الصورة تظهر رسم لوحة الإنتظار الأصلية للفنان شين يون بوك (الصورة والرسم من المراسلة الفخرية شيماء محمد رشدي)
بقلم مراسلة كوريا نت الفخرية المصرية شيماء محمد رشدي
’طال انتظاري كأن الزمان تلاشي فلم يبقي إلا الانتظار وعيناي ملء الشمال البعيد فيا ليتني أستطيع الفرار‘
تلك الأبيات الشعرية للشاعر العراقي ’بدر شاكر السياب‘ ظلت تتكرر في رأسي كثيرا وأنا أتأمل لوحة الفنان ’شين يون بوك‘ من عصر مملكة جوسون (1392-1897م) بعنوان ’الانتظار‘ (كيداريم) تلك اللوحة التي تتذوقها بقلبك قبل عقلك.
اللوحة من فن مينهوا وكلمة مينهوا تعني حرفياً ’رسم الشعب‘ أو ’اللوحة الشعبية‘، غالبًا ما كان هذا النوع من اللوحات من عمل حرفيين مجهولين التزموا بإخلاص بالأنماط والشرائع والأنواع الموروثة من الماضي، وتضمن فن المينهوا أيضًا بُعدًا سحريًا، إذ كان يعتقد أن لها فضائل مفيدة لمن يقتنيها في منزله ففيها حماية المالك وعائلته من قوى الشر، وكان فن المينهوا يتميز بمواضيع شائعة مثل الرافعات والصخور والمياه والسحب والشمس والقمر وأشجار الصنوبر والسلاحف والحشرات والزهور.
لذلك عند حضوري معرض الفنون الذي أقامه المركز الثقافي الكوري في مصر في متحف أحمد شوقي عام ٢٠٢١ وتوقفت كثير أمام فن المينهوا واعجبني جدا وقررت أن أشارك معكم رأيي لواحده من أجمل اللوحات لوحة الانتظار.
الصورة تظهر المراسلة الفخرية شيماء محمد رشدي التي تقرأ عن فن المينهوا في معرض الفنون الكورية وتتأمل جمال لوحاته (الصورة من سميه طارق)
فإذا تأملنا سويا اللوحة نجد امرأة طويلة ذات شعر بدون آي حلية تتكئ على الحائط تحت شجرة الصفصاف وتحدق إلى ما لا نهاية في زاوية الطريق وهي ترتدي مريلة ’مئزر‘ فوق ملابسها، تحمل قبعة ’سونج ناك‘ -وهي قبعة يرتديها الرهبان- تحملها خلف ظهرها. لا تظهر المرأة وجهها على الإطلاق لذلك، لا يمكننا قراءة ملامح وجهها وأيضًا لا نستطيع قراءة مشاعرها. تقوم بالنظر في إتجاه شجرة الصفصاف كما لو أنها لا تريد أن يكتشف المشاهدون عنها شيء. هكذا يقرأ العقل اللوحة أما القلب فيشعر بحزن عميق في هذه اللوحة فالمرأة تنظر إلى أبعد من شجرة الصفصاف هي تنظر في شوق ولهفة وخوف تنتظر حبيبا تعرف أن حبها له مستحيل فهي تحمل في يديها قبعة ’سونج ناك‘ وهي قبعة يرتديها الرهبان البوذيون بشكل يومي إذا فهذه المرأة في حب حزين لن يتحقق أبدًا. وكما نعلم، فإن القواعد السليمة للبوذية هي أن الرهبان يقطعون كل الروابط مع العالم ويكرسون أنفسهم لممارستها. هذه المرأة، التي تعرف هذه الحقيقة أفضل من أي شخص آخر، لديها حب حزين لن يتحقق أبدًا. حبها المؤلم ربما جعل عيناها ممتلئة بالدموع وأكتافها النحيلة يرتجفان لهذا السبب لا تظهر وجهها لنا. وربما تعلم أن حبيبها لن يأتي أبدا لكنها تنتظره وهي تمسك شيء من أثره المتمثل في القبعة فهي تنتظر حبيبها دون وعد باللقاء فقط أخذها شوقها للحبيب وعدم القدرة على نسيانه.
يرمز المئزر ’المريلة‘ الذي ترتديه المرأة إلى العمل الشاق الذي تقوم به فمن خلال جعل هذه المرأة ترتدي مئزرا، يلمح الفنان إلى أنها كانت مشغولة للتو بالأعمال المنزلية، ولكن في هذه اللوحة، يبدو أشبه برمز لإمرأة تتكيف بهدوء مع الحياة القاسية. وإذا إقتربنا من الرأس نجد لديها خصل شعر صغيرة مبعثرة من رأسها تبدو مثل الزغب على جبهتها ومؤخرة رقبتها يجعلها تبدو جميلة. تم تصوير رمز آخر للبوذية في هذه اللوحة، إلى جانب قبعة ’سونج ناك‘ فبجانب المرأة توجد شجرة صفصاف كبيرة (ترتبط شجرة الصفصاف ارتباطا وثيقا بالبوذية) وبجوار الجدار أيضا، يتدلى فرع صغير من الصفصاف يبدو مثل الستارة في يوم ربيعي خلف المرأة لا أدري لماذا شعرت أن المرأة تنتظر حبيبها في فصل الربيع فربما أوراق الأشجار المنسدلة في إشراق أشعرتني بذلك.
إذا اعتقدنا أن ’شين يون بوك‘ كان ينوي التعبير الرمزي عن شيء، فإن شجرة الصفصاف في الصورة ليست مجرد شجرة صفصاف، ولكن يمكن تفسيرها على أنها رمز للعالم المستحيل وحب المرأة المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه إذا الانتظار في هذه اللوحة هو الانتظار المؤلم الذي خلفه الحب المستحيل.
لوحتنا اليوم مزيج من المشاعر فهل يوجد أصعب من الانتظار وليس انتظارا عن أمل ولكن انتظار بلا أمل وشوق وحنين دون لقاء. تلك هي القصة التي قرأتها بقلبي وهزت مشاعري للوحة رسمها ’شين يون بوك‘ بكل هدوء ودقة وجراءة لتناول قصة أعتقد أنها جريئة ومتمردة في عصرها وهو ما يميز الفنان ’شين يون بوك‘. لوحة ’الانتظار‘ لوحة تحرك القلب وتفيض بالمشاعر.
الصورة تظهر اللوحة من معروضات فن المينهوا داخل معرض الفنون الكورية تسمي اللوحة بطيخ وفأر (الصورة من المراسلة الفخرية شيماء محمد رشدي)
ess8@korea.kr
هذه المقالة كتبت بواسطة المراسلين الفخريين. مراسلونا الفخريون هم مجموعة من المراسلين حول العالم يشاركون
شغفهم وحبهم لكوريا وثقافتها.