة أخرى، حتى لو كان ذلك ليوم واحد فقط؟ هل تعتقد أنه سيمنحني الوقت لفهم أمي وسماع قصصها ومواساتها لأحلامها القديمة المدفونة في مكان ما على صفحات الزمن؟ إذا مُنحت بضع ساعات، فسأخبرها أنني أحب كل الأشياء التي فعلتها، وأنني أحب أمي، التي كانت قادرة على فعل كل ذلك، وأنني أحب حياة أمي، التي لا يتذكرها أحد. أنا أحترمها".
هذا الجزء من الرواية يجعل دموعك تنزل بشكل تلقائي لمجرد هذا التخيل المرعب شعور الندم الاشتياق والحنين كلها تجمعت في بضعة سطور لتأثر في روحي أثر كبير وليس هذا المقطع الوحيد لكن كل أجزاء الرواية تجعلك تدرك أهمية الأم.
وما بين الرواية والفيلم دموع كثيرة وجوانب إنسانية عظيمة وتسليط الضوء على مرض الزهايمر ومشاعر الأبناء عندما يفقدون أهم ما يملكون وهي الأم.
ess8@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.