أخبار

القمة الكورية-الكورية.. قمة القرن

2018.05.01
samyrahad_in1.jpg

 :بقلم

سامي رشاد

لعل المطلعين على الوضع الراهن في منطقة شرق آسيا قد اعتراهم قلق مستمر تخللته فترات من التوجس والترقب لما ستؤول عليه الأحوال في شبه الجزيرة الكورية خاصة والعلاقة بين الكوريتين كانت دائما سجالا مستمرا لإيكاد يمر يوم أو يومان إلا والجديد من التصريحات والتلميحات والاستفزازات يملأ الصحف والنشرات. ولعل طول المدة منذ أن بدأ هذا السجال بعد انتهاء الحرب الكورية وإعلان وقف إطلاق النار بين الشقيقتين قبل زهاء ٦٥ عاما كان سببا رئيسياً في فقدان الأمل في رؤية أي تطور أو حتى تغير يخرج شبه الجزيرة الموجودة في أقصى شرق العالم من دائرة التوتر العالمي التي تتمركز في منطقة الشرق الأوسط. كانت هذه هي الصورة الثابتة التي لا تتغير في أذهان الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط ولا أكون مبالغا قلت أن هناك من كان يرى في التجاذب و التنافر بين الكوريتين عزاءا لما انفرد به الشرق الأوسط من مِحَن و بلايا عن باقي مناطق العالم إلا فيما بين الكوريتين.

يعرف جميع المهتمين بتاريخ كوريا الحديث أنه سبق لرئيسي كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية أن التقيا في اجتماعي قمة قبل ذلك. كان ذلك في بيونج يانج عاصمة كوريا الشمالية في عام ٢٠٠٠ بين الرئيس الكوري آن ذاك كيم داي جونج والراحل كيم جونج إيل ابن الرئيس كيم إيل سونج مؤسس كوريا الشمالية وأبي الرئيس الحالي كيم جونج إن. أما اللقاء الثاني فكان في العام ٢٠٠٧ أيضاً في بيونج يانج بين الراحلين نو مو هيون رئيس كوريا الجنوبية وكيم إل جونج رئيس كوريا الشمالية. وقد وصف المحللون والمراقبون هاتين القمتين بالتاريخيتين و قد صدرت عنهما حزمة من القرارات أغلبها يتعلق بالمساعدات الجنوبية للشمال وتسهيل التواصل بين الشعبين و لم الشمل بين العائلات المتفرقة إبان الحرب والانفصال وتنظيم لقاءات دورية بينها.

أما عن قمة ٢٠١٨ فأستطيع أن أقول إنها تعد من أهم الحوادث التاريخية في تاريخ كوريا الممتد لـ ٥٠٠٠ سنة. كيف لا وقد كانت الحدث الذي جذب انتباه العالم أجمع من أدناه إلى أدناه إلى منطقة شبه الجزيرة الكورية وتابع الناس بلهفة وترقب لما سيكون عليه هذا اللقاء وما سيصدر عنه من قرارات وتصريحات من كلا الرئيسين. وليس من المبالغة أن نقول إن المتابعين لهذا اللقاء وأنا منهم قد اهتموا بطريقة مشية الرئيسين ولهجتهما وعدد المرات التي نظرا فيها إلى بعضهما وابتسما وكم مرة تغيرت لهجتهما في الكلام وكل هذه التفاصيل البسيطة أيضا كانت محل اهتمام من جميع المشاهدين للقمة وذلك إنما يدل على مدى الترقب الذي حمله الناس في جميع أنحاء العالم تجاه هذا اللقاء التاريخي ومدى وعي الناس بأهميته وضرورة تحسن الأوضاع بين الكوريتين من أجل المصلحة العامة لجميع دول العالم.

لقد أسفر هذا الاجتماع الاستثنائي عن العديد من القرارات والنتائج التي أثرت في وجدان الناس ليس في كوريا الجنوبية والشمالية فحسب بل في العالم اجمع. فشبه الجزيرة الكورية التي طالما عهدناه منطقة توتر وهجوم ودفاع وتهديد واستفزاز واستنفار تعهد زعيماها بإنهاء هذه الحالة من عدم الاستقرار ودفعها إلى طريق سلام لا رجعة فيه. كان السرور يغمرني والفرحة "مش سايعاني" عندما صدر بيان عن الرئيسين يتعهدان فيه بإنهاء حالة الاستفزاز بين البلدين والتخلص من كل الطرق والوسائل التي كانت تستخدم فيها بما فيها الميكرفونات والملصقات الجدارية التي كانت تستخدم على الخط الحدودي لإذاعة النشرات والتهديدات. بدا للناظر من هذا القرار أن الزعيمان قد عزما عزماً أكيداً على قطع دابر النزاع المسلح الذي كان كافيا لجعل المواطنين في البلدين يرتجفان خوفا عندما يشتد وكنت أنا شاهداً عليه في كرّاتٍ عديدة. أضف إلى ذلك اتفاقهما على إنها جميع الاستفزازات العسكرية على طول أماكن التقارب البحرية وجعل البحر الشرقي والغربي أماكن آمنة للأنشطة الملاحية وأعمال الصيد. وعلى الصعيد الإنساني فإن الاتفاق بإعادة الزيارة والاتصال وتيسير اللقاء بين المسؤولين من كلا الجانبي تمهيدا للوحدة الشعبية كان له مردود إيجابي من جميع المراقبين.

لكن لا ينبغي أن نثق تماما في أن اختلاف ٦٥ عاما قد ينتهي بجلسةِ ساعةٍ من نهار. نعم إن هذا اللقاء مهم وقراراته ووعوده تبعث الأمل في القلوب ولكن إذا نزلنا قليلا إلى عالم الواقع سنجد أن القرار وإن كان في دولة ديكتاتورية لا يكون جميعه بيد الرئيس فقط. فالمطلعين على حال البلاد في الشرق الأوسط يعرفون جدا كيف كانت الدولة العميقة سببا في طول الصراع في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها. هذه الدولة العميقة كادت أيضا أن تفشل ثورات مصر وتونس وهما اللتان تعدان أفضل من خرج من ثورات الربيع العربي بأقل الخسائر. لن تكون كوريا الشمالية بأفضل حال من غيرها من الدول التي ظلت تحت نظام متسلط ديكتاتوري لعشرات السنوات وان وعد كيم جونج أون ووعد. سيكون الضغط عليه من نظامه أكثر من أي وقت مضى هذا إن كان له في الأصل نية بتحسين العلاقات والاقتراب من إعادة الوحدة. أيضا الخلاف الذي أصبح جوهريا بين البلدين سياسيا وعلميا ووجدانيا يحتاج إلى التضحية بجيلين أو ثلاثة من أجل التقارب بين المستويات على الجانبين لتسهيل الوحدة المزمعة وأرى أن نظاما كنظام كيم جونج أون لن يغير سياساته التعليمية والعلمية بهذه السرعة. القمة كانت تاريخية. والوعود كانت برّاقة. والتطلعات كانت على أشدها والآمال تعلقت بما سيقال فيها. كل هذا حقيقي لا شك فيه. الشك فقط في إمكانية تحقيق كل هذه الوعود أو حتى معظمها. التاريخ دوار ويعيد نفسه وكما حدث في فيتنام وألمانيا وإن كان المثالان يختلفان قد يحدث في شبه الجزيرة الكورية. كل ما علينا فعله هو الانتظار لما سيؤول له اللقاء الأكثر من مرتقب بين كيم جونج أون ودونالد ترامب خلال الشهر الجاري واللقاء الذي دعا إليه كيم جونج أون الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن إلى بيونج في فصل الخريف. كم أن ما سيحدث حتى يتحقق هذان اللقاءان هو أيضا من الأهمية بمكان حيث سيدل على مدى جدية الوعود في القمة المنصرمة وسيمهد الطريق لتطورات أكثر في القمتين الأخريين.



kyd1991@korea.kr



سامي رشاد ظهر في البرنامج التليفزيوني المشهور الكوري "قمة غير عادية" كممثل مصري، وهو الآن طالب في كلية الدراسات العليا للغات والآداب الكورية، جامعة سيئول الوطنية.